أسئلــة العدالـــة؟! كيما لا تكون أجوبتها مؤجلة
بقلم : ا.د. عامر حسن فياض
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

طالما أن العدالة، بوصفها منظومة سياسية شاملة وليس قيمة أخلاقية إنسانية نبيلة فقط،هي منظومة ضعيفة الحضور والاهتمام في فكر وممارسات صُناع ومتخذو القرار السياسي في العراق من افراد وجماعات ومؤسسات فإن العراق لا يزال وسيبقى، لبعض الوقت، بحالة اللانجاح في تشكيل الدولة الحديثة وبنائها المدني..والعكس صحيح..

وكيما تكون العدالة في المنظور السياسي منظومة سياسية شاملة فإنها تعني عدالة اجتماعية في مضامينها وعدالة انتقالية في آلياتها. وعندها ستعرف العدالة بدلالة (منع الشر الكامن في الظلم) على رأي الكاتب الفلسطيني (عزمي بشارة)، وذلك بواسطة قواعد مفروضة تعاقدية كانت ام عقابية، كما انها مجموعة من الحقوق والواجبات يتأسس مفهومها على المساواة الاجتماعية التي تجمع بين الحرية ومبدأ المساواة بمعناه الذي يمكن تحقيقه في المجتمعات الحديثة عبر الانصاف في توزيع الخيرات والمنافع..ومن هنا يمكن اعتبار العدل كامنا في تطبيق هذه القواعد اعرافا اكانت ام قوانين.

في القول التقليدي وفي الفعل العتيق عرفت العدالة وطبقت على اساس انها عدالة منفصلة عن الحرية، وهي ما زالت مطروحة بمعزل عن مبدأ الحرية وبعيدة عن كونها عنصرا اساسيا من عناصر نظام حكم عادل. والسبب في ذلك انها، على وفق هذا القول التقليدي والفعل العتيق، تعد صفة الحاكم العادل فقط، اي صفة مرتبطة بمسلكه، كشخص فرد، في الحكم..بينما العدالة في الحكم هي نظام حكم عادل، مثلما ان عدالة القضاء، في عصرنا، ينبغي ان تستند الى قوانين عادلة ومؤسسات قضائية مستقلة، وقضاة نزهاء، ولا تعني القاضي العادل فقط..فالعدالة، كمنظومة سياسية شاملة، تصح في الدولة وهي بحاجة الى دسترة لضمانها، وبحاجة الى قوننة لتنظيمها، وبحاجة الى مأسسة لتمكين ممارستها وتطبيقها ومن تم تلمسها في اطار مرجعي دولتي وطني وليس في اطار مرجعي مكوناتي او فردي حتى لو كان المكون عادلا.

صحيح ان القوى والاحزاب والساسة، جماعات وافراد، قد اتخذوا مواقف ووضعوا مقاربات مختلفة نوعما في رفع الظلم واعلاء العدل وتحقيق العدالة الاجتماعية في العراق، غير انهم جميعا لم يتعاملوا في برامجهم ومناهجهم بخطاب واحد للتفكير ولفهم العدالة كمنظومة سياسية شاملة بالمعنى الذي وصفناه قبل قليل..

لقد لاحظنا ان العدالة والعدالة الاجتماعية دخلت في سلم اولويات الشعوب، واحتلت حيزا كبيرا في تفكير واهتمام الحركات الاجتماعية والسياسية، واختلطت بنضالاتها من اجل التخلص من الاستبداد والخروج من نير المستبدين لتتمتع بحق الحرية والمساواة والعيش الكريم. غير أنها لدى صناع القرار السياسي في عراق اليوم لم تصل الى الاهتمام الكامل كشعار وممارسة ومادة للتربية السياسية مترجمة الى واقع ملموس، لان هذا الشعار وتلك الممارسة وان كانت مضمونة دستوريا فأنها ما زالت تفتقر الى التمأسس والى التأطير التشريعي لذلك فأن اطروحة العدالة في العراق ما زالت لم تشكل تحديا عند اصحاب السلطة ولا تشغل مكانا مهما في ثقافتهم السياسية ولا تلقي صدى في اوساطهم الفكرية..

ان اصحاب السلطة وتنظيماتهم السياسية لم توفق بعد في بناء الدولة وادارتها على وفق مبادىء العدالة في مضامينها المتمثلة بالعدالة الاجتماعية ولا في آلياتها المتمثلة بالعدالة الانتقالية، وعن الاخيرة (اي العدالة الانتقالية) من المفيد ان نستحضر هنا ما استطاعت الباحثة الامريكية (نويل كالهون) القيام به في كتابها الذي يحمل عنوان(معضلات العدالة الانتقالية..) من عمل بحثي ممتاز واستقصائي مهم حيث درست فيه سياسات العدالة الانتقالية، واستقرأت فيه انماط التعامل مع الانتهاكات التي ارتكبتها الانظمة التسلطية الشمولية في لحظات التحول الديمقراطي، والتي تراوحت بين ثلاث مسارات. هي اما مسار القصاص العنيف، كما حصل في فرنسا وايطاليا واثيوبيا ورومانيا، وما قد يسببه ذلك من دورات انتقام وعنف وربما مجازر، او مسار انتهاج سياسة العفو ونسيان الماضي، كما حصل في عدد من دول اوربا الشرقية بعد سقوط الانظمة الشمولية الشيوعية مع ما تسببه هذه السياسة من بقاء مجرمي النظام السابق واركان فساده وادوات قمعه دون عقاب ومما سيدفعهم الى استخدام نفوذهم واجهزتهم لتخريب واعاقة عملية التحول الديمقراطي، او اتباع مسار سياسات الحق والعدل التي تقتص ممن ارتكبوا جرائم وانتهاكات دون موجات انتقام عنيفة ولا تسامح بعفو عن المجرمين.

اخيرا ما الذي ينبغي ان نستفيد منه من هذه المسارات الثلاثة في العراق؟ إن كنا هنا قد أجبنا عن نصف سؤال العدالة المتصل بمضامينها كعدالة اجتماعية، فإن النصف الآخر للجواب يتصل بالعدالة الانتقالية اي بالآلية الصحيحة للوصول الى العدالة بوصفها منظومة سياسية شاملة، وربما افضل آلية هي الآلية التي تتصل بالمسار الثالث مسار اتباع سياسات الحـق والعـدل.

*عميد كلية العلوم السياسية / جامعة النهرين

المدى

  كتب بتأريخ :  السبت 04-03-2017     عدد القراء :  3609       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced