ثقافة الأمل في مواجهة سلطة الاستبداد المطوقة بآلام الناس
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 26-12-2011
 
   
رضا الظاهر
اعتبر مقال الشاعر ياسين طه حافظ المطروح للنقاش جهداً مميزاً، خصوصاً وانه يأتي في ظرف لا يخلو من مشاعر نكوص وتراجع ويأس ليشكل جزءاً من ضفاف الأمل. وهو تجلٍ لمنهجية إعادة النظر الضرورية دائماً،



وتعبير عن الجدل المستند الى الاختلاف في الرأي والتحليل. من ناحية أخرى فإن وجود بعض الالتباسات والمواضع التي بحاجة الى تدقيق مفاهيمي في المقال لا يقلل من أهمية الموضوعات المطروحة فيه.
إن (حزن الثقافة المرير) تعبير شاعري يضيء مرارة الأحزان العراقية، وهي أحزان تمتد من بكاء عشتار السومرية على رحيل تموز حتى أيامنا المفعمة بالأحزان والبعيدة، على ما يبدو، عن المسرات.
في مداخلتي أود إضاءة بعض الموضوعات الأساسية التي طرحتها ورقة الأستاذ ياسين طه حافظ وأركز بشكل خاص على قضايا: الثقافة والديمقراطية، والمثقف والسلطة، ودور الثقافة.
الديمقراطية هي شرط ازدهار الثقافة، وهي عنصر داخلي في المعرفة يمنحها سمة اجتماعية، ويؤكد القبول بالنقد والاجتهاد والاختلاف والتعددية والحوار، وبالصراع الذي هو أساس تجدد المعرفة. وبالتالي لا يمكن الفصل بين الديمقراطية والعقلانية.
والحق أن ماركس وضع، في نقده فلسفة الحق عند هيغل، أساساً منهجياً لرؤيته الديمقراطية، وقوامها أن الدولة ينبغي أن تكون تعبيراً عن المجتمع المدني.
إن الثقافة الجماهيرية هي ثقافة الدولة التسلطية التي تتعارض مع الثقافة الديمقراطية. ولعل الفارق بين الاثنتين أن الثقافة الديمقراطية لا تزعم الكمال على عكس الثقافة الجماهيرية التي تزعم امتلاك الحقائق الكلية النهائية مما يجعل الاستبداد قائماً فيها. ومن هنا التعارض بين الثقافة الجماهيرية التي تتسم بالبؤس وتأبيد الراهن والثقافة الديمقراطية التي هي فضاء حر يتطور عبر الحوار في إطار مجتمع مدني، وشرط للتحول الاجتماعي التقدمي.
وبما أن كل مشروع سياسي لابد أن يستند الى مشروع ثقافي، فإن الديمقراطية هي الأساس الذي ترتكز عليه هذه العملية في صياغة مشروع نقدي يتمثل في إعادة إنتاج العلاقات الضرورية بين الفكر والأخلاق والسياسة، التي تسعى، من بين غايات أخرى، إلى صياغة نموذج الفرد ذي التفكير الديمقراطي.
وتبدو الديمقراطية العلمانية التحديثية والأصولية متعارضتين تماماً، ذلك أنهما تمثلان مشروعين سياسيين وثقافيين متضادين ينفي أحدهما الآخر، فهما نمطان متعارضان من التفكير، أحدهما قوة إقصاء ثقافي مناهضة للنقد والتعددية، والآخر يعتمد الحوار والتجدد وأشكالاً من المساواة تفرضها الديمقراطية وخصوصاً مساواة النساء.
ومن الطبيعي أن سلطة الاستبداد المطوقة بآلام الناس وصمتهم، بل التي لطخت أيديها بدماء مثقفين حقيقيين أبرياء رفضوا الخنوع لها، هي التي تحتاج إلى إقامة الجسور مع التابعين والخانعين من المثقفين لتسلبهم استقلاليتهم، وتستثمر لهاثهم وراء المنافع في عملية الدعاية لفكرها وإدامة وجودها.
وبما أن الدولة، وهي مؤسسة طبقية سياسية قمعية، تعبر عن علاقات الإنتاج السائدة في المجتمع، فإنها تسعي إلى ممارسة سلطتها باعتبارها التعبير السياسي عن مصالح المجتمع بأسره. وتمارس الدولة سلطتها بوسيلتي القمع والآيديولوجيا. ولعلنا نتذكر هنا سفيان الثوري الذي قال "إذا رأيتم شرطياً نائماً عن صلاة فلا توقظوه لها، فإنه يقوم يؤذي الناس ونومه أحسن". كما نتذكر ابن خلدون الذي قال "إعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بها على أمره". فهاتان المقولتان من تراثنا تضيئان الجوهر القمعي التضليلي للدولة وسلطتها.
وارتباطاً بذلك بوسعنا أن نتذكر ما قدمه أرسطو للحاكم المستبد إذ قال "على المستبد أن يختار رجال حمايته من المرتزقة الديماغوغيين الجهلة، وأن يحافظ على السلطة التي كسبها بكيل الوعود لهم. ويتعين عليه أن يمنع صعود أي شخص ذي إمكانات استثنائية، إما بإعدامه أو باغتياله إذا تطلب الأمر. ويجب على الحاكم المستبد، أيضاً، منع الولائم والتجمعات الأدبية وإشاعة أي رأي أو ثقافة من شأنها إثارة مشاعر معادية. وعليه أن يمنع الناس من التعرف إلى بعضهم بعضاً بصورة جيدة، وأن يستعين بالجواسيس حتى من النساء، وأن يفقر رعاياه وينشر بينهم النزاعات ويشغلهم بالأعمال الشاقة مثل فرعون الذي أشغل رعاياه في بناء الاهرامات. وعلى المستبد إثارة الحروب لإلهاء رعاياه وجعلهم في حالة التأهب الدائم لأوامر القائد". وهي نصائح تذكرنا بوصايا ماكيافيللي للأمير، الذي دعا للتعرف إلى أغواره والعمل على تثقيفه وتوسيع مداركه لتدعيم سلطته. ونصب ماكيافيللي، الذي ابتعد عن مفاهيم الأخلاق وأحكام القيم، الأمير ليكون له القول الفصل في ما يتعلق بدولته ونصحه أن يقدر الأوضاع الطارئة التي تجيز له أن يكون شريراً ليحافظ على منصبه، داعياً إياه الى أن يكون مصدر خوف للناس. ويؤكد ميكيافيللي أن الدس والمخاتلة والتحايل هي فضائل في ميدان السياسة يجب على الحاكم أن يتحلى بها إذا أراد حقاً أن يكون حاكماً. 
وعلى الرغم من الدور الفاعل الذي تلعبه الايديولوجيا ويلعبه المثقفون حاملو المعرفة في إدارة الدولة وتوجيه المجتمع، فإن المثقفين ليسوا، في هذا الإطار، القوة المهيمنة في بنية الدولة، فهذه القوة تتمثل في مالكي وسائل الإنتاج، فهؤلاء المالكون هم وحدهم المقررون والمتحكمون بسائر الشؤون، وهذا هو أحد مصادر الإشكالية بين ما هو سياسي وما هو ثقافي داخل بنية الدولة والمجتمع. وتدرك الدولة أن لا سلطة سياسية وقانونية لها من دون سلطة ثقافية، ومن هنا أهمية وخطورة الآيديولوجيا.
ولكن النظام الاستبدادي يشوه وظيفة المعرفة وسمتها الاجتماعية ويحولها الى وظيفة لإنتاج وإعادة إنتاج علاقات الاستبداد. ويسعى هذا النظام الى تحقيق نخبوية المعرفة عبر إنتاج وإعادة إنتاج التجهيل، وتحويل المعرفة الى وسيلة لتبرير آيديولوجيا الاستبداد.
وتسعى السلطة إلى إلغاء كل معرفة نقدية مستندة أولاً إلى أجهزتها الايديولوجية والإعلامية، فإن لم تفلح تنتقل من القمع الفكري الى القمع السافر، وقد يترافق النمطان من القمع إذا ما استدعت الضرورة ذلك.
ولأن النظام الاستبدادي يقوم على الوحدانية، فانه يعتبر نفسه المرجع الوحيد لكل معرفة ممكنة، ويصبح دور المعرفة البرهنة على أن شرعيتها الوحيدة هي الدفاع عن شرعية الاستبداد، بحيث يصبح الاستبداد خروجاً على قوانين المعرفة. وهذا ما يجعل المعرفة آيديولوجيا استبدادية، أو يجعل الاستبداد قائماً في عملية المعرفة، ذلك أن الاستبداد لا يسمح بإنتاج المعرفة ولا بممارسة ديمقراطية داخل عملية المعرفة.
وتحول السلطة الاستبدادية المثقف الى شارح لمعرفتها المطلقة التي لا تحتمل النقد أو التطوير. إن كمال المعرفة السلطوية هو الذي يفرض علاقات الامتثال، ويرفض النقد والاجتهاد ويعتبرهما ممارسة خاطئة.
والى جانب وسيلتي القمع والآيديولوجيا تستخدم السلطة وسيلة المال إذ تستثمر ضغط الحياة الاستهلاكية على المثقف، وضرورة تغطية حاجاته الحياتية، وهو ما يرغم المثقف على تحويل عمله الى سلعة تتحكم بها السوق. وعلى الرغم من أن عملية التسليع هذه تؤدي، من ناحية، إلى إخراج الثقافة من حدود النخبة وإشاعتها بين الناس، فإنها تتم، من ناحية أخرى، على حساب الشروط الجمالية للعملية الإبداعية ذاتها.
لنتساءل أولاً: لماذا الاهتمام المتزايد بموضوع العلاقة بين المثقف والسلطة ؟
هذا الاهتمام البالغ بالموضوع والطابع الإشكالي الحاد لطرحه هو تعبير عن الأزمة البنيوية لواقعنا، وخصوصاً خلال العقود الأخيرة، والأزمة في مجمل أوضاع هذا الواقع وممارسات قواه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وهناك معالجات تبسيطية في تفسير علاقة المثقف بالسلطة. فموقف المثقفين لا يتحدد بالتأييد أو الرفض للسلطة على إطلاقها، ذلك أن العلاقة بينهما أكثر تعقيداً من هذه الثنائية التبسيطية، وتتحدد أساساً بمدى مشاركة المثقفين فعلياً في تكريس سياسات هذه السلطة أو تغييرها تغييراً جذرياً. وبما أن الثقافة بعدٌ من أبعاد السلطة، فإن القول بالثنائية الضدية أو الثنائية التوفيقية بين المثقفين والسلطة لا يفضي الى تغييب حقيقة العلاقة بين المثقفين والسلطة فحسب، بل يفضي كذلك الى طمس طبيعة الثقافة وطبيعة السلطة على السواء.
إن التناقض الأساسي ليس بين السلطة كسلطة والمثقفين كمثقفين، وإنما أساساً بين ثقافتين وآيديولوجيتين، أي بين موقعين وموقفين اجتماعيين.
ولم تستطع الحركة السياسية عكس التغيرات الاجتماعية العميقة ونتائجها الفكرية في سياساتها الثقافية، إذ بقيت متشبثة بالمواقف التقليدية من الثقافة، والنظرة الأحادية الضيقة التبسيطية للإبداع، والاستلقاء على أرائك اليقين والمرجعيات السياسية والآيديولوجية. وكانت العلاقة مع المبدعين تفتقر إلى الأسس العلمية الواضحة والسليمة، وتعتمد على العفوية وآلية العمل الروتينية، والمراهنة على قوة ارتباط المبدعين بالحزب السياسي سواء كانوا داخله أو خارجه. وكان من الطبيعي، والحال هذه، أن يجري اللجوء إلى تفسير مبسط لأزمة الثقافي والسياسي.
الحديث عن مشروع وطني في الثقافة العراقية يحتاج إلى الكثير من التفصيل، والكثير من الاستعدادات في سياق فهم تاريخ هذه الثقافة أو تاريخ المشروع الوطني أو المشاريع الوطنية داخل الثقافة العراقية. فالثقافة العراقية خلال العقود الأخيرة منذ السبعينات ولحد الآن هي عمل ثقافي قائم على نشاط أفراد ولم يقم على أساس حركة ثقافية.
اعتقد إن الوضع الثقافي العراقي وظروف العمل هي ضحية لتصورين خاطئين، التصور الأميركي الذي أتى من أجل "تحرير" الثقافة وهو مفهوم مستل من سياق حضاري وثقافي آخر وتصورات الكثير من السياسيين العراقيين ممن يتسم نمط تفكيرهم بالضيق والتبسيط في الموقف من الثقافة وتحريرها الحقيقي.
المدى

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced