العمة زكية وداعا
بقلم : لطيف حسن
العودة الى صفحة المقالات

اعتذر، اعتذرالف مرة لك لاني لم استطع ان اراك في كوبنهاكن عند زيارتك القصيرة لها، واتفقنا على الهاتف ان نلتقي في السويد في فرصة اخرى ،

لم تسنح هذه الفرصة مع الاسف ، وغادرتينا دون ان نلتقي هنا للوداع ، كما حدث في بغداد تماما قبل اكثر من ثلاثين عاما ، عندما اضطررت ان اترك العراق على عجل وتعذر علي للظروف آنذاك ان نلتقي للوداع .

العمه .. هكذا كنا نناديها جميعا في الفرقة ، الاصغر والاكبر منها سنا ، وفي قلبها الدافيء كان هناك دائما مكانا للجميع ، ولا يمكن للشخص منا الا ان يتعلق بها من اول لقاء ،

تعرفت عليها لاول مرة في فرقة المسرح الحديث عام 1960 ، عندما انتميت اليها وعمري انذاك لم يكن يتجاوز السادسة عشر ، وقبلها شاهدتها في التلفزيون العراقي ( الأبيض والاسود ) وهي تقدم شهادتها في محاكمات رجال العهد الملكي في محكمة الشعب ، وألتقيها في المظاهرات التي كانت تتصدرها والمحتشدات الشعبية آنذاك و كانت تتواجد بها بعد ان برزت كمناظله شعبية قضت عشر سنوات من صباها في سجون نوري السعيد .

كانت مشاركتها في اعمال فرقة المسرح الحديث قليلة نسبيا لانشغالاتها الكثيرة الاخرى ، تركت مهنة التمريض وأنتقلت للعمل في لجنة اعلام الاصلاح الزراعي ، وشاركت واسست مع شمران الياسري وعلي تايه والدكتور زاهد محمد اكبر حملة اعلامية شهدها العراق لترويج و اسناد تطبيق قانون الاصلاح الزراعي ، الذي كان يهدف الى تحرير الفلاح من براثن الاقطاع ، وتقليم اظافرهم من الاراضي الفائضة التي كانوا مستحوذين عليها ، واعادة توزيعها على فقراء الفلاحين . كانت حركة الاصلاح الزراعي انذاك كما هو معروف من اهم واخطر الحركات الاجتماعية الثورية التي جائت بها ثورة تموز، والتي تكتل المتضررين عنها لاحقا في اكبر جبهة رجعية باسناد من الشركات النفطية واسقطت تجربة جمهورية العراق الشعبية الاولى في 1963 .

عندما كانت زينب ترفض ان يطلق عليها لقب فنانه فقط ، دون ان يطلق عليها شيوعية اولا، فزكية خليفة بقيت تلقب بالشيوعية فقط عن جدارة وهي راضية عن ذلك ، وتعتبر نفسها فنانة مسرحية واعلامية كتحصيل حاصل على هامش واقع نضالها المسخر اصلا في مجال حقوق المرأة العراقية وبين صفوف الحزب الشيوعي الذي لم تبارحه لحظة حتى مغادرتها لنا .

كانت الراحلة شخصية عصامية في اكتساب المعارف مثيرة للأعجاب ، كما كان الريفي الاسطوره شمران الياسري ، لم يتوفر لها كحال بنات جنسها في الريف ابان الاربعينات من التعليم المدرسي الا القسط اليسير من المرحلة الابتدائية او الملالي ، الا انها اتقنت القراءة والكتابه على ايدي الشيوعيين في السجن ، ولها اهتمام في قرض الشعر الشعبي ، ولم اعرفها الاقارئة جيدة متابعة ، وشخصية مثقفة .

كان بيتها في الكراده الشرقية – الزوية ، في السبعينات وحتى تركي للعراق مفتوحا بكرم لكل الاصدقاء ، وكان بسيطا مصمم بشكل عجيب على شكل مستطيل تشعر انك عندما تدخله كأنك تستقل قطارا ، ضيق غرفه الصغيرة تؤدي الواحدة منها على الاخرى وتنتهي بالمطبخ والمرافق ، تزوج فيها وسكن معها ابن اخيها حميد مجيد خليفة .

بعد عودتها للعراق في عام 1968 ، كرست نفسها للعمل الحزبي وعمل رابطة المرأة ، كانت تجيد مراوغة وتضليل الجواسيس في تنقلاتها ومتابعة عملها ، شجاعة توازن في عملها السري و العلني ، فتحت لها محل للخياطة ، كان يقع في الكرادة الشرقية – ارخيته ، اشتغل فيه معها العديد من الرابطيات الشابات ، وعملت لفتره في المسرح الفلاحي ، الى جانب مواصلة عملها في فرقة المسرح الفني الحديث ، وتتعاون في اعمال الفرقة الشعبية ومسرح اليوم ،

تعرضت بعد انسحاب الحزب من الجبهة والحكومة الى الأعتقال والتعذيب دون اعتبار لسنها المتقدم والامراض التي كانت تعاني منها آنذاك ، كآلام المفاصل والروماتزم ، ويبدو ان هذا الاعتقال قد أثر على وضعها الصحي لاحقا .

وداعا زكية خليفة ،

اعتذر لأني لم التقيك وكنت قريبا مني في كوبنهاكن

اعتذر لاني اجلت ان التقي بك في السويد الى وقت مفتوح ،

لاني لم اصدق انك سترحلين بهذه السرعة .

  كتب بتأريخ :  الخميس 18-02-2010     عدد القراء :  2348       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced