المرأة العراقية والفقه المتشدّد
بقلم : لطفية الدليمي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

بعد عقودٍ من نضالات المرأة العراقية لنيل حقوقها الإنسانية المشروعة ومساهمتها الفعّالة في بناء الوطن، يعمل طائفيو البرلمان العراقي اليوم على إعادة المرأة إلى عصور الجواري بتعديلاتهم الفقهية الغريبة على مجتمعنا؛ ففي كل يوم تتفاقم الغلال المسمومة التي أفرزتها الطائفية الممسكة بخناق العراق ونظامها الذي يمعن تنكيلاً بالمجتمع ولاتقف في وجهه مواثيق الأمم المتحدة ولا الإعلان العالمي لحقوق الأطفال ولا يعترف ببنود الاعلان العالمي للتمييز ضد المرأة التي كان العراق من أوائل الموقعين عليها، فقد اختار المشرعون الطائفيون إدراج تعديلات مهينة للانسانية على قانون الاحوال الشخصية وانتقوا أسوأ مانصت عليه اجتهادات الفقهاء في ما يخص التعامل مع المرأة والطفل في موضوعة الزواج والإرث والقيمومة، حتى تماثلت رؤيتهم للمجتمع والمرأة مع الممارسات الداعشية التي أّذلّت النساء العراقيات من مختلف الأديان والاعراق واغتصبتهن وتعاملت معهن كغنائم حرب وجرى بيعهن واقتسامهن بين المسلحين في المناطق التي هيمنوا عليها في شمال العرق وغربه، ومازالت مئات المواطنات العراقيات الايزيديات والمسيحيات والمسلمات الأسيرات لدى داعش مجهولات المصير مع صمت مريب من الحكومة العراقية إزاءهن، ويبدو ذلك منطقياً إذا ماعلمنا أن الاحزاب الطائفية لاتعترف بمفهوم المواطنة قدر إيمانها بالتبعية الدينية والمذهبية الممتدة خارج حدود البلد الواحد.

وإذا ما ألقينا نظرة متفحصة على ما أنجزه البرلمان الطائفي من تشريعات تخل بالحقوق الاساسية للإنسان، تأكدنا أن جميع الأحزاب الاسلامية غير معنية بمصلحة البلاد قدر اهتمامها باقتناص الثروات وامتلاك العقارات وتقييد الحريات الأساسية والزواج بعدد من النساء قانوناً مع شرعنة زيجات تسيء لكرامة المرأة مما تعتبره القوانين الانسانية نوعاً من دعارة مستترة.

تبالغ التعديلات التي اقترحها البرلمان في ترويج الرؤية المنحطة للعلاقة الزوجية القائمة على المحبة والتراحم وقبول طرفين ناضجين مسؤولين عن خيارهما وتحولها إلى مجرد فعل جنسي واغتصاب مشين وبيع وشراء يتحكم فيه اولياء الأمور في ما يخص تزويج طفلة التاسعة التي تستحق الرعاية والتعليم والحرص على حقوقها الطبيعية في اللعب والعلاج والحماية من قبل الوالدين والمجتمع، وتأتي جميع التعديلات المستندة الى الفقه المذهبي – في نظام يدعي الديموقراطية – مناقضة في مجملها لقانون الاحوال الشخصية العراقي الذي ضمن كرامة الرجال والنساء من غير أن تتعارض مواده ونصوصه مع الشريعة التي استمد افضل مافيها وعززها بما أقرته القوانين الوضعية المتقدمة، وكان المشرع العراقي المعني بالوطن ومستقبل أجياله من الحكمة والاقرار بحقوق الانسان والمرأة حريصاً على انتقاء الاحكام الشرعية - من دون التقيّد بمذهب معين - ليسكبها في قاعدة قانونية ارتضتها غالبية المجتمع وبذلك أرسى سيادة القانون والقواعد الأولى لبناء مؤسسات الدولة.

لقد انطوى الدستور العراقي - الذي كتب بعجالة من قبل الطائفيين غيرالمتخصصين بالقانون عشية الاحتلال - على مواد عديدة تناقض مفهوم المساواة أمام القانون، بل أن ديباجة الدستور سيّدت الطائفية علانية وتعارضت المواد المتعلقة بحقوق الانسان مع كثير من مواده المتناقضة، إذ كتب الكثير منها بصيغ مبهمة يسهل تأويلها فقهياً لصالح التشدّد ويتيح للحاكم تحديد الحريات الاساسية وتقييدها بل وحظرها اذا لزم الأمر.

ويواصل البرلمان اليوم نسف (قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959) وتثبيت مواد مجحفة تستند إلى فقه مذهبي يناقض المواثيق الدولية في ما يخص قضايا الزواج وعواقب الطلاق وتبعاته والإرث والقيمومة على الاطفال، وانتهى الأمر به إلى تكريس التمييز العنصري بين المواطنين من الأديان الأخرى وحرمانهم من حقوق تتعلق بالمواطنة سبق وأن أقرتّها القوانين الوضعية السابقة .

جريدة العرب

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 21-11-2017     عدد القراء :  1863       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced