الأزهار تتفتح في العراق
بقلم : عدنان حسين
العودة الى صفحة المقالات

الأزهار تتفتح في العراقناقصة.. فيها عيوب.. عليها مؤاخذات.. وإيقاعها بطيء، لكن الديمقراطية في العراق تمضي في الاتجاه الصحيح، وقطارها يسير على السكة، بل إن مسيرته تتسارع سنة بعد أخرى. فللمرة الثالثة خلال خمس سنوات تُجرى انتخابات عامة تعددية، وبين المرة الأولى والثالثة الوشيكة، كانت هناك أيضا دورتان لانتخابات مجالس المحافظات. مثل هذا لم يجر في العراق منذ أكثر من نصف قرن.
الانتخابات البرلمانية كانت تجرى في العهد الملكي، لكن كتب التاريخ تعيب على تلك التجربة أنها لم تكن جدية تماما، ومن علامات ذلك، أن الانتخابات في ذلك العهد لم تكن تعددية. فالأحزاب اليسارية والقومية، العربية منها والكردية، مثلا، لم يكن مسموحا لها بخوض الانتخابات، بل كانت تعدّ غير شرعية، وقد زُجّ بمعظم قياداتها في السجون.
كما أن البرلمان في العهد الملكي، كان تحت رحمة شخصين اثنين هما: نوري السعيد والأمير عبدالإله، ومن خلفهما السفير البريطاني في بغداد، فإذا لم تعجبهم نتائج الانتخابات، أصدروا إرادة ملكية موقّعة من الملك الغرير فيصل الثاني بحلّ البرلمان.
وقد حصل في إحدى المرات أن حُلّ البرلمان قبل أن يلتئم في جلسته الأولى، لأن تركيبته لم تعجب نوري السعيد وعبدالإله، بسبب فوز عدد محدود من الشخصيات الوطنية المعارضة. وكان يحصل أيضا أن يُحل البرلمان، وتُعلّق الحياة الدستورية الى أجل لا يقرره أحد غير نوري السعيد وعبدالإله، بمباركة من السفير البريطاني.
بعد العهد الملكي دخل العراق في حقبة جهنمية، فثورة 14تموز (يوليو) 1958التي عاب القائمون بها على العهد الملكي أنه كان يتلاعب بالدستور، فتحت الأبواب كلها للتلاعب بمصير بلد كان يمكن -لو أن الثورة أرست دعائم النظام الديمقراطي الذي به بررت نفسها- أن يكون الآن في مصاف الدول الكبرى المتطورة المتحضرة، وليس واحدا من أكثر البلدان تخلّفا.
لو حققت تلك الثورة ما وعدت به ما كان يمكن لحزب البعث، بمساعدة جمال عبدالناصر، أن يفتح أبواب جهنم في العراق بالانقلاب الدموي الذي حدث في مثل هذه الأيام من العام 1963، ليرسي تقاليد سفك الدماء والقتل العشوائي في الشوارع والساحات، والاعتقال بالجملة والتعذيب في السجون بأبشع الوسائل والأساليب والإبادة الجماعية، ثم ليقيم دكتاتورية شنيعة لا تقارَن إلا بأعتى الدكتاتوريات في التاريخ، في المانيا وإيطاليا وروسيا.
على الرغم من نواقصها وعيوبها والمؤاخذات عليها، وهي كثيرة، فإن التجربة الديمقراطية العراقية الوليدة تترسخ وتتقدم. الانتخابات تجرى في مواعيدها، ومجلس النواب الذي ينبثق عنها ليس في مستطاع أحد أن يحله لأن النتائج لا تعجبه. والأهم من هذا أن دورات الانتخابات كلها تجرى على قاعدة الدستور الدائم، الذي على الرغم من نواقصه وعيوبه والمؤاخذات عليه، هو الآخر، يضمن الحريات والحقوق الأساسية التي حُرم منها العراقيون حقبة طويلة للغاية.
بفضل هذا الدستور لم يعد العراق للعرب وحدهم، فإلى جانبهم يوجد الكرد والتركمان والكلدان والآشوريون والأرمن.. كلهم شركاء في الوطن ويتمتعون بالحقوق ذاتها. والعراقيون لم يعودوا رجالا فقط، فهم أيضا نساء يحفظ الدستور لهن حصة في البرلمان لا تقل عن 25 في المئة.
والعراقيون لم يعودوا مسلمين فقط، فهم أيضا مسيحيون وصابئة وأيزيديون ويهود وعلويون وسواهم.. إنهم متدينون وعلمانيون.
والعراقيون، وفق هذا الدستور أيضا، ليسوا إسلاميين فحسب.. إنهم شيوعيون ووطنيون ديمقراطيون وقوميون، عرب وأكراد، ومن سائر الإثنيات. بل إن الدستور الذي كفل لهؤلاء جميعا حرية التفكير والتعبير والتمثيل في هيئات السلطة، لم يستثن حتى البعثيين، صنّاع التاريخ الأسود في العراق، فقد أباح لهم الحقوق ذاتها، باستثناء «البعثيين الصداميين» المحرّم عليهم العمل السياسي.
البناء الديمقراطي سينهض طابقا جديدا في الانتخابات التي ستجرى بعد ثلاثة أسابيع.
بالطبع لن تزهر كل الحدائق في العراق بعد السابع من مارس (آذار) المقبل، فهذه الانتخابات ستشهد مثل سابقاتها عيوبا كثيرة كالتزوير، لكن بالتأكيد ستتفتح ورود أكثر، وستتحق آمال عراض في طريق الديمقراطية.. وكل ذلك في سياق علاج ترسانة الأمراض المزمنة التي يعاني منها العراق.

  كتب بتأريخ :  الأحد 14-02-2010     عدد القراء :  2360       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced