كرنفال مدينة البندقية
بقلم : موسى الخميسي
العودة الى صفحة المقالات

اللعب داخل الحياة واللعب على الحياة

مع مطلع هذا الشهر من كل عام ، تأخذ الأرض في تغيير دورتها، وتبدأ الشمس بتغيير مواعيد غروبها الذي يختلف بدرجته من مدينة لأخرى، تحل أعياد الكرنفال في عموم المدن الأوربية، لتشعل حرائق الرغبة والفرح حتىهذا اليوم( الاربعاء) الذي  يسبق عيد القيامة يوم الاحد القادم، لتشمل الاحتفالات المهرجانية العديد من المدن الإيطالية والأوربية التي اصبح لها تاريخ عريق في إقامة مثل هذه الاحتفالات.
وتقف مدينة البندقية" فينسيا" التي اطلق عليها الاوربيون عاصمة الكرنفال الاوربي، لتستضيف هذا اليوم مئات الالوف من الايطاليين والاوربيين لحضور احتفالاتها الكرنفالية الرائعة وعروضها المسرحية واخر صرعات موضات التنكر الكرنفالية التي لايخلو منها جسد او وجه للرجال والنساء والاطفال.
تسمية الكرنفال مؤلفة من كلمتين إيطاليتين هما( كارنه) وتعني اللحم، و(فاله) وتعني التساوي، وقد دمجت لتشير الى السماح بأكل اللحوم، ذلك لان المسيحيين كما هو معروف لا يأكلون اللحم لمدة الشهر الذي يسبق عيد الفصح.
ويؤكد المؤرخون بان ظاهرة الكرنفال وجدت في القرون الوسطى، الا ان لها امتداد في المسرح الكلاسيكي القديم الروماني واليوناني، اذ يعتقد بان هذه الظاهرة لا تعدو ان تكون بمثابة طقس جماعي تعبيري عن حاجة العامة من الناس . فمن المعروف بان المسرح الكوميدي اليوناني القديم اتسم بالنقد الساخر وطرح المشاكل الاجتماعية لعامة الناس. والكرنفال ينطلق من السخرية وقلب الأمور الجدية والحقائق الرسمية التي تشكل ثقلا متسلطا على الناس الذين يعيشون التمايزات الاجتماعية في صورة حادة.
ان هيكل الثقافة السلطوية في العصور الوسطى ، لا يعرف الحركة والتغيير ولا يعترف بهما، لكونه يضفي على نفسه صفة الخلود والمطلق، والتعاليم الدينية في تلك الحقب الزمنية كانت تؤكد على ان يتحلى المسيحي بالجدية وان يبتعد عن الضحك والسخرية، معتبرة بان هذه الصفات من شأنها ان توجد التناقض في الأمور الدينية والدنيوية، ذلك ان الضحك يغير ملامح الوجه الطبيعية، ويبدل من هيئة الإنسان الجدية التي خلق عليها.
أمام هذه التعاليم الصارمة التي سادت فترات طويلة وجدت رؤيا لما وراء الخوف والظلم للقوى المسيطرة التي مثلت وعلى الدوام قوى القهر والاستغلال، فنشأت ظاهرة القناع وتغير ملامح الوجه لتقلب الموازين السلفية السائدة ولتخلق فسحة من المرح والتنفيس عن القهر. وقد باركت السلطات آنذاك هذا التوجه لتعطي للعامة فرصا للتعبير عن طموحاتها وآمالها فيصبح الفقير غنيا، والصانع ملكا، والمطلوب للعدالة حاكما، والمتسول تاجرا، والحكيم مهرجا.. الخ.
وهذا التنفيس عن الكبت الجماهيري كان يخيف السلطات لانه في كثير من الأحيان يشكل تحديا واحتجاجا ويخلخل التوازن الاجتماعي، ففرضت السلطات القيود لتحديد أماكن هذه الاحتفالات وعدد الأيام التي تقام بها.
وفي السنوات الأخيرة أخذ الكرنفال يحتل مكانة مهمة في السياسة الثقافية والسياحية للمدن الإيطالية،وقد تمركز في مدينتين رئيسيتين هما البندقية( فينسيا) ومدينة فياريجو في مقاطعة توسكانا، مع انتشاره في المئات من المدن الإيطالية الأخرى.
ومدينة البندقية بجمالها الساحر وغرابة طبيعتها الجيولوجية وساحاتها وأزقتها النهرية، وشرفات بيوتها القديمة جعلتها المركز الأوربي الكبير لاقامة هذه الأعياد. وتقدم اليها في مثل هذه الأيام عشرات الفرق المسرحية الشهيرة من مختلف أنحاء العالم لتقدم عروضها الكرنفالية وسط الساحات الغاصة بالناس وهم يرقصون ويمرحون بملابسهم الملونة الزاهية وأقنعتهم المتنوعة والتي وصلت الى اكثر من 50 ألف قناع أنتجته المدينة هذا العام، كما ان رقم السواح الذين يحضرون عادة مثل هذا اليوم يتجاوز 500 ألف سائح أجنبي، الأمر الذي يضطر المسؤولون الى إغلاق مداخل المدينة والسماح فقط للمارة.
الكرنفال في البندقية يختلف عن كرنفال ريو دجانيرو، فهو لا يعتمد فقط على الحركة الدائبة وعلى ايقاع زماني يتحول الى لعب في كل شئ ابتداء من الجسد الإنساني وانتهاء بشكل المدينة، بل هو أيضا يعتمد على استعراض آخر الصرعات في الموضة المخصصة للكرنفال، كما يخلو مهرجان البندقية من استعراض الشخصيات السياسية والفنية التي تنفذ بأساليب كاريكاتيرية والعربات الملونة بأشكالها الكرنفالية التي تخصصت به مدينة فياريجو.

  كتب بتأريخ :  الخميس 16-04-2009     عدد القراء :  2620       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced