ذكريات شاهد عيان عن انقلاب 8 شباط 1963 الأسود
بقلم : د.عدنان رجيب
العودة الى صفحة المقالات

يوم الجمعة 8 شباط 1963، كنت كالعادة أنوي الذهاب إلى مقر اتحاد الطلبة العام، الكائن في منطقة الوزيرية – مقابل كلية التربية-. حينما خرجت من بيتنا صباحا قابلت في الطريق بعض الجيران الذين أخبروني عن حدوث انقلاب .... فهزني الأمر ... وسرعان ما عادت بي الذاكرة إلى أحداث جمة متسارعة كانت قد حصلت قبل فترة قصيرة.
كانت بغداد لفترة زمنية طويلة تموج بمظاهرات عديدة نظمها الحزب الشيوعي العراقي في مناطق عديدة من بغداد، كان هدفها تشديد وعي الجماهير ضد مؤامرات الاستعمار والرجعية المحلية ضد الحكم الوطني. وكان آخرها مظاهرات حاشدة انطلقت يوم الخميس 7 شباط في مناطق عديدة من بغداد. أكبر المظاهرات تلك التي انطلقت من المتحف العراقي، بالقرب من محطة القطار العالمية. فلقد تناهى إلى علم الحزب الشيوعي العراقي عن نشاط رجعي استعماري لتنفيذ مؤامرة ضد الشعب العراقي لإسقاط الجمهورية. وقد كانت مظاهرات يوم الخميس 7 شباط حاسمة قوية وبعنفوان شديد. تعالت هتافات المتظاهرين داعية لتعميق الوعي الجماهيري من أجل الحفاظ على مكتسبات الشعب وضرورة التصدي للمؤامرات الرجعية الاستعمارية.
لقد ارتعب رجال الأمن وهربوا مذعورين، ومنذ انطلاق المظاهرة. وسمعنا إن أحد رجال الأمن تم قتله، لأنه حاول التصدي للمتظاهرة. عند مرور المظاهرة من أمام مديرية شرطة اليرموك، لاحظنا الشرطة عند الباب يصفقون للمظاهرة خوفاً من احتمال الهجوم على مديرية الشرطة، كدليل الرعب والهلع من ضخامة المظاهرة وشعاراتها. استمرت المظاهرة الهادرة حتى جسر الشهداء (جانب الكرخ)، حيث تم قراءة المطاليب الجماهيرية التي دعت الشعب إلى الحذر والوعي لما يخطط ضده من خونة الشعب، كما شددت المطاليب على وجوب أن تتخذ السلطة (سلطة عبد الكريم قاسم) الإجراءات الرادعة الحاسمة ضد الرجعية ومؤامراتها. وتفرقت المظاهرة بعدها، دون أن يفكر الأمن في اعتقال أي متظاهر خوفاً من نتائج ذلك بسبب عزيمة المتظاهرين.
لقد عمد الحزب الشيوعي العراقي في أوقات سابقة إلى تحذير سلطة عبد الكريم قاسم من وجود تحرك رجعي إمبريالي يجري التخطيط له لإرجاع العراق إلى حضيرة الأحلاف العسكرية والتبعية الغربية. كما ثابر الحزب على رفع وعي جماهير الشعب والتصدي للقضاء على أي تحرك رجعي. فلقد كانت مظاهرات ومنشورات وبيانات الحزب الشيوعي، منذ فترة سبقت الانقلاب الفاشي، تعلن هذه التحذيرات وتحفز عزائم الجماهير. لكن سلطة عبد الكريم قاسم لم تكن بالمستوى المطلوب لتلك الأحداث. كذلك كانت شأنها شأن أية سلطة للبرجوازية الوطنية، منخرطة في التضييق على نشاطات الحزب الشيوعي والتضييق على الحريات الديمقراطية للجماهير. لقد دفعت بيانات وتحذيرات الحزب الشيوعي السلطة إلى لقيام ببعض التدابير الإيجابية لفضح التآمر. وتم في هذا الصدد تتبع خيوط التآمر، ومن ثم اعتقال بعض الضباط البعثيين وغلاة القوميين الرجعيين، ومنهم صالح مهدي عماش. وخلال التحقيقات معهم انهار الكثير منهم واعترفوا بالتخطيط للمؤامرات المعادية للوطن. إلا إن صالح مهدي معاش، المسئول العسكري في حزب البعث، استغل حادثة وفاة والده ليحصل على إجازة من السجن للاشتراك في تشييع جنازة والده، وليستفيد من ذلك في إخبار أقرانه المتآمرين بضرورة تنفيذ المؤامرة بأسرع ما يمكن، وإلاّ فإن زملاءه سيفشون كل الأسرار. لذا جرى تقديم تنفيذ المؤامرة، واختير يوم 8 شباط 1963 موعداً لبدء إغراق العراق بالدماء والإطاحة بالحكم الوطني، وذلك كعربون من البعثيين وباقي الرجعيين لصدق نواياهم في موالاة شركات النفط الاحتكارية والإمبريالية العالمية.

حينما سمعت بخبر الانقلاب الفاشي، ذهبت من البيت إلى بعض الأصدقاء، حيث كنا نسكن في الكرادة الشرقية، وإستقلينا الباص باتجاه الباب الشرقي. كان الناس من حولنا غاضبون وبحالة استياء كبيرة من الحالة التي ستؤول البلاد إليها. وكان حديث الناس يتسم بالحرص على الوطن وضد المؤامرة وما يجري في بغداد. وما أن وصل الباص بنا إلى نهاية شارع عرصات الهندية وبالقرب من دار الشهيد فاضل عباس المهداوي، حتى شاهدنا بعض المدنيين مختفين خلف الأشجار وهم يحملون غدارات، وعلى سواعدهم خرق خضراء مكتوب عليها حروف (ح. ق.). علمنا فيما بعد إنها تعني (حرس قومي)، على غرار "الأس أس" الألماني النازي. اضطرب المواطنون في الباص، كل يتكهن بشيء.... هل المسلحون متآمرون أم لا. قال بعض الركاب : لعل هؤلاء المسلحون هنا لحماية المهداوي. بعد فترة قصيرة سمعنا صوت اطلاقات نارية ثم سيارة عسكرية فيها المهداوي تمر أمامنا بسرعة. ويبدو إن أولئك المسلحين أطلقوا رصاصهم عليه لكن لم يصيبوه. فانطلقت حناجرنا، نحن ركاب الباص، بالهتاف للجمهورية وللشعب العراقي ولحياة المهداوي وضد المتآمرين. وعندما وصل الباص إلى منطقة الباب الشرقي، وجدنا ساحة التحرير والشوارع المؤدية لها تموج بمئات الآلاف من المواطنين.... حمل الكثير منهم الحجارة والعصي فقط، لا توجد أسلحة ... هتافات هادرة تنشد : ماكو مؤامرة تصير عين الشعب مفتوحة. حناجر وسواعد توحدت تهتف لجمهورية الشعب ومساندتها، وضد المؤامرة والرجعية وسحق مؤامرتهم. شاهدنا خطباء وبضمنهم عسكريين يلقون الخطب الحماسية في أماكن متعددة من ساحة التحرير وسط الجماهير الغاضبة المتحفزة للانقضاض على المؤامرة. لم تكن هناك سوى الحجارة والعصي وبعض الأسلحة البسيطة في مواجهة أسلحة المتآمرين.
شق الآلاف من المتظاهرين الطريق نحو شارع الرشيد. وهدير الجماهير لا يهدأ متوعداً المتآمرين بسوء العاقبة، وهي تهتف "باسم العامل والفلاح يا زعيم إنطينه سلاح"، و"ماكو مؤامرة تصير ...."، إلى جانب شعارات الحزب الشيوعي في التغني بالوطن وبالشعب. إثناء سير مظاهرتنا في شارع الرشيد، مرت علينا مصفحات عسكرية علقت عليها صور عبد الكريم قاسم. فكنا نقابل هذه المصفحات بعواصف التصفيق والهتافات، لاعتقادنا إنها ضد المؤامرة، ولكن تبين فيما بعد إنها قطعات عسكرية للمتآمرين، ولخوفهم من غضب الجماهير كانوا يضعون عليها صور عبد الكريم قاسم. استمرت المظاهرة الضخمة في مسيرها وكان المواطنون يرفدونها حيث كانوا يأتون من كل الشوارع والفروع الأخرى، موحدي الفكر والحناجر ضد المؤامرة ودفاعا عن الجمهورية. وكانت باقي مناطق بغداد والمدن الأخرى تغلي على هذا النحو. وقد أشار فيما بعد رئيس تحرير جريدة العراق آنذاك، وكان من غلاة الرجعيين من أدعياء القومية، محدثا بعض من معارفه: " خرجت يوم الانقلاب بالسيارة مع زوجتي فوجدت الشوارع عبارة عن كتل بشرية دعاها الشيوعيون إلى القضاء على الحركة. وفقدت وقتها الأمل في نجاح الانقلاب، فعدت إلى البيت وقلت لزوجتي، إذا جاء أحد لاعتقالنا فقولي ليست لنا علاقة بالانقلاب ولم نخرج من البيت أبدا ". ولم يكن المتآمرون بأقل تشاؤماً في نجاح انقلابهم من رئيس تحرير جريدة العراق.
لقد كان من أهم عوامل نجاح الانقلاب هو تورط السلطة بإضعاف القوى التقدمية في البلاد ومنع الحريات الديمقراطية والحرب ضد الشعب الكردي. كما أن شحة، بل تقريباً انعدام، السلاح بيد الجماهير من العوامل التي لم تمكن المواطنين من القضاء على المؤامرة. ويتحدث المواطنون الذين تجمعوا في شارع الجمهورية صباح يوم المؤامرة، إن عبد الكريم قاسم مر من الشارع، وقد قابله المواطنين بالهتاف لحياة الجمهورية ولحياته، وطالبوه بالسلاح " باسم العامل والفلاح ...". إلا إن عبد الكريم قاسم طلب إليهم الهدوء والعودة لبيوتهم، وأشار لهم بأصابعه في إنه سيقضي على المؤامرة في خلال ساعتين (؟!). فلم يشأ عبد الكريم قاسم حتى في ذلك اليوم العصيب أن يقتسم المسؤولية الوطنية مع الجماهير ليسلحها للدفاع عن نفسها وعن مكتسباتها.
تابعت مظاهرتنا اندفاعها في شارع الرشيد صوب وزارة الدفاع لرفع معنويات السلطة والمساهمة في مواجهة المتآمرين. وعند اقتراب المظاهرة من البنك المركزي، ظهرت مصفحتين مزدانتين بصور عبد الكريم قاسم... أخلا المتظاهرون لهما الطريق محيينهما بالتصفيق والهتاف...إلا أن المصفحتين وبعد وصولهما بالقرب من فتحة سوق الشورجة، توقفت إحداهما وفتحت النار على المتظاهرين. رأيت شهيداً يسقط وحمله بعض المتظاهرين. كما دوّت إطلاقات نارية كثيفة باتجاهنا قادمة من سطح البنك المركزي. تفرقت المظاهرة على جانبي الشارع، واشتد الغضب الشديد لدى المواطنين العزل بسبب جبن المتآمرين وخداعهم، مما عزز بقوة عزيمة الجماهير. وبعد أن غادرت المصفحتين باتجاه باب المعظم، عاودت المظاهرة الجماهيرية مسيرها بشكل أقوى وأهدر في ترديد شعاراتها. وما أن وصلنا بالقرب من ملتقى شارع الأمين، حتى ارتكبت جريمة أخرى ... فالرصاص بدء ينهمر علينا من الخلف وكذلك من أمامنا، من الجهة الأخرى لشارع الرشيد. كانت هناك دبابة في مواجهتنا تصب جحيمها الأرعن على المتظاهرين. أنتشر بيننا رعب شديد ... ولجأ المتظاهرون إلى الأزقة هرباً من حصاد الموت الإجرامي. لم أستطع اللجوء إلى أي ملاذ للاختفاء. فاضطررت إلى الاحتماء بمدخل عتبة أحد أبواب المخازن ضاغطاً جسمي بشدة عليها لاتقاء رصاص مدفع الدبابة. كانت عيناي مسمرتان على الدبابة التي رأيتها ترسل حمم الموت مباشرة على الشارع. لقد وجدت فروع الشارع، على قربها مني، بعيدة عني فلم أجازف التوجه نحوها تفادياً لاحتمال إصابتي بالقذائف.
مرت فترة حرجة وعاودت الدبابة بعدها التوغل في شارع الرشيد باتجاه باب المعظم وذلك لتساهم في تحطيم تحصينات وزارة الدفاع. بعد مغادرة الدبابة، سنحت لي الفرصة للهرب من احتمالات أسوء. لكن تجمع بعض المتظاهرين مرة أخرى وراحوا يرددون شعاراهم الوطنية. وأحسست بيد حنونة تمتد وتمسك يدي من رجل بادر بالقول:" لقد شاهدت خطورة وضعك"، ثم قال : "أمشي بسرعة اتقاء شر دبابات أخرى". وعرفت هذا الرجل فقد كان أحد مسؤولي المظاهرة. توجهنا إلى شارع الأمين، ولكننا أبصرنا في العمق سيارة عسكرية. فانحرفنا يساراً باتجاه المتحف القديم. قال لي الرجل:" سننجو بعد أن ندخل أحد الأسواق". كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن سلامتي لصغر سني. ما أن اجتزنا المتحف القديم حتى شاهدنا مجموعة مسلحين قادمين من جهة الكرخ، عبر جسر الشهداء. أحسست بقبضة الرجل تشد على يدي بقوة، وهو يقول لي هامساً ولكن بصرامة :"أمشي بهدوء وكأنك لا ترى شيئا". كنت في الحقيقة مضطرباً، فقد كانت حياتنا في خطر من هؤلاء المسلحين. وكان هروبنا إلى أيّة جهة في تلك اللحظات يعني الموت المحقق. كانوا بضعة عشرات مسلحين برشاشات، أحسست بأن وجوههم كالحة حقيرة ورأيت بينهم فتيان في الثالثة أو الرابعة عشر من عمرهم ويحملون الرشاشات. ويبدو إني تماديت في النظر إليهم، الأمر الذي أغضب صاحبي، إذ أحسست بضغط شديد على يدي، وصوت صاحبي يخرج صارماً من بين أسنانه الصاكة على بعضها: "أنظر إلى الأمام فقط". فامتثلت للأمر وأحسست بخطورة تصرفي.
كان الشارع خالياً تماماً، وكنا الوحيدون الذين نسير في الشارع أمام المسلحين. لذا يبدو إن المسلحين قد شكوا في أمرنا، وما كدنا نجتازهم، ونحن نمثل اللامبالاة، حتى سمعنا من الخلف أحدهم يسأل جماعته: " من هؤلاء؟ "، ثم أعقبه رد من أحد الفتيان:"إقتلوهم". صعد الدم إلى وجهينا، وارتبكنا، إذ كان من السهل قتلنا. لكن صاحبي كان رابط الجأش لحد ما، وضغط على يدي وحث السير، وتابعته في ذلك، وما أن اقتربنا من أحد الفروع لأسواق السجاد والبزازين، حتى سحبني صاحبي بقوة، وقال (أركض). ركضنا بأشد ما نتمكن داخل سوق السجاد، الذي كان يبدو مظلما بالنسبة لضياء الشارع. ما أن دخلنا السوق راكضين حتى سمعنا إطلاقات نارية متجهة لداخل السوق، لكننا إست مرينا نركض بجوار حائط السوق، اتقاء الرصاص الذي انهمر علينا، ولم يكن المسلحين يميزوننا بسبب ظلمة السوق بالنسبة لهم. إست مرينا بالركض حتى سوق دانيال – للأقمشة- وقتها أصبحنا في منعطف بعيد عن فتحة الشارع، وتوقفنا لاهثين من التعب والخوف، ونظرنا إلى فتحة الشارع لكن المسلحين لم يدخلوا إلى السوق. ثم تعانقنا وبارك كل منا الآخر حياتنا الجديدة. اجتزنا السوق إلى شارع النهر، حيث وجدنا تجمعات المواطنين الممتلئين غضبا على المتآمرين ... بعضهم أخبرنا عن المعارك التي حصلت قرب وزارة الدفاع واندحار متآمرين بيد الجماهير العزلاء.
أثناء انغمارنا مع الناس افترقت عن صاحبي، وذهبت مع مجموعة من الناس باتجاه ساحة حافظ القاضي. كنا، أثناء ذلك، نسمع القصف على وزارة الدفاع من طائرة، عرفنا فيما بعد، إن قائدها كان المجرم منذر الونداوي. عند ساحة حافظ القاضي والشوارع المؤدية إليه كان هناك ألوف من المواطنين موحدي الإرادة والحناجر، يهتفون للشعب العراقي وضد المؤامرة والمتآمرين، فكان غليان الجماهير بشبه ذلك الذي وجدناه عند ساحة التحرير. بعد فترة وصلتنا مجموعة شبيبة يحملون – زنابيل – مليئة بالمنشورات صادرة من الحزب الشيوعي العراقي، تفضح المنشورات المؤامرة وتوضح إن شركات النفط الاحتكارية قد خططت لها، وتدعو المنشورات للتصدي بكل الأشكال لهذه المؤامرة، وإنهاء كل الجيوب المتآمرة العميلة، كما تشيد المنشورات بالشعب العراقي البطل وتدعوه للتضحية من أجل مكتسباته. نادي علي بعض ممن أعرفهم لكي أشارك في توزيع المنشورات، فكنا نوزع المنشورات التي كانت الجماهير تتلقفها بروح عالية. أتذكر بأننا وزعنا منشورين مختلفين يؤكدان نفس المضامين وحسب الظروف المستجدة خلال ذلك اليوم، وصل المنشور الثاني خلال فترة حوالي الساعتين من وصول الأول. عرفنا فيما بعد إن الرفيق الخالد سلام عادل كتبهما مع بعض من رفاقه الخالدين، بتلك السرعة ستجابه للمسؤولية الوطنية بظروف تلك المحنة العصيبة. كانت أول تجربة توزيع علنية واسعة أقوم بها، وأتحاور مع الجماهير باسم الحزب الشيوعي. لقد لمست تجاوبا رائعا مباشرا من المواطنين، ولا أنسى رجلا كهلا أخذ مني المنشور وطبع عليه قبله وهو يبكي، وقال لي:"عمي ألله يخليكم، سووا فد شي بسرعة". وطمأنته في القضاء على المؤامرة.
تابعنا سيرنا لتوزيع المنشورات وكنا نجد الجماهير لا تنقطع عن هتافاتها ومساندتها للجمهورية والقضاء على المؤامرة، وكانت هذه الجماهير تتسلم المنشورات بفرح وتعبر عن تضامنها مع الحزب الشيوعي. خلال مسيرنا شاهدنا مواطنين يوقفون بعض من المتعاونين مع المتآمرين ... يحاوروهم وطنيا ويبينون لهم إنهم مطايا لصالح الاستعمار وضد الشعب العراقي، ولا يجد مساندو المتآمرين ما يردون به، فبدوا تافهين بعيدين عن الشعور الوطني. كانت هناك وحدات ثورية وتثقيف شعبي وطني يقوم بها مواطنون بأماكن عديدة، ارتفعوا بجدارة لمستوى المسؤولية الوطنية العالية، يفكرون بمصير الناس والبلاد ويدينون المؤامرة والمتآمرين والجهات الاستعمارية. وصلنا بعدها إلى منطقة " حي الأكراد "، وجدنا هناك عنفوان الجماهير الوطنية شديدا ضد المؤامرة والرجعية. كان هناك نشاط مثابر، كل يقوم بعمل توجب عليه القيام به ... اجتماعات ونقاشات خاصة لكنها في الشارع. قامت مجموعتنا بتوزيع منشورات الحزب على الجماهير الذين تلقفوها بلهفة، ثم انغمرنا بينهم ومع نشاطاتهم. كنت ألحظ نشاط متميز لشاب كان عندما يتواجد يتجمع حوله عدد من الناس، يبدون مهمين، لتجري النقاشات بينهم، وتبدي الجماهير الأخرى اهتماما لهذا التجمع تنتظر ما يسفر عنه ... فجأة يركب الشاب دراجته الهوائية ويذهب إلى مكان ما، وعندما يعود يحصل حوله التجمع. كان هذا الشاب يتكلم وكل جسمه يتحرك، إحدى المرات التي عاد فيها بقي جالسا على دراجته.. غاضبا بشدة، وسمعته يقول بصوت مسموع " ماكو سلاح " وكرر كلامه حانقا. فيما بعد قيل لي إنه الرفيق محمد العبلي، شهيد الحزب والشعب.
خلال المباحثات تقرر أن يتم أخذ السلاح من مركز شرطة باب الشيخ، الكائن في نهاية حي الأكراد. ذهبنا مجموعة كبيرة للمركز لكن الشرطة أغلقت الباب، وذهب وفد منا لداخل مركز الشرطة، حيث أظهر مسؤولو الشرطة تعاطفا معنا وتمسكا بالجمهورية والزعيم، وإنهم ضد الانقلاب، لكنهم اعتذروا عن إعطاء أي سلاح، لأن المسؤولية، كما قالوا، تقضي بعدم ذلك، لكنهم وعدوا بأن يقاوموا الانقلابيين.
وبينما كانت المحاولات جارية مع الشرطة، عاد أكثرنا إلى مركز التجمع في وسط حي الأكراد. كان المسؤولون في الحي يتوقعون مهاجمه دبابات المتآمرين للحي، ولذا فقد خططوا لمقاومة تلك الدبابات ولاحتمالات أخرى. توزع الكثير منا على الأسطح المطلة على شارع الحي، وحصلنا على " رمانات يدوية "، حيث تقرر أن نقوم بالزحف عند مجيء الدبابات لمحاولة تحطيمها من الداخل بالرمانات اليدوية. وبينما كان أحد المسؤولين يوضح لنا طريقة تفجير الرمانات اليدوية، فوجئنا بظهور دبابتين عند ساحة النهضة، في نهاية الحي، توقفت إحداهما عند الساحة وتابعت الأخرى باتجاهنا مطلقة الرصاص من الرشاش والمدفع في كل الاتجاهات. منعتنا المفاجئة من النزول للشارع، بينما كان بعض منا لا زال عند الأرصفة، فهربوا للاحتماء خلف أعمدة الشارع. لكن سقط شهيد كردي باسل، كان شابا صغيرا، حمل هذا الشهيد حجارة وأراد أن يرمي الدبابة بها، وكان ممتلئ حماسة، ورغم صراخ البعض عليه من الأسطح للاختفاء، إلا إنه وقف في وسط الشارع شاهرا حجارته ومعرضا جسده للدبابة، حيث تضرج بالدماء في لحظات. توقفت الدبابة فترة ترمي حممها الحاقدة ثم غادرت باتجاه الباب الشرقي. أثناء توقف الدبابة رمينا من الأسطح عدة رمانات يدوية، لكن أي منها لم تنفجر، بل كانت قطعة حديد تدب على الأرض. سمعت أحد المسؤولين يقول بألم (إنها فاسدة). نزل من الدبابة الثانية أحد الضباط المتآمرين، وكان على مرمى من أبصارنا، لكن لم يكن هناك سلاح لإصابته، ثم غادرت دبابته باتجاه ساحة الأمين. بعد مغادرة الدبابتين، حمل البعض الشهيد الشاب من وسط الشارع ووضعوه على مصطبة عند ناحية الرصيف. نزلنا من السطوح وشيعنا الشهيد وطنيا، وتم حمله إلى أهله في أحد الأزقة.
تجمعنا ثانية عند سطح واسع لأحد البيوت، عند حافة الشارع، وبالطبع تم إهمال استعمال الرمانات اليدوية، وتقرر القيام بعمل قنابل مولوتوف. بعد فترة ألتحق بنا رفيق يحمل رشاشة، كانت الوحيدة في المنطقة. كان رفيقا جريئا ومتحمسا للعمل. وضع رشاشته عند حافة السطح انتظارا لأي طارئ. عندما حل الظلام ذهبت مجموعة منا، كل ما كان معهم مسدس واحد فقط، باتجاه شارع الجمهورية في محاولة للحصول على سلاح من أي مصدر. عاد قسم منهم مبتهجين، فقد حصلوا على عدة مسدسات أخذوها عنوة من رجال الأمن.
مع حلول الليل بدأت دبابات المتآمرين بالظهور بكثافة في الشارع... وما أن تمر دبابة حتى نمطرها بقنابل المولوتوف، التي وفرناها بكثرة. الدبابة الأولى التي مرت كانت تسير ببطء، وعملت قنابل مولوتوف على حرق سطحها، مما أضطر أحد العسكريين لفتح بابها العلوي لمحاولة إطفاء اللهب، إلا أن رفيقنا عاجله بصلية من رشاشته أدى ذلك إلى هروب الدبابة، كما أدى الأمر كذلك بالدبابات الأخرى التي مرت فيما بعد، أن تسرع في مرورها خوفا من احتراقها أو قتل من فيها، ومع ذلك كنا ننجح في إشعال النار ببعض أجزاء الدبابة حين مرورها السريع. توضح لنا فيما بعد إن دبابات المتآمرين هذه، تذهب لتقف عند مركز شرطة باب الشيخ الذي وعدنا مسؤولوه على مقاومة المتآمرين (!). كان شتاء شباط قارصا وكنا عند تلك السطوح معرضين لذلك البرد القاسي، لكن أهالي حي الأكراد، الذين كان معظمهم العامل الهام في المقاومة البطولية ضد المؤامرة، قدموا لنا وبكرم الطعام والدفء بشكل مستمر. كان الحماس عند الجميع عاليا، والنفوس متوثبة للتضحية والقضاء على المؤامرة. كنا نسمع إذاعة الانقلابيين ولدينا أمل بسحق المؤامرة. مشكلة قاسية بقيت حاسمة ... شحة وجود السلاح... كل ما كان موجودا رشاش واحد، وبضعة مسدسات وقنابل مولوتوف ليس غير. لكن المسؤولية الوطنية العالية التي أحسها الجميع كانت العامل الحاسم الفاعل في الإصرار على المقاومة والأمل بالانتصار على أعداء الشعب. فلم تستطع دبابات ومصفحات المتآمرين وكدس أسلحتهم المدمرة أن تضعف من نفسيات المناضلين ... وهو ما حصل بالفعل حيث استمرت المقاومة البطولية بالإمكانيات الضئيلة المتوفرة، في مناطق عديدة من بغداد: الجادرية، مدينة الثورة حي الأكراد، الكاظمية الكرادة وغيرها من المناطق العديدة. عند باب المعظم و وزارة الدفاع حصلت ملاحم، حيث هجمت الجماهير العزلاء على آليات المتآمرين وحطمتها ولاذ أكثر المتآمرين بالفرار أذلاء مذعورين. وفي منطقة الصالحية أكتشف المواطنون خداع وجبن المتآمرين الذين دخلوا محطة الإذاعة بآليات تحمل صور عبد الكريم قاسم، لكن الجماهير هجمت عليهم بعد أن تبين لها إن هؤلاء متآمرون جبناء. وأنتشر رصاص المتآمرين يحصد المواطنين، حيث ذهبت ضحايا كثيرة من المواطنين العزل، وهذا ما أرعب المتآمرين وأسيادهم شركات النفط الاحتكارية، من قدرة الجماهير الهائلة وتصديهم للمؤامرة ضد الشعب، وذكر هؤلاء الخونة ذلك في احاديثهم الخاصة.
كنا في حي الأكراد نفكر وننشط من أجل الحصول على السلاح. حوالي منتصف الليل، وحيث كان الشارع مظلما حيث قطع المتآمرون الكهرباء عن الحي كله، مرت سيارة عسكرية مسرعة مطفأة الأنوار، قادمة من جهة ساحة النهضة ومتجهة إلى مركز شرطة باب الشيخ. سدد الرفيق، صاحب الرشاشة، رشاشته باتجاه السيارة، لكن الرشاش توقف عن الإطلاق " حشرت الاطلاقات " كما قال بألم. لأنه أحس بمسؤولية شخصية. ونفذت السيارة من إصابة محققة ... احسسنا بفقدان كنزا، فكان لا بد أن تحوي تلك السيارة العسكرية على أسلحة، وقال صاحب الرشاشة: سوف لن يفلت مني شيء في المرة القادمة. بعد فترة حوالي الساعة عادت نفس السيارة من المركز، ولكن كانت أنوارها مضاءة (ربما حسبوا أن لا أحد يترصدهم)، وبمجرد أن أصبحت السيارة على مرمى الرشاشة أطلق رفيقنا عليها الرصاص الذي أصاب السائق تماما، فتوقفت السيارة، وبعد قليل فتح السائق الباب وهرب عائدا إلى مركز الشرطة، ولم يقم رفيقنا بإطلاق الرصاص على السائق عند هروبه، لكنه بعد أن ركض عدة أمتار وقع في الشارع، ويبدو إنه مات متأثر من الإطلاق الأولى على السيارة. لكن بقيت السيارة في وسط الشارع وأنوارها مضاءة، وكان في ذلك الوقت آلية عسكرية جاثمة عند ساحة النهضة، لذا كان سحب السيارة إلى الرصيف سيكون مخاطرة، فقد يتعرض من يسحب السيارة إلى خطر رصاص الآلية العسكرية. تبرع أحد الرفاق بالزحف لسحبها، وإنطلق بالفعل، لكن رصاص الآلية العسكرية أوقف زحفه، وجرت محاولة باسلة لإنقاذه وإرجاعه إلى الرصيف. حملناه وكان مصابا في خاصرته وينزف بشدة ويتأوه، وضعت كتفي تحت ظهره لإسناده وأخبرت الآخرين بضرورة حملة بشكل مستقيم لأنه يتألم، لكنه عقب قائلا (إذا مت ... فأنا فداء للشعب)، ودمعت أعيننا لعنفوان التعبير الذي سمعناه من رفيق يكاد يستشهد. أوصلنا الجريح إلى أحد البيوت الداخلية، وفي الطريق سمعنا هلاهل، حيث ولدت سيدة طفلا، وخرجت امرأة من البيت وقالت (لعل الميلاد الجديد بشرى شفاء للجريح). وبعد أن تكفل الجريح بعض الرفاق، عدنا للشارع حيث كانت هناك محاولات جارية لكسر أنوار السيارة التي كانت تكشف من يقترب منها. حدث نفير عام للحجارة والأشياء الثقيلة القوية، ولكن لم يكسر زجاج الأنوار إلا الرصاص رغم الحرص عليه. ثم ركب أحد الرفاق السيارة وجلبها بالقرب من الرصيف ... وكانت الغبطة تملئنا لصناديق الأسلحة التي سنجدها داخل السيارة " الثروة" والتي ضحينا من أجلها. دخل بعض الرفاق في السيارة وفتشوها رأسا على عقب، لكن دون طائل ... فلم يعثروا حتى ولا على إطلاقة واحدة. أصبنا بخيبة أمل كبيرة. بعدها تم وضع السيارة وسط الشارع لتعترض مرور الآليات العسكرية. عدنا بعدها إلى السطح نتحدث عن المؤامرة ومصير الشعب والبلاد، وما ينبغي لنا أن نعمله من موقعنا وإمكانياتنا الضئيلة. كانت الأحاديث تجري تحت نور ضئيل من فانوس ومن جمرات التدفئة المشتعلة، وكنا نحذر من جعل الإضاءة قوية لعدم التدليل على مواقعنا.
كنت في حي الأكراد، ومنذ عصر هذا اليوم، مع مجموعة من الناس من مناطق شتى في بغداد بالإضافة لمواطني الحي، ولم يعرف الكثير منا بعضهم البعض، ولكن بعد فترة أحسسنا بتآلف نفسي كبير بيننا لعظم المهمة التي نحن بصددها، وكنا جميعا نشارك بالقرارات والنشاطات كوحدة مقاتلة شعبية، فكان لهذا أثر نفسي جيد علينا جميعا وخبرة نضالية أفادت الجميع.
ذهبنا بعد فترة لتفقد حالة الرفيق الجريح ... كان لا يزال ينزف، ولعدم وجود طبيب جراح كان الرفاق قد إلتجأوا إلى طبيب أسنان من مواطني الحي لإجراء عملية إخراج الإطلاقة. كان طبيب الأسنان شابا وخجول جدا، ولكونه طبيب أسنان كان مرتبكا من القيام بالعملية، تشاركنا جميعا على تشجيعه، واضطرب طبيب الأسنان وقال (سأكون فخورا بإجراء العملية وسأعمل جهدي لذلك، لكنها صعبة علي، إنها المرة الأولى التي أجري فيها عملية من هذا النوع، فأنا طبيب أسنان يا رفاق). لكن بالنسبة للرفاق لم يكن هناك خيار آخر، أفضل الموجودين هو طبيب أسنان، والوقت ليس بصالحنا، هكذا قال أحد الرفاق المسؤولين، وأضاف، وإذا كان نجاح العملية ضئيلا مع طبيب أسنان، فالأمل معدوم بدونه. وأشتد التشجيع للطبيب حتى وافق أخيرا. كان الظلام لا يزال مخيما حينما بدأ طبيب الأسنان إجراء العملية... ذهبنا لإنجاز مهام أخرى، وعدنا بعد فترة حيث سمعنا أخبار غير سارة عن العملية .... وعند الفجر، فجر السبت 9 شباط 1963، أستشهد الرفيق الجريح حيث فشلت العملية ولكثرة ما نزف منه من دماء. وكان تشييع وطني له ولعشرات الآلاف من الشهداء الذين فقدهم شعبنا بسبب تآمر الامبريالية وصنيعتهم البعث الفاشي.
منذ صباح يوم السبت دخلت الشارع الرئيسي لحي الأكراد العديد من الدبابات، وكان اعتراض السيارة التي وضعناها بالأمس مفيدا في بداية الأمر، لكن الدبابات التي عبرت دمرت السيارة وأصبح وجودها في الشارع لا يعرقل آلات الفتك هذه بالمرور. وقامت الدبابات بضرب عشوائي على البنايات وأحدثت تهديم كبير في الكثير من البيوت والمحلات والبنايات. كما اتخذت دبابات المتآمرين والقطع العسكرية الأخرى مقرات لها عند ساحة النهضة من جهة وعند مركز شرطة باب الشيخ من جهة أخرى، وهكذا تطوق حي الأكراد من جهتيه الرئيسيتين. لكن لم يجرؤ المتآمرون من التواجد في الحي نفسه رغم وجودهم في السلطة لليوم الثاني ورغم ترسانة الأسلحة التي يملكونها.

كان رعب المتآمرين هائلا من المقاومة البطولية لجماهير الشعب وقيادة الحزب الشيوعي لها، كذلك هلع السلطة الفاشية من امتناع المواطنين للالتحاق بوظائفهم معاداة للسلطة المتآمرة. فكانت إذاعة المتآمرين تزعق ببياناتها الهستيرية ضد كل الوطنيين في العراق، فأصدروا بيانهم المشؤوم رقم 13 الذي طالبوا فيه بإبادة الشيوعيين وكل الوطنيين الشرفاء " أبيدوهم حيثما تجدوهم..." وطالبت بيانات أخرى لهم بإعدام كل عسكري لا يلتحق بوحدته، وطرد الطلبة الذين لا يلتزمون بالدوام والموظفين الذين لا يلتحقوا بوظائفهم. وكنا نسمع بيانات المتآمرين ونزداد حقدا مقدسا ضدهم ونسخر من هستيريتهم.
وضعنا صباح السبت 9 شباط، متاريس عند فتحات الأزقة، من أجل المقاومة، وكنا نقف عند هذه الفتحات نهتف للشعب وللجمهورية وضد البعث الفاشي ومؤامرتهم الدنيئة، وكانت قنابل مولوتوف سلاحنا الوحيد ضد الدبابات التي كانت تمر مسرعة. قامت الدبابات خلال النهار بتهديم الكثير من البنايات بضمنها بعض المؤسسات الحكومية. وكان الكهرباء والماء لا زال مقطوعا عن الحي بكامله. عندما حل الليل اتخذنا من السطوح البعيدة مقرا لنا، وذلك لخطورة سطوح الأمس التي أصبحت قريبة من تجمع آليات المتآمرين. كنا نتناوب بمجموعات عند السطوح للمراقبة، والتحذير لأي محاولة تسلل من المتآمرين لداخل الحي. ولم يسمح بإشعال النار لمنع الاستدلال علينا، وكان برد شتاء شباط أصعب من أن يحتمل، ولكنا كنا نقوم بواجباتنا وعيوننا مفتوحة لأي طارئ. كما تم منع حاملو المسدسات من استعمالها إلا عند الضرورة القصوى، وذلك لقلة ما لدينا من رصاص. عند فجر الأحد 10 شباط، نزل بعض الضباط المتآمرين إلى الأرصفة البعيدة لمحاولة التسلل للأزقة. لاحظنا محاولة التسلل وأخبرنا مجموعتنا المسلحة التي بدورها أطلقت النار على المتآمرين، فهربوا مذعورين. بقي فقط حاملو المسدسات والرشاشة في السطوح وتم سحبنا نحن الباقين إلى بيوت أخرى. كنا نتحدث بغضب ضد المتآمر المتر سنين بالأسلحة والتي نفتقدها، وكلنا توثب للعمل، ولكن السلاح القليل جدا لم يسعفنا للعمل الوطني.
قبيل ظهيرة يوم الأحد دعانا الرفاق المسؤولين، نحن الذين لا نسكن في حي الأكراد، وأوضحوا لنا قرارهم بضرورة تركنا للحي، مؤكدين لنا إن المقاومة ستستمر. وقبلنا قرارهم على مضض، لأننا كنا نريد أن يكون مصيرنا واحد، إلا إنهم أصروا على قرارهم. دلونا على طريق الهروب من الحي خلال الأزقة، وعلى أن نذهب فرادى، لكي لا نثير انتباه أفراد السلطة المتآمرة. توادعنا بروح رفاقية وطنية عالية، وتهيئنا للمغادرة.

لحين تركي لحي الأكراد كانت المقاومة مستمرة ولم تلوث الحي أرجاس المتآمرين. بعد تركي لحي الأكراد سرت باتجاه منطقة الشيخ عمر ثم إلى ساحة الطيران والى الباب الشرقي، ولكن عبر الطرق الفرعية. وجدت الشوارع والساحات التي مررت بها تكتظ بالدبابات والآليات العسكرية، ووجدت إن أسلم طريق أسلكه هو شارع أبو نؤاس للذهاب إلى بيتنا. كانت الطرق موحشة خالية من الناس، وإن وجدوا فلا يعلوهم غير الحزن الظاهر على وجوههم. فلم يعد رمضان كالسابق حيث أيامه حافلة بالاستمتاع والسمر، فلقد ماتت البسمة على شفاه المواطنين وهم يرون بلادهم وأبناءهم يتمزقون بسبب البعث الفاشي.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 12-02-2010     عدد القراء :  2505       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced