رحيل شـاعــرة نـوبــل فيســوافـا شيمبورسـكـا "1923- 2012"
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 06-02-2012
 
   
ترجمة وتقديم: هاتف جنابي
توفيت يوم الخميس المصادف الأول من شباط/ 2012 (فيسوافا شيمبورسكا) الشاعرة  البولندية الشهيرة الحائزة على جائزة نوبل في الأدب(1996). كان لها من  العمر 89 سنة. اشتد عليها المرض كثيرا قبل موتها حتى أنها ماتت أثناء  نومها. فنعتها الأوساط البولندية الرسمية والشعبية وكذلك وسائل الإعلام  العالمية.



شيمبورسكا شاعرة التفاصيل والتناقضات بامتياز. شاعرة " الجزالة الشعرية" و"السهل الممتنع" بامتياز. كل قصيدة من قصائدها, مهما كان مستواها هي قصيدة جديدة، تشكل حضورا وتفردا بامتياز. تكاد تكون شيمبورسكا قد كتبت عن مختلف شؤون الحياة بطريقتها الخاصة، بحيث أصبحت كل قصيدة لها بمثابة لوحة إما أن تتفاعل معها أو ترفضها وهذا أمر صعب المنال بالنسبة لعموم الشعراء. يغلب الوعي على ما هو سواه- في مجمل عملية الخلق الشعري لدى الشاعرة. الأمر الذي لا ريب فيه – وهذا بحد ذاته استنتاج يتسم بالمخاطرة في النظر إلى الأعمال الفنية عموما- هو أننا لا نلمس في شعرها تخطيطا مبتسرا وسابقا على ما يمكن أن ُيخلق ويعتمل ويجري في خضم المخاض الشعري. هذا الوعي يتدخل بعد الشروع في عملية الخلق مباشرة. هذا ما تقوله القصائد. علينا أن نتذكر أن الوعي شيء والتخطيط شيء آخر. شيمبورسكا شاعرة مقلة ومقتصدة في القول الشعري(لها 350 قصيدة منشورة). فلو كانت تخطط للقصيدة سلفا لجلست وسفحت ما تريده على الورق, خاصة وأن القارئ (محليا وعالميا) والوسط الشعري متعطشان لجديدها. قالت في مقابلة مع الراديو البولندي ذات يوم: إن القصيدة تجيء بهيئة فكرة فإما أن تكتبها مباشرة أو أن تكتب جزءا منها وتعود لتكمله فيما بعد أو أنها تسجل الفكرة في دفتر. كل شاعر يرغب في كتابة قصيدته دون الرجوع إليها مرة ثانية ولكن هذا ليس أمرا سهلا دائما. لماذا تراني مدفوعا لإثارة هذه النقطة؟
أود هنا أن أشير إلى ثلاثة أقطاب أو بؤر. ألا وهي الجو الشعري، والمزاج الشعري للشاعرة، والمسؤولية الملقاة على عاتق كل كاتب، وأعني بذلك المسؤولية عن قيمة ومستوى العمل الفني. ما يعود للشاعر هو مزاجه الشعري، وهو أيضا ما تخيله العرب القدامى والإغريق وحددوه بشيطان الشاعر أو بجن الشعر. نعم، للشاعر جنه وجنونه وهوسه الفنيّان. وهذا بحد ذاته لا ضرر فيه إن كان بمستوى عملية الخلق الفني ذاتها، بدون تصنع ومسخ وتطاول وادعاء.
شيمبورسكا استطاعت أن تساهم في خلق جوّ مناسب للشعر والشعراء في بولندا. لا يخلق الشاعر حالته الخاصة وحسب وإنما يمكنه أن يعلي من شأن قومه في نظر الآخرين وبذلك يذكرنا بما كان يفعله الشاعر المجيد لقبيلته في عصر ما قبل الإسلام.
على صعيد آخر لم يتوفر لها المزاج الشعري الذاتي، مقارنة بتعاظم مسؤوليتها كشاعرة - نجمة(تلاحقها الأضواء هنا وهناك) لكي تضيف على سبق وإن كتبته من حيث الكم والمستوى والتجاوز. يعني أنها لم تخلق تحولا في شعريتها بعد نوبل. يتحكم في عدم الإضافة هذه بشكل أو بآخر، كل من تقدمها في العمر والطموح الفني العالي لديها وخوفها من المغامرة غير المحسوبة العواقب، إضافة إلى اللعنة المتمثلة في تقاعس الشاعر أحيانا عما يمكن أن نسميه" اقتناص اللحظة الشعرية" والجرأة أو"المجاهدة في خلخلة" ما اعتاد عليه فنيا! حتى أن أحد الشعراء البولنديين(برونيسواف ماي) المقربين منها قد قسّم حياتها إلى مرحلتين: ما "قبل مأساة نوبل في 1996 وما بعدها".يعني أن حصولها على جائزة نوبل هو مأساة شخصية لها أكثر مما هو فرحة ومجد، لأن الجائزة قد جلبت لها الشهرة والأضواء التي كانت تكرههما بخلاف الكثيرين. بعد فوز شيمبورسكا بجائزة نوبل، جرى تناقل طرفة، في مدينة كراكوف حيث كانت تعيش الشاعرة، فحواها أن صيادا اصطاد سمكة ذهبية وطلب منها أن تلبي له رغبته في الحصول على امرأة ذكية متواضعة لطيفة مشهورة وغنية وبعد عودته إلى بيته وجد شيمبورسكا بانتظاره!
  ثمة ما يستوقف المرء ويحيره بعد قراءة كل قصيدة من قصائد الشاعرة. كل قصيدة تتمثل في موضوع رئيس- فكرة محورية. ومن أجل تجسيدها تقوم الشاعرة بتوظيف كل من الكلمة والفكرة إلى أقصى حد، معنويا وصوتيا(بما في ذلك الإيقاع) ودلاليا، وذلك على محورين أساسيين يشملان بنية القصيدة وجوها الخاص والعام. وأنت تقرأ كل قصيدة على انفراد تجد نفسك منساقا لإنهائها و من ثم لإعادة قراءتها من جديد. لذا فإن البساطة الظاهرية للقصائد خادعة، فلا تعطي القصيدة نفسها بمثل السهولة الظاهرية. قصيدة شيمبورسكا تدافع عن نفسها فنيا وفكريا. اللفظ في خدمة المعنى والمعنى يتجلى في اللفظ. إنهما طرفان في خدمة قضية واحدة اسمها القصيدة. وعليه فالفصل بينهما غير مرئي تماما بل يمكن أن نقول أنه غير وارد. نفس الشيء يحدث لدى شيمبورسكا على صعيد آخر. إذ لا يمكن بناء قصيدة  بمعزل عن الفكر والفكرة على السواء. كما ولا يمكن فصل بنية القصيدة عن سياقها الشعري والجمالي ورشاقتها الشعرية. حتى السخرية الشائعة في شعرها لا تتمادى في غيها أبعد من كونها عنصرا ضمن مشروع فني الهدف منه خدمة جانبين هما: الفني- الشعري و الفكري. قد تتدخل هذه السخرية أحيانا في تشكيل الإطار العام لمعمارية القصيدة. ولا أدري حتى النهاية، لأنني لست منجما، ما هو دور الأفلاك والبروج التي (يشير إليها بعض النقاد البولنديين أحيانا!) في تشكيل مزاج وتوجه الشاعرة باعتبارها من برج السرطان! حيث ولدت في الثاني من تموز 1923 في منطقة(كورنيك) الصغيرة, قرب مدينة(بوزنان) المعروفة بتقاليدها المتأثرة بالثقافة الألمانية. وحتى لا أبتعد عن الهدف المرسوم لهذه الكلمة، أقول إن ما يبرر ترجمتنا لأشعار شيمبورسكا إلى اللغة العربية كثير. فبالإضافة إلى التقليد الذي أصبح شائعا اليوم في العالم والقاضي بنشر ترجمة أشعار شعراء مرموقين باعتبار ذلك شهادة على أهمية منجزهم الشعري وحيوية اللغة التي يكتبون بها والثقافة التي ينتمون إليها من جهة وإغناء الحركة الأدبية والثقافية لدى الطرف الآخر، فإنني أتلمس عذرا آخر يتمثل في إعادة قراءة ما ترجمته لها وهو كثير فوجدت أنني بحاجة إلى مراجعة جديدة ودقيقة للغاية لما قد ترجمته من قصائد الشاعرة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي! فوجدتُ من الهفوات والأخطاء المطبعية التي سعيت لتجاوزها لاحقا. وبما أنها مراجعة عسيرة وشاملة ترقى إلى مصافي الترجمة الجديدة بكل معنى الكلمة بحيث يكون من حقها، عن جدارة، أن تكون الأكثر أهمية ودقة حتى الآن، ناسخة وملغية لكل ما ترجمته لهذه الشاعرة في حقبة الثمانينات والتسعينات. كنت أول من ترجم شيمبورسكا من اللغة البولندية إلى العربية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وبعدها بفترة على ما أذكر نشرتْ مجموعة من قصائدها في مجلة الثقافة الأجنبية العراقية قام بترجمتها عن الإنكليزية المترجم القدير والشاعر العراقي ياسين طه حافظ. كان علينا الانتظار حتى حصولها على جائزة نوبل في العام 1996 لكي يتصدق علينا الناشر العربي بطبعة مختارة من أشعارها صدرت بهيئة كتاب لأول مرة في العربية بترجمتنا. التقيتُ بشيمبورسكا آخر مرة في شهر أيار/مايو 2012 حيث جلستُ إلى جانبها في أوبرا كراكوف وتحدثتُ معها أثناء الحفل الختامي لمهرجان ميووش الشعري العالمي. عموما هي معروفة بتواضعها الجم وحيائها وفكاهتها، لها جماعة حميمة قليلة العدد تستأنس باللقاء معهم والتحدث بحرية كاملة.
قمتُ في العشرية الأخيرة بترجمة قصائدها الجديدة بعد نوبل وجمعها لتصدر في كتاب ضخم يضم معظم أشعارها. هذه النصوص سبق وأن ترجمناها وألحقنا بها بعد نوبل مباشرة ترجمة لمحاضرتها القيمة عن الشاعر والعالم فكنا بذلك أول من ترجم النصوص الواردة شعرا ونثرا إلى العربية.

وفــاة فيســوافـا شيمبورسـكـا
مـــوزارت الشـــــعر
ترجمة: ابتسام عبد الله

توفيت في بداية هذا الشهر الشاعرة البولندية فيســوافـا شيمبورسـكـا (88عاماً) الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 1996. والشاعرة شيمبورسـكـا  تمتاز بقصائدها البسيطة التي تتحدث عن مظاهر الحياة اليومية.
وقد وصفت الشاعرة حسب بيان لجنة منح جوائز نوبل بـ"موزارت الشعر" مع شيء من ضرواة بتهوفن. كما وصفتها صحيفة ايطالية بـ "عزينا غاربو عالم الشعر".
وقد أعلن وفاتها يوم الأربعاء الماضي من قبل سكرتيرها الخاص، "توفيت خلال نومها، إثر إصابتها بسرطان الرئة"، كما نعاها رئيس جمهورية بولندا، بقوله"الروح الحارسة، لقد كانت تدعو إلى التسامح والى عالم أفضل".
ولدت الشاعرة في قرية بولندية (بنين) عام 1923، ثم انتقلت الى كراكو بعد ثمانية أعوام وعاشت هناك حتى وفاتها. درست شيمبورسـكـا  الفلسفة البولندية والاجتماع في جامعة كركو، وطبعت أولى قصائدها في آذار 1945 (أنا أتطلع إلى كلمة) ونشرت مجموعتها الثانية (نحن نعيش من أجل) عام 1952، في ظل الحكم الشيوعي في بولندا، وكانت تعبيراً عن الاشتراكية الواقعية. وهي بعدئذ تبرأت من قصائدها التي كتبتها في المرحلة الاستالينية. ويبلغ عدد قصائدها حتى نهايتها 400، وكافة قصائدها معروفة ولها شعبيتها في بولندا. وعلى الرغم من ذلك، كانت الشاعرة تبتعد عن الأنظار قائلة: "كل واحد يحتاج إلى العزلة، وخاصة إنسان اعتاد التفكير في تجربته أن الوحدة ضرورية جداً لعملي ولحالة الاستلهام"، كما قالت: "لقد وصلت إلى سن معرفة الذات ولذلك لا أعرف شيئاً آخر".
وعندما تسلمت الشاعرة جائزة نوبل تحدثت في كلمتها عن طبيعة الحياة غير الاعتيادية وقد كتبت شيمبورسـكـا  الشعر حتى وفاتها.
عن الغارديان


المختارات الشعرية:

1- " أشعار مختارة"، وارسو 1964.
2- " أشعار مختارة" اختيار وتقديم الشاعرة، وارسو 1967.
3- " مختارات شعرية"، تقديم الناقد يزي كفياتكوفسكي، وارسو 1970.
4- مختارات شعرية"، وارسو 1973.
5- " تاريوس وقصائد أخرى"، وارسو 1976.
6- " أشعار مختارة" اختيار الشاعرة، وارسو 1983.
7- " أشعار" مع مقدمة بقلم الناقد يزي كفياتكوفسكي، طبعة ثانية، وارسو 1978.
8- " أشعار مختارة باللغتين البولندية والإنكليزية، كراكوف 1989.
9- " لا شيء يحدث مرتين"، مختارات شعرية باللغتين البولندية و الإنكليزية، كراكوف 1997.
10- " أمسية شعرية" اختيار الشاعرة، وارسو 1992.
11- " منظر مع حبة رمل" – 102 قصيدة، اختيار الشاعرة، بوزنان 1996.
12- "منظر مع حبة رمل"- مختارات شعرية تضم(184) قصيدة، بوزنان 2000.
13- الحب السعيد وقصائد أخرى، 2007.

أهم أعمالها:


أ - الدواوين الشعرية:
1-  لهذا نحيا،  وارسو 1952.
2- أسئلة نسألها، كراكوف 1954.
3- مناداة ييتي، كراكوف 1957.
4-  الملح، وارسو 1962.
5-  هزل بلا حدود، وارسو 1967.
6- كل احتمال، وارسو 1972.
7- العدد الكبير، وارسو 1976.
8- ناس فوق الجسر، وارسو 1986.
9- النهاية والبداية، بوزنان 1993.
10- لحظة، كراكوف 2002.
11- نقطتان، كراكوف 2005.
12- ها هنا، 2009كراكوف.
13- صمتُ النبات، كراكوف 2011.

النثر – مطالعات في الكتب

1-  "مطالعات اختيارية"، كراكوف 1973.
2-" مطالعات اختيارية" الجزء الثاني، كراكوف 1981.
3-" مطالعات اختيارية" الجزء الثالث، كراكوف 1992.
4- " مطالعات اختيارية" الجزء الرابع، كراكوف 1996.   
5-" البريد الأدبي" (رسائل متبادلة ما بين الشاعرة والقراء)، كراكوف 2000.

في الترجمة:
   
1-  دي موسيه، أشعار مختارة، وارسو 1957.
2-  شارل بودلير، أشعار مختارة، وارسو 1970.

قصائد مختارة:
السماء             

من هنا كان ينبغي البدء: من السماء
نافذة بلا عتبة، بلا إطار، بلا زجاج.
فتحة ولا شيء سواها،
غير أنها مشرعة على اتساعها.
لستُ مضطرةً لأنْ أنتظر ليلة رائقة،
ولا أنْ أمدّ رأسي إلى أعلى
كي أُبصِرَ السماء.
السماء خلف ظهري، تحت يديّ وفوق الجفون.
السماء تلفّني بإحكام
وترفعني من الأسفل.
حتى أعلى الجبال
هي ليست أقرب إلى السماء
من الوديان السحيقة.
ليست هي في مكان أكثر
منها في آخر.
الغيمةُ على حد سواء بلا رحمة
مطوحّة كقبر في السماء.
الخُلد على حدّ سواء مرفوع
مثل بومة متمايلة بجناحيها.
الشيء الذي يسقط في الهاوية،
يسقط من السماء إلى السماء.
مذرورة، سيّالة، صخرية،
مضطرمة ومتطايرة
رُقَعُ السماء، دقائقُ السماء،
نفثاتُ السماء، وكِدَسُها.
السماءُ كليةُ الحضور
حتى في العتمة تحت الجلد.
آكلُ سماءً، أُفْرغُ  سماء.
أنا شرَكٌ في شرك،
ساكنٌ مسكون،
احتضانٌ محضون،
سؤالٌ في جواب على سؤال.

القسمةُ على أرض وسماء
ليست طريقة مناسبة
للتفكير بهذا الكل.
هي تسمح لي أنْ أعيشَ وحسب
بعنوان أكثر دقة،
أسرعَ على العثور عليه،
فيما لو كنتُ مطلوبة.
علاماتي الفارقة
الجذلُ  واليأس.

من ديوان "النهاية والبداية"(1993).
 
**********

لا شيء يحدث مرتين

لا شيء يحدث مرتين
ولن يحدث. لهذا السبب
ولدنا بدون مهارة
وسنموت بدون ممارسة.
حتى لو كنا التلاميذ
الأكثر بلادة في مدرسة العالم,
فلنْ نُعيدَ درسَ
أيّ شتاء، ولا أيّ صيف.
ما من يوم سيُكرّر نفسَه
لا توجد ليلتان متماثلتان
ولا قبلتان متساويتان
ولا نظرتان في الأعين متطابقتان.
أمس، حينما اسمك
ردده أحدٌ على مسمعي
شعرتُ كما لو أن وردة
قُذفتْ في غرفتي من نافذة مشرعة.
اليومَ  ونحن معا,
أدرتُ وجهي للحائط.
الوردةُ؟ كيف تبدو الوردة؟
هل هي زهر؟ أو ربما حجر؟
لماذا أنت أيتها الساعة السيئة
تضطربين بحذر لا داعي له؟
أنت موجودة- إذن ينبغي أن تنقضي.
ستنقضين- وهذا شيء جميل.
مبتسمين, نصف متعانقين
نحاول البحث عن الوئام,
رغم كوننا مختلفين عن بعضنا
كقطرتين من الماء الزلال.
**********
علانية
هذانِ نحن، عاشقان عاريان
جميلان لأنفسنا- وهذا كثير-
بأوراق الأجفان متدثران
مستلقيان في عمق الليل.
لكنها تعرفنا بلى تعرفنا
هذه الزوايا الأربعةُ والمدفئةُ الخامسة،
الظلانِ المفترضان الجالسانِ على الكرسيين،
والمنضدةُ التي تستغرق في صمتها ذي المغزى.
ويعرف القدحان لماذا بقايا
الشايِ تبرد في القاع
أما السقفُ فلا رجاء له
إذْ لا أحد الليلةَ يقرأه.
والطيورُ؟ لا تُعَوّلْ أبدا على الأوهام:
أمسِ رأيتُ كيف كانتْ فوق السماء
تخطُّ بوقاحةٍ ووضوح
هذا الاسمَ الذي أُناديك به.
والأشجارُ؟ قلْ لي ماذا يعني
همسُها الذي لا يكلّ؟
تقول: ربما الريحُ بمعرفتها تمنّ
وإلا فمنْ أين لها أنْ تعرف الريحُ عنا؟
دخلتْ فراشةٌ ليليةٌ عبر النافذة
وراحتْ ذهابا وإياباً
بجناحيها الأزغبينِ تحلّقُ 
تحفّ بعزمٍ فوقنا
ربما ترى هي أكثرَ منّا
بحدّةِ النظر الحشريّ؟
أنا لم أحِسَّ أنك خمّنتَ،
أن قلبينا ينيران في الظلام.

من ديوان"نداء ييتي"(1957)

**********

منظور

تقابلا في الطريق مثل غريبين،
دون إشارة أو كلمة،
هي في طريقها للحانوت،
وهو إلى السيارة.
ربما بفزع،
أو ذهول،
أو نسيان،
هما وبوقت قصير
قد أحب بعضهما الآخر حتى النهاية.
لا شيء يضمن،
أنهما قد كانا هما.
نعم، ربما من بعيد،
لا من قريب أبدا.
رأيتهما من النافذة،
مَنْ ينظر من الأعلى،
من السهل أنْ يخطئ.
هي غابت وراء الأبواب الزجاجية،
وهو جلس وراء المقود
وانطلق بسرعة.
يعني لم يحدث شيء
حتى لو أنه قد حدث.
وأنا متأكدة مما رأيتُ
عبر لحظة فقط،
أحاول الآن في قصيدة عرضية
أن أقنعكم، أيها القراء،
بأن ذلك كان حزينا.
**********

بعد غدٍ – بدوننا

يتوقع أن يكون الصباح باردا وضبابيا.
تأخذ السحب الممطرة بالتجمع
من الغرب.
ستكون الرؤية ضعيفة.
والطرقات زلقة.
تدريجيا سيكون ثمة صحو محلي
أثناء النهار،
تحت تأثير الضغط العالي من الشمال
لكنه لدى هبوب رياح شديدة متغيرة في عصفها
قد تقع العواصف.
ليلا
سيعم الصحو كلّ البلاد تقريبا،
فقط في الجنوب الشرقي
لا يستبعد سقوط المطر.
ستنخفض الحرارة إلى حد ما
لكن الضغط سيرتفع.
من المتوقع أن يكون
اليوم التالي مشمسا،
لكن المظلة ستكون
مفيدة لمن سيبقون على قيد الحياة.
**********

دماثة العميان

يقرأ الشاعر قصائده للعميان.
لم يكن يتوقع أن يكون ذلك صعبا إلى هذا الحد.
يهتز صوته
ترتعشُ يداه.
يشعر أن كل جملة
ها هنا تمر بامتحان العتمة.
وعليها أن تعتمد على نفسها،
بلا أضواء بلا ألوان.
مغامرة خطرة
للنجوم في شعره،
للفجر، لقوس قزح، للغيوم، للنِّيوناتِ، للقمر،
للسمكة التي ما تزال حتى اللحظة فضية تحت الماء
وللصقر المحلق بلا ضجيج، عاليا في السماء
هو يقرأ – لأن الوقت قد فات على عدم قراءته-
حول غلام بقمصلةٍ صفراء في مرج أخضر،
حول سطوح حمراء يمكن عدها في الوادي،
حول أرقام متحركة على قمصان اللاعبين،
وعارية غريبة في فتحة الباب.
أراد أن يتجاهل- رغم أن هذا غير ممكن-
كل القديسين في سقف الكاتدرائية،
وإشارة الوداع من نافذة القطار،
وعدسة الميكروسكوب والإشعاع في الخاتم
والشاشات والمرايا وألبومَ الوجوه.
لكنّ دماثة العميان كبيرة،
كبيرٌ تفهمهم، ورحابة صدرهم.
هم يصغون، يضحكون ويصفقون.
حتى أن أحدهم يدنو
بكتاب مفتوح بالمقلوب
ليطلبَ توقيعا لا مرئيا بالنسبة له.




 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced