المتاجرة بالنساء أحد أشكال العنف ما فوق القومية بحق المرأة
بقلم : حميد كشكولي
العودة الى صفحة المقالات

يمكن اعتبار أعمال العنف التي تمارس بحق المرأة ، في المجتمعات الطبقية الباطرياركية ، منذ عصور مر ّ بها تاريخ الحضارة البشرية، أحد أشكال ممارسة السلطة الأبوية ،واستغلال الإنسان للإنسان.
العنف هذا لم يخف ، ولم يختف ِ رغم الادعاءات الصارخة بالتقدم الحاصل اقتصاديا واجتماعيا في مجال حقوق الإنسان، بل على العكس نشهد على أنه يأخذ أبعادا أوسع ويشتد ّ يوما بعد يوم . العنف الجنسي في أنحاء العالم، يمارس بأشكال عديدة، و أساليب مختلفة.
شيء من هذا العنف ، مثل الاغتصاب ، والضرب و الاهانة ، و التزويج القسري، الختان أو بالأحرى التمثيل بجسد المرأة وهي على قيد الحياة، يتم كأنه ضمن مهمات القطاع الخاص ، و رغم أن الحكومات ظاهريا أصدرت قوانين تدين هذا العنف ، لكنها لم تخطو خطوة في سبيل إلغائه ، و لا تتدخل لقطع دابر العدوان على المرأة.
وثمة أنظمة حكم مستبدة تدعم العنف على النساء ، وتمارسه أيضا ، بسنها قوانين ومقررات تكون في صالح المجرمين ، كما هو الحال مع النظام الإيراني الذي يرتكب كل جرائم الرجم و السجن و التضييق على حريات المرأة وفق الشريعة الشيعية ، وقد أباح جرائم قتل الشرف ، تماديا في تحريم المرأة من حقوقها أساسية الطبيعية.
وثمة عنف يمارس عالميا متجاوزا كل الحدود الوطنية ، ألا هو تجارة الرقيق الأبيض، إذ يتم التعامل مع نساء كأية سلعة من السلع التجارية و المواد الخام ، وتصدر من بلد إلى آخر ، و تستوردهن شركات خاصة في بلدان أخرى. أجل ، كأية سلعة ، تستهلك المرأة في المجتمع الرأسمالي المتفسخ وثم تسكرب كأية مركبة . هذه التجارة تحولت منذ العقد الأخير من القرن الماضي إلى واحدة من أكثر المعاملات التجارية العالمية الأكثر ربحا للعالم الرأسمالي...
.
وإن ضحايا هذه الجريمة المنظمة تقدر ب 500 ألف امرأة سنويا. وإن النساء اللائي يتعرضن إلى هذا النوع من العنف والاستغلال ، ينحدرن على الأغلب من الشرائح الفقيرة والمحرومة، فيقعن في فخ وعود من قبيل الحصول على الإقامة في البلدان الصناعية المرفهة ، أ و الحصول على دخل مادي جيد ، أو عقد عمل مناسب الخ ... وثمة بعض منهن يتم بيعهن كالبهائم من قبل أهاليهن، أو يتم اختطافهن. كما يتم استدراج كثير منهن إلى الإدمان على المخدرات ، وذلك في سبيل ربطهن بالمافيات بدون فكاك... أو يتم تحميلهن ديونا طائلة من قبل مهربي البشر بحيث يستحيل عليهن تسديدها ، إلى حد لا يمكن تصور وجود وسيلة للنجاة من هذا المستنقع الجهنمي.
عمليات تصدير النساء واستيرادهن لا تتم ضمن نطاق محدود وخاص فحسب، بل أغلبها تقوم بها منظمات و شبكات عالمية.ومن البديهي أن مثل هذه الأعمال لا يمكن أداؤها بدون توفر حماية اقتصادية وسياسية وتنفيذية من سلطات سياسية و أمنية ومالية.
هكذا فان الحماية تبدأ بدفع الرشاوى لأصحاب القرار والسيطرة و البوليس ، متوسعة حتى تأخذ أبعادا سياسية أوسع في سبيل الربح الكبير الاقتصادي، بل تتحول إلى سياسة اقتصادية مقنعة لبعض الحكومات.
وللتغطية على الجريمة تقوم المافيا المجرمة بتأسيس وكالات للسفريات، وشركات التوسط للزواج، أما ما يتعلق بالفتيات دون سن الثامن عشرة فيتم تأسيس شركات التوسط للتبني والأبوة. و لا يحق للنساء الواقعات في شراك العصابات المافيائية الشكوى مما يعانين ، إذ لا تعتبر هن حكومات بلدانهن مواطنيها ، وسوف تأخذ سلطات البلدان التي جلبن إليها إجراءات قاسية بحقهن فيحال اكتشفت أنهن يؤدين أعمالا ولا يؤدين ضرائب للدولة . وكذلك يخفن من رجال المافيات وسماسرة البشر ، فلا يقدمن أي شكوى إلى الشرطة، كما أن أبسط إجراء من الحكومات إعادتهن إلى بلدانهن الأصلية ، حيث يتلقين صعوبات أكبر و مصائر مجهولة.

قسم من هذه التجارة يتم بعلم تام من الحكومات و الشرطة ، إذ تم أثناء العاب كأس العالم لكرة القدم عام2006 في ألمانيا ، تم تصدير 40 ألف امرأة إلى هذا البلد لغرض الدعارة ، وقد كانت إقامتهن خلال تلك الفترة قانونية ، ولم يكن لاعتراضات ناشطي وناشطات حقوق المرأة أي تأثير.

ولتجارة النساء جوانب أخرى منها الاستفادة منهن كقوة عمل رخيصة يتم استغلالهن بأبشع الصور.هذه القوة العاملة تستخدم في خدمات البيوت ، و رعاية المرضى ، و في المعامل وخاصة في المجالات الإنتاجية الحرة ، برواتب زهيدة جدا، في ظروف عمل قاسية و كثير منهن يتخذن كجواري ورقيق جنس من قبل أصحاب العمل و السماسرة و غالبا يتعرضن للاغتصاب والاستغلال الجنسي.
وفقا لإحصاء منظمة العمل الدولية، إن 43% من هؤلاء النساء يجلبن للاستغلال الجنسي والمتعة الجنسية. و 32% منهن للاستغلال الاقتصادي . و 25% منهن لكلا الاستغلالين الجنسي والاقتصادي .
و وفقا لتقارير صدرت في حزيران من العام الفائت ونشرتها وسائل الإعلام، سنويا، يتم تصدير 30 ألف إلى 40 ألف امرأة من البلدان الإفريقية إلى البلدان الأوروبية من ضمنها ألمانيا ، هولندا، اسبانيا، فرنسا واليونان لغرض ممارسة الدعارة.
ووفق إحصاء آخر من قبل مفوضية التشريع القضائي للاتحاد الأوروبي، يتم سنويا تسفير 120 ألف امرأة وطفل من البلدان الإفريقية والآسيوية والأمريكية الجنوبية إلى الإتحاد الأوروبي، للعمل في قطاع الدعارة أو كلا العمل والدعارة.

من الجدير بالملاحظة أن الإحصاءات المذكورة تعكس جزءا من الواقع وليس هناك إحصاءات دقيقة وكاملة... ترتكب كل هذه الجرائم، وقد صوتت الأمم المتحدة عام 2000 على لائحة لمكافحة المتاجرة بالنساء ومعاقبة السماسرة. كما إن الاتحاد الأوروبي منذ 1996 إلى اليوم لم يتوقف عن إصدار بلاغات تدين المتاجرة بالنساء.إذ أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي اصدر في عام 2000 بلاغا حدد فيه إستراتيجيات عالمية لمكافحة المتاجرة بالنساء، لكن النتيجة هي توسع هذه التجارة وإدامتها، لأنها بكل بساطة تدر أرباحا على الشركات الرأسمالية، و تزيد من فائض القيمة لإدامة ماكينة الاستغلال الرأسمالي. ومن المتوقع أن تأخذ هذه التجارة أبعادا أخطر وأشد نتيجة الأزمة الاقتصادية الرأسمالية الراهنة.
وبالنظر إلى الأبعاد الواسعة للمتاجرة بالنساء ودور الحكومات البرجوازية فيها ، نستنتج أن الرأسمالية العالمية الباطرياركية ، لن ترغب أبدا إلى وضع نهاية لهذه التراجيديا بل بسبب الربح البالغ من هذه التجارة ، والبالغ سنويا 7 مليارات من الدولار، ليس أمامها إلا العمل على توسيعها والاستمرار فيها.هذا الربح السنوي الذي يتم ضخه للسوق وعلى القيمة المضافة، يديم و يصقل ماكينة الرأسمالية التي تهرس الإنسان بين أسنتها.

وكم كان ماركس في البيان الشيوعي على حق حين رد على البرجوازيين ادعاءهم:
و "لكنكم، أيها الشيوعيون، تريدون إدخال إشاعة النساء". كذا تزعق بنا بصوت واحد البرجوازية كلها. فالبرجوازي يرى في امرأته مجرَّد أداة إنتاج. و هو يسمع أن أدوات الإنتاج يجب أن تشتغل جماعيا. و طبعا، لا يسعه إلاّ أن يعتقد بأنّ قدَر الاشتراكية سيصيب النساء أيضا. و لا يدور في خلده أنّ الأمر يتعلق، ضبطا، بإلغاء وضع النساء كمجرّد أدوات إنتاج. و للمناسبة، لا شيء أكثر إثارة للسخرية من ذعر برجوازيتنا الأخلاقي المسرف في أخلاقيته، من إشاعة النساء الرسمية، المدَّعَى بها على الشيوعيين. فالشيوعيون ليسوا بحاجة إلى إدخال إشاعة النساء، فقد وُجدت على الدوام تقريبا. فبرجوازيّونا، غير القنوعين بأن تكون تحت تصرّفهم، نساء بروليتاريتهم و بناتهم، ناهيك عن البغاء الرسمي، يجدون متعة خاصة في أن يتداينوا باتفاق متبادل. فالزواج البرجوازي، في الحقيقة، هو إشاعة النساء المتزوجات. و قصارى ما يمكن أن يُلام عليه الشيوعيون، هو أنهم يريدون إحلال إشاعة رسمية و صريحة للنساء محل إشاعة مستترة نفاقا. و للمناسبة، من البديهي أنه بإلغاء علاقات الإنتاج الراهنة تزول أيضا إشاعة النساء الناجمة عنها، أي (يزول) البغاء الرسمي و غير الرسمي.
" من البيان الشيوعي"

هذا العالم الرأسمالي الذي وصل مرحلة التفسخ منذ عقود لا يمكن أن نصدق قادته و عسكره و جيوشه بأنهم جاؤوا إلى العراق و أفغانستان و اليمن بالديمقراطية و الحرية .
هذا هو العالم الذي يمثله بلير و بوش ورامسفيلد و المحافظن الجدد والقدامى ، هؤلاء الذين يدعون بأن المجازر اليومية ، والقصف اليومي على المدنيين ، والتواطؤمع القوى الأكثر ظلامية ودكوية في التاريخ ، ديمقراطية ومدنية وإنسانية.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 02-02-2010     عدد القراء :  2491       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced