جمرة واهبات الحياة ..متقدة أبداً !
بقلم :
العودة الى صفحة المقالات

تتواصل الحملة التي تخوضها المنظمات النسائية وناشطات حقوق المرأة وسائر أنصارها من أجل إلغاء المادة 41 من الدستور العراقي، والعودة الى قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، مع إجراء التعديل الذي تستدعيه ضرورات التطور، على أن يكون لصالح مزيد من حقوق النساء وضمانها. وفي سياق هذه الحملة تأتي لقاءات ممثلات الحركة النسوية وناشطاتها مع كبار المسؤولين والسياسيين، كما يأتي النداء الذي وجهته، مؤخراً، نائبات الى الرئاسات الثلاث والأحزاب والحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

وفي سياق تعديل الدستور، وهو استحقاق قانوني لتدقيق النصوص حمّالة الأوجه على نحو لا يكون غطاء لمنافع سياسية آنية وضحية لمحاصصة طائفية وإثنية، مازال الخلاف محتدماً في لجنة التعديلات الدستورية حول المادة 41 التي تنص على "أن العراقيين أحرار بأحوالهم الشخصية حسب مذاهبهم ودياناتهم ومعتقداتهم واختياراتهم".

وطبقاً لهذه المادة ستناط مهمة الأحوال الشخصية بمجالس شرعية تقوم باصدار قرارات مختلفة حسب المذهب و"اجتهادات الفقهاء"، مما يعني فتح الباب أمام فتاوى عشوائية بشأن مصائر الأسرة العراقية. وتشكل هذه المادة إطاراً دستورياً لتمزيق النسيج الاجتماعي على أسس دينية وطائفية. وهي، من ناحية أخرى، محاولة لالغاء قانون الأحوال الشخصية التقدمي رقم 188 الذي كان انقلاب البعث الفاشي في شباط 1963 قد سعى الى الالتفاف عليه وإلغائه. وبعد أربعة عقود تكررت مثل هذه المحاولة في عهد "مابعد التحرير" من جانب "مقررين" في مجلس الحكم الانتقالي، لكنها أُحبِطت بفضل احتجاجات واسعة من الحركة النسوية وأنصارها.

ويتعارض إبقاء هذه المادة مع ما نص عليه الدستور في المادة 14 من أن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".

غير أنه مما يلفت الأنظار أن نجد في "ديمقراطية" العراق المتفردة مناخين تحت سطح واحد. فبينما أقر إقليم كردستان الالتزام بقانون الأحوال الشخصية النافذ وتعديله بما يتناسب وتطور المجتمع العراقي والمواثيق الدولية، تخضع النساء في مناطق العراق الأخرى لقانون مختلف ينتقص من إنسانيتهن، ويكبلهن بمزيد من أغلال العبودية.

وأما الفقرة الواردة في تعليمات الحكومة "الديمقراطية" للعراق "الجديد"، والتي تشترط موافقة الزوج في حال رغبت الزوجة في الحصول على وثيقة سفر، فقد ساوت بين القاصر والمرأة المتزوجة.
وكان نظام الفاشية قد عمق المعاناة المريرة للمرأة، حيث تراجع عن القوانين والقرارات التي صدرت لصالحها، فأحيا البالي من التقاليد العشائرية، وشن حملته "الايمانية" سيئة الصيت، وفصل البنات عن البنين في المدارس الابتدائية، وما الى ذلك من إجراءات تعسفية.

لقد زال نظام الاستبداد، غير أن النظرة الدونية الى المرأة ما تزال سائدة. وعلى الرغم من كل ما تحقق في السنوات الأخيرة، فانه من الصعب القول إن الحضور الكمي للمرأة في مراكز صنع القرار يمكن أن يؤدي الغرض إذا ما بقي في حدود الكم، ذلك أنه يتحول، في هذه الحال، الى مجرد ديكور، حيث يبقى صوت البرلمانية أو الوزيرة أو المسؤولة، في الغالب، صدىً لصوت الكتلة التي رشحتها في إطار المحاصصات الطائفية والاثنية.
وأدت سياسات "المحررين"، الذي يدّعون مناصرة حقوق النساء، الى المزيد من انحدار أوضاع النساء ومعاناتهن، في ظل توازن سياسي واجتماعي مريب بين سائر القوى التي تخشى حرية المرأة باعتبارها من باب "الحرام"، ورفع صوتها باعتباره "عورة".

وبينما تظل منظمات النساء، في الغالب، داخل أسوار نخبوية تعزلها عن الملايين من ضحايا التخلف الاجتماعي، بعيداً عن خطاب يعبر عن مشروع نهضوي تنويري، مايزال الانتماء الحزبي و"التسييس" والايديولوجيا عقبة كأداء أمام توحيد البرلمانيات جهودهن، وهو ما كرّس، من بين أمور أخرى، الصورة النمطية حول عجز المرأة وتبعيتها.
* * *
بين نهّازات فرص من أجل المال والجاه، ومستعرضات أمام الأضواء من حافظات جمل فارغة المعنى يرددنها في كل مقام ومقال، ومتزمتات يمنحن الرجال حق ضربهن، وخانعات لواقع الثقافة البطرياركية، وجوهرها تأبيد راهن العبودية والتمييز ضد المرأة، وترسيخ النظرة الدونية لها، وتفعيل "الفتاوى" الظلامية التي تشيع الترهيب والتجهيل وغسل الأدمغة وكل ما يبعث على خنوع "ناقصات العقل والدين" .. بينهن نلمح تلك الرايات التي تحملها كتائب المتحديات، القادرات على خوض المعركة الاجتماعية الكبرى، المعركة ضد استعباد النساء.

وفي هذا الصراع المحتدم يخشى سدنة الثقافة البطرياركية النساء، لأنهن، ببساطة، المهدد الحقيقي للامتيازات ولتأبيد الواقع .. إنهم يخشون الهزيمة الأعظم التي ستكون، حتماً، نصيبهم، حسب منطق التاريخ.
وحسب هذا المنطق، بوسعنا أن نعزيهم، سلفاً، على هذا المصاب الفادح: عظّم الله أجركم أيها البطرياركيون ..

وسنقول أيضاً: بوسع شمعة العراقيات، الجديرات بالأمل، أن تبدد ظلام الراهن .. ومهما قيض لرماد الفجائع أن يغطي، اليوم، جمرة الكفاح، فان رياح التحدي والعدالة والتنوير ستزيل هذا الرماد في غد، لتظل جمرة واهبات الحياة متقدة أبداً ..



طريق الشعب - 2/6/ 2009

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 02-06-2009     عدد القراء :  2712       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced