الدولة العميقة ليست اغريقية ..!
بقلم : جاسم المطير
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

اول القول :

ليس كل ما في الدولة يمكن ان يكون وسيماً . في كتابه ( الدولة و الثورة) ميّز فلاديمير لينين  ، بموقفه النقدي اللامع،  رسمية الدولة و طبقيتها وقوميتها وتاريخيتها ، اعتماداً ليس على أرشيفات تاريخية عن ماضي وجودها ، بل على أساس التحليل العلمي لمستقبل تطورها و رصد معالم كينونتها .

تاريخ جميع بلدان العالم يعلّمنا ان في دولها محاسن تُبتغى و مساوئ تُتقى. خاصة اذا ما عرفنا ان جوهر الفتنة الآتي من الدولة - أية دولة - هو اذا كان مسعاها قائماً على قافيتين ؛ أولاً ، قافية الدولة العلنية  ، البرلمانية ، الانتخابية ، الباحثة عن سؤدد المواطنين . و ثانياً قافية الدولة السرية المجرورة بالقيود والحدود .

الدولة الثانية تقف خلف الدولة الاولى ، محركاً  لها.

الدولة الثانية تخطط هدفاً ممنهجاً لحرية الدولة الأولى و قيودها ، حسب الحاجة .

الدولة الثانية تستغل وسامة الاولى و حلاوتها و جمال ادائها لغاياتها المشتملة على مصالح طبقية او عشائرية او عائلية . اسرارها الأولية و الختامية تقوم على قدرتها السرية في استخدام المكواة في رأس اساليبها بتعذيب معارضي  برامج و سياسات الدولة الاولى ، و قدرتها ، ايضاً، على استخدام احكام القتل والفناء الجماعي تحت الاطلال، سواء بأساليب الحروب او باستخدام أساليب اكثر حداثةً تؤدي بالمواطنين الى المقابر الجماعية .

في ظل تكاثر الزواج السري في عراق ما بعد نيسان عام ٢٠٠٣ ، خاصة ( زواج الطفولة) و في ظل العنف على الهوية بين الطوائف و اختطاف النساء واغتصابهم و قتلهن و في ظل مختلف أنواع الطغيان المنقول عن الإسلاميين الغامضين و غير الغامضين و اخرهم جماعات الدولة الداعشية و افعالها في الموصل و تكريت و الانبار و غيرها . ظهر مصطلح ( الدولة العميقة) في العراق بين مجموعات من  نواب البرلمان و وزراء الحكومة  و الصحفيين مصاغاً ببعض الآراء الصحفية عن  ( وجود)  غرائز و شهوات و عنف الدولة العميقة من دون الامتثال لطبيعة الله او لفضيلة الدين السماوي ، كما يدعون و يعلنون ، و لا احترام الدستور الموضوع من قبلهم ولا البحث في المفاهيم الاغريقية القديمة التي كان هدفها البسيط توفير الصحة واليسر و القوة للمواطنين  .

لا احد يشير في اقواله عن مكونات الدولة العميقة و شخصياتها و كيفية ممارسات افعالها و إمكانية مقارنتها بالدولة الأم ، الدولة الطبيعية ، الاعتيادية ، التي ( تحبل و تجيب)، علناً ، أمام جميع سكانها.

غابت الفضيلة وغابت السعادة و غاب الاستقرار منذ ذلك اليوم ، حتى اليوم، فقد صار الدين و السلاح شيئاً واحداً يستعملان في آن واحد. هكذا تقهقر القانون العراقي أمام دورات الثأر الشخصي و الانتقام الجمعي ، كأن أناس بغداد و ديالى و تكريت و الحلة وغيرها يعيشون في قطعان حيوانية يخضعون لقانون قطعان  الدولة الأقوى ، الدولة العميقة. مما جعل جسد  الديمقراطية العراقية المدّعى بولادتها بعد 2003 ، يفسد ، يوماً بعد يوم ، ثم يتحول شكلها العام إلى نوع جديد يمكن تسميته بالطغيان الأعلى  في ظل الديمقراطية بالأسفل.

في المعاني الاولى عن (الدولة العميقة)  نسمع انها ، عموماً ،  ذات مهام سرية فوضوية بالدرجة الاولى ، اي انها بالعكس ، تماماً، من أول (دولة عميقة)  متكاملة تكونت في الشرق الأوسط للمرة الاولى في  داخل نطاق تركيا ، لتمثل آراء مجموعة  من الليبراليين من أنصار  الزعيم التركي كمال اتاتورك في الدفاع عن العلمانية و نموذجها الشكلي - الاخلاقي ، الفاعل بسرية تامة ،  من قبل قادة عسكريين كبار تابعين او مؤمنين بمبادئ اتاتورك  في التاريخ و المواطنة .

ليس فقط نموذج الدولة العميقة موجود حكايته في الجمهورية التركية ، بل هناك حكايات كثيرة في مختلف الازمنة و الامكنة عن الدولة العميقة . و حكايات اخرى عن ترمل العديد من الدول العميقة في مساحات اخرى من جغرافيا الشرق الأوسط  حين محا التاريخ هذه الدولة او تلك او حين تغيرت  قيادة هذه الدولة او تلك بانقلاب عسكري او بالحصول على شهادة الثورة الشعبية . كنا ، نحن جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية ، و الجيل الثاني من الشيوعيين العراقيين ، نعتقد ، اعتقاداً جازماً، ان ( الماسونية ) تقف وراء كل دولة سرية ، أو وراء مفهوم ( دولة داخل دولة).

عام ١٩٦٢ بدأت حرب بين الدولة الهندية و الدولة الصينية . جذور الهند تمتد الى الثقافة البورجوازية المنادية بالسلام و التنمية البشرية و بالرؤية القومية الرأسمالية ، بينما كانت الصين  بلداً نموذجيا للماركسية الشعبية . إذاً يمكن القول ان من أشعل الحرب بين بلدين محبين للسلم و الحرية هما الدولة العميقة الهندية و الدولة العميقة في الصين ، بالرغم  من ان جميع تحليلات تلك الحرب مالت الى التغاضي عن حقيقة وافكار ومصالح (النخب العميقة ) القائدة في البلدين .

السؤال ، الان ، هو : هل يمكن تخيل الدولة العميقة في العراق بمفاهيم او اقطاب دولة عميقة اخرى مثل الدولة العميقة في تركيا او الدولة العميقة في السعودية او الدولة العميقة  في الجمهورية الاسلامية الإيرانية ..؟

ربما لا يستطيع اي احد من التمييز الواضح و الصارم في طبيعة المقارنة بين الدولة العراقية العميقة  مع اي دولة عميقة اخرى .

من طبيعة الحداثة السياسية في العراق ان بعض الباحثين العراقيين ينتهجون أساليب غامضة عند ممارسة البحث عن مشكلة من المشاكل  الاساسية التي تخص العراق ،  حين نجد هذا الباحث او ذاك (يلغمط) القضية و كأنها حدثت بين الناس في كوكب المريخ ..!

تواً انهيت قراءة مقالين لباحثين أكاديميين عراقيين عن  ( الدولة العميقة)  من دون ان يربط اي واحد منهما وجود و ممارسات و تعريفات عن  ( الدولة العميقة ) بإشارة و لو بسيطة  الى واقع هذه الدولة في جمهورية العراق الراهنة .  تحدث الباحثان بصورة متشظية و متقطعة عن تعريف الدولة العميقة على وفق رؤية الجماعات الأكاديمية المرتبطة بالجماعات الحاكمة أو حتى غير المرتبطة ،  في  عدد من الدول الرأسمالية المتطورة . أغفل ، تعمداً، تخيل وجود الدولة العميقة في العراق المعاصر ، ربما حرصاً على التمسك بالاعتدال الافلاطوني ،  لكنه وقع من دون ان يدري في الإساءة الى الاخلاق السياسية لأنه كان مجاملاً ، أكثر من اللازم ،  لأصحاب الاطار المادي – المسلح ،  الواقفين في العراق خلف الدولة العميقة ، بمعنى ان هذا الكاتب قد تخلى عن سلطة الرأي المستقل الصريح .

لم يقدم أي من الكاتبين الفاضلين حسابا ً دقيقاً ، لا مركزاً و لا تفصيلياً ، عن ماهية (الدولة العميقة) في العراق. حاولا تقديم مفهوم عمومي عن الدولة العمومية ،  على وفق نظريات مدارس اليونان ومدارس الامريكان في العلوم السياسية المتصلة بالدولة الظاهرة او المتفرعة عن الدولة العميقة . لم يمارس أي منهما حرية كشف مضامين و مؤسسات و تجمعات و مؤامرات (الدولة العميقة) في العراق و منهجية الأشخاص ، دينيين او غير دينيين ، أو منهجية قياديي الطوائف او الأحزاب الإسلامية الواقفين خلفها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع القسم الثاني

  كتب بتأريخ :  الخميس 13-12-2018     عدد القراء :  1455       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced