منعطف سياسي حاسم
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

بينما يتفاقم الصراع على السلطة والامتيازات ارتباطاً بالاستحقاق الانتخابي، يستخدم كل طرف متنفذ مادة الصراع وعناصره في إطار المصالح الضيقة، ويحتل التسييس مركز الصدارة في الدوافع التي تكمن وراء مواقف الأطراف المختلفة. ويرتبط هذا السلوك، بالطبع، بالظواهر المريرة في العملية السياسية، وهي جزء من ثقافة سائدة في الفضاء السياسي، ونعني، بالأساس، ظاهرة المحاصصات وما ينجم عنها من مواقف مسيّسة تكشف عن نزوع القوى المهيمنة الى الاستحواذ على الامتيازات السياسية والاجتماعية وتهميش وإقصاء "الآخرين".
ولعل آخر مرارات التسييس تتمثل في قرار الهيئة التمييزية بشأن المستبعدين من المشاركة في الانتخابات. فقد كان قراراً "سياسياً" يتجاوز حدود صلاحيات الهيئة ومهماتها واستقلاليتها المفترضة، ويفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية. وهو قرار يكشف، من بين تخبطات ومخاطر أخرى، عن شيوع منهجية التسييس في سائر الميادين.
ومن نافل القول إن التحضير للانتخابات يجري في ظل أجواء سلبية ملتبسة ومثيرة للارتياب. وهذا يرتبط، بالطبع، بالصراع الجاري في مجتمعنا بشأن وجهة التطور. وهو صراع لا يجري بين القوى المشاركة في العملية السياسية حسب، وإنما، أيضاً، بين هذه القوى وبين قوى الارهاب وأيتام النظام المقبور وعصابات الجريمة المنظمة.
ومن بين حقائق هذا الصراع أن القديم، أي الدكتاتورية الفاشية، قد زال، ولكنه مايزال متشبثاً بجذوره ساعياً الى البقاء، والجديد لم يولد بعد إذ المخاض عسير. فلم تُرسَ، بعد، أسس الدولة المدنية، ولم تتبلور، بعد، ملامح النظام السياسي، ولم تتحدد، بعد، وجهة التطور الاجتماعي. وظل المرتجى الذي في سبيله عانى الملايين من خيرة بنات وأبناء البلاد بعيد المنال.
ومما يبعث على الأسى أن سياسات القوى المتنفذة وحصيلة تجربة الحكومات المتعاقبة عمقت مشاعر الخيبة والاحباط واليأس لدى قطاعات واسعة، وخصوصاً القوى الحية في المجتمع التي كانت تتطلع الى تغيير حقيقي، وبالأساس الشغيلة والنساء والشباب والمثقفين. وما تزال المآسي نصيب الملايين حيث التركة الثقيلة للدكتاتورية وحروبها واستبدادها، والنتائج المدمرة للاحتلال، والتدخل الفج لدول الجوار، وانفلات الارهاب، وتفشي الفساد، وغياب المؤسسات وحكم القانون، وشيوع الفوضى في "الدولة"، وتفاقم معاناة الناس المريرة في مختلف الميادين ومنها الخدمات الأساسية ومصاعب الحياة المعيشية للكادحين خصوصاً، ناهيكم عن العواقب الوخيمة لمنهجية المحاصصات وسيادة نزعات الهيمنة والاستحواذ والاقصاء.
غير أن القوى المتنفذة، وبدل أن تستخلص الدروس من هذا الواقع المرير، تواصل نهج التشرذم والتناحر في ادارة الصراع السياسي التي تتطلب واقعية سياسية. ويريد كل طرف أن يحدد وجهة التطور بما يتوافق مع مصالحه، وهي مصالح ليست متوافقة حتى في إطار الائتلاف الكبير الواحد القائم على أساس طائفي أو إثني. فالتمايزات التي شهدتها مثل هذه الائتلافات، في سياق الصراع الاجتماعي، تكشف، في الواقع، عن إعادة انتاج لصيغ الائتلافات القديمة، ذلك أن أسس هذه الائتلافات طائفية أو إثنية، وبالتالي فانها تنطوي على التناقض نظراً لتباين المواقع الطبقية والاجتماعية لمنتسبيها.
وتكشف حقائق الصراع السياسي المحتدم في البلاد عن ملامح التناقض والتشابك في المصالح والرؤى والبرامج. وتمر العملية السياسية بحال من الفوضى وعدم اليقين، وعلى نحو يوحي بأن الممارسة الانتخابية لن تتسم بالانسيابية والهدوء المنشودين. ويرتبط هذا الواقع بحملة المنافسة الانتخابية المحمومة، حيث يسعى كل طرف الى تسويق نفسه للناخبين بغض النظر عن مصداقية ما يقدمه للناس من برامج ووعود. وتأخذ المنافسة بين القوى السياسية مسارات غير طبيعية، ولا يندر أن تتحول الى اتهامات وإساءات وتشهير في وسائل الاعلام لأغراض انتخابية وتصفية حسابات بين المتصارعين. هذا ناهيكم عن الادخال القسري لقضايا مختلفة في ماكنة التنافس الانتخابي، وبينها قضايا لا يفترض أن ترتبط بهذا التنافس أصلاً. ولعل أبرز مثال على هذا قضية الميزانية التي ظل إقرارها خاضعاً، فترة طويلة، لمتطلبات الصراع والمصالح السياسية الضيقة.
وفي ظل هذه الأجواء من الصراع وُلد، كما هو معروف، قانون الانتخابات المجحف، فكان انقلاباً تشريعياً جسد الصراع الدائر في المجتمع حول السلطة والنفوذ وحصر المساهمين "المقررين" في العملية السياسية، وهي عملية لا يمكن أن تتعافى دون مشاركة فاعلة لسائر الوطنيين الحقيقيين.
* * *
رغم المصاعب والالتباسات والنتائج غير المرتجاة لا يمكن النظر الى صوت الناخب الذي يخوض التحدي سعياً الى التغيير باعتباره صوتاً ضائعاً، ذلك أن مقاطعة الانتخابات لن تفعل سوى تسهيل مهمة القوى المتنفذة في الاستحواذ على السلطة وتمرير أجنداتها مرة أخرى.
هذه الانتخابات فرصة أخرى مميزة لطرح رؤيتنا البديلة ومشروعنا الوطني الديمقراطي الحقيقي، المختلف عن المشاريع "الوطنية" التي تعلنها قوى متنفذة تحاول، الآن، التنصل عن مشاريعها الطائفية ومسؤوليتها الأساسية عن المآسي التي مايزال الملايين يعانون منها ونحن في العام السابع على "التحرير".
نحن الآن أمام منعطف سياسي يُنتظَر أن يقرر مصائر وجهة التطور ويحدد ملامح المستقبل. وحول هذه الوجهة تدور المعركة السياسية والاجتماعية الراهنة. وعلى نتائج هذه الانتخابات يعتمد تحديد اتجاهات الصراع الدائر حول السلطة والثروة، وتقرير شكل ومحتوى الدولة العراقية الجديدة

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 09-02-2010     عدد القراء :  2322       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced