في حفل تكريمه بلندن..محمد مكيّة:عمري يوازي عمر الدولةالعراقيةشختُ والعراق مازال فتيا
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 14-02-2012
 
   
عدنان حسين أحمد
نظّمت جمعية الأكاديميين العراقيين  في لندن أمسية احتفائية لتكريم الدكتور  محمد مكية عن مجمل إنجازاته المعمارية وعطاءاته الفكرية والجمالية خلال  رحلة حياته الطويلة التي امتدت منذ عام 1914 وحتى الآن. أدار حفل التكريم  الأستاذ غانم جواد الذي منح فرصة الكلام الأولى لرئيس جمعية الأكاديميين

د. سعدي النجّار الذي رحّب بالحضور، وخصّ بالذكر منهم الدكتور محمد مكية وعائلته الكريمة التي حضرت حفل التكريم. وقال بأن الجمعية قد دأبت على تكريم القامات السامقة من الأدباء والمفكرين والعلماء والمبدعين في مختلف مجالات التعليم العالي والبحث العلمي. وذكرَ بأن الجمعية تكرِّم اليوم علماً من أعلامنا المعماريين، وقمةً من قممنا الثقافية والفكرية الشاهقة نظراً لما أنجزه من مشاريع وأبنية وتصاميم معمارية بالغة الجمال. كما خرّج العديد من المعماريين العراقيين الذين تتلمذوا على يديه ونهلوا من ثقافته المعمارية الرصينة.
ثم تحدثت السيدة هند مكية طويلاً مُسترجعة العديد من الذكريات والمواقف التي تتعلق بوالدها من جهة، وبالعائلة من جهة أخرى. أما الدكتور عبد الرزاق العيسى، المستشار الثقافي العراقي بلندن، فقد أثنى على توصيف الأستاذ غانم جواد حينما تحدث عن وطنية محمد مكية وحبه للعراق، وقال بأن هذه الخصلة العظيمة هي التي جذبت له الكثير من العراقيين واستقطبتهم إلى دائرته الفكرية والثقافية.
الدكتور رشيد الخيون الذي تربطه بمكية صداقة شخصية وعمل متواصل في نادي الكوفة امتد لقرابة خمس عشرة سنة فقد قال: (لقد حاولت أن أكتب شيئاً عن د. محمد مكية لكي أقرأه هنا، وبالفعل كتبت خمس صفحات ثم مزقتها) وحجته في ذلك أنه كان يلتقي بمكية على مدى خمسة عشر عاماً ويزيد بشكل يومي، فكم من القصص والمواقف كان تقع بين أوانْ وآخر فماذا تنفع هذه الصفحات الخمس في تغطية هذا الكم الكبير من الأحداث والمواقف شبه اليومية؟ وأشار الخيّون إلى أنه ساهم (بتحرير اليوميات، وحاول مراراً أن يقنعه  بإصدارها، لكن مكية كدأبه لم يرضَ على أحد). وصف الخيون جيل مكية بأنه (جيل نادر لأنه خرج مثل طائر الفينيق من تحت الرماد) في إشارة إلى أن مكية ولد في العهد العثماني وعاصر تأسيس الدولة العراقية التي انطلقت من الصفر، لكنها ظلت تتقدم إلى أمام ولم تتراجع. وقد شخّص الوضع آنذاك، بعين الباحث الأصيل والدقيق جداً، حينما وصفه (باطن متفتح وظاهر متشدد) أي عكس الحالة المزرية والمقرفة التي نعيشها اليوم وهي بحسب تشخيصه (ظاهر متشدد وباطن متشدد). كان الباطن المتفتح، كما يذهب الخيون، يسمح بظهور شخصيات مثل محمد مكية، ويسمح بقيام معارك أدبية وفكرية تطالب بالسفور وتنادي بحقوق المرأة وما إلى ذلك. استشهد الخيون ببيتين من الشعر قالهما أحمد بن بكر الكاتب برواية أبي منصور عبد الملك الثعالبي في يتيمة الدهر مفادهما:(لا تعجبنَّ من عراقيّ إن رأيت له / بحراً من العلم أو كنزاً من الأدب / وأعجب لمن ببلاد الجهل منشؤه / إن كان يفرّق بين الرأس والذَنَب). هكذا كان الإنسان في السابق، ونتمنى أن يبقى كذلك، لكن الوضع الراهن صعب جداً ولا يحُّض على التفاؤل كما يراه الخيون، فلا غرابة أن يلتجأ هذا الباحث الكبير إلى الماضي، والالتجاء إلى الماضي ليس خطأً من وجهة نظره. يشعر الخيون بأن شهادته بمحمد مكية مجروحة لأن هذا الأخير صديقه، وقريب إلى ذهنه، وربما يتعصب إليه. ولكي يثبت صحة ما ذهب إليه بأن العصر الذي عاشه محمد مكية كان منفتحاً بالباطن قال: (تسلمت النجف في عام 1912، رسالة من الدولة العثمانية تقول فيها أن كتاب داروين قد تُرجم وصدر فهل لديكم مانع من دخوله إلى العراق! سمعت المرجعية وتباحثت بالأمر لمدة أسبوع وجاء الجواب إن لا مانع لدينا من دخول الكتاب، لكن اسمحوا لنا بالرد عليه). فكم كانوا متفتحين آنذاك! وبالفعل ردّ عليه رجل دين اسمه البلاغي الذي توفي عام 1936 كما أشار الخيون. وهذا يعني أن المرجعية آنذاك لم تكفِّر أحداً، مثلما هي لم تكفِّر الإمام محمد حسين كاشف الغطاء الذي قال: (ومَنْ يأمن الناس من شرهِّ / أآمنَ بربه أم كفر) في ذلك الوقت. أكدّ الخيون بأن مكية يحب الكوفة جداً، ليس لأنها منطقة شيعية، بل لأنه يحب البيئة والمكان ويتمنى أن يُنسب إليه كل شيء جميل ورائع. ولهذا يقول الخيون: (أنا اقترحت وكتبت أكثر من مرة في ظل هذه الحمّى الطائفية الغبية والساذجة أن يشيدوا نصباً للإمام أبي حنيفة النعمان الذي قيل أنه قُتل أو مات في السجن سنة 150هـ). وتعجّب الخيون من أن البعض يتهم مكية بـ(الطائفية) وكل الناس تتذكر علاقاته الليبرالية الإنسانية مع يهود العراق ومسيحييه وكرده وبقية أطيافه المعروفة. واستغرب أكثر حينما قال البعض المتخرص إنه سمّى نادي الكوفة بلندن تسمية ناجمة عن تأثير طائفي، (ولو كان لمكية مثل هذا الحس الطائفي لما اقتربت منه). وأضاف الخيون (أن الكوفة كانت مسيحية، وقد اكتشفوا في الأيام السابقة مقبرة مسيحية كبرى تحت مقبرة وادي السلام)، ثم تساءل بحذاقة العارف مستفهماً: (إذا كان الأموات يتعايشون فما بال الأحياء لا يتعايشون)؟ ذكرَ الخيون بأن مكية أحب الجواهري ليس لطائفته، وإنما لإنسانيته وليبراليته ولكونه ابن البيئة التي يحبها. وعندما كتب قصيدة (الرجعيون) عام 1929 لم يكفِّره أحد عندما حدثت ضجة كبيرة ضد تأسيس مدرسة للبنات في النجف، حيث قال بجرأة غير معهودة: (ستبقى طويلاً هذه الأزمات/ إذا لم تقصِّر من عمرها الصدمات/ إذا لم ينلْها مصلحون بواسل/  جريئون فيما يدعون كفاة). وفي موضعٍ آخر من القصيدة يقول:
(تحَكَمّ باسم الدين كل مذَمم/ ومرتكب حلّت به الشبهات/ فهل قضت الأديان أن لا تذيعها/ على الناس إلا هذه النكرات). قال الجواهري هذه القصيدة ومرّ من دون أن يكفّره أحد وهذا دليل دامغ على تفتح الباطن آنذاك. اختتم الخيون حديثه بالإشارة إلى سمة التواضع التي يتميز بها مكية وهي التي قرّبته من مختلف الأعمار والأجيال.
أما المُحتفى به الدكتور محمد مكية فقد قال في كلمته المقتضبة "أشكر جمعية الأكاديميين على هذا التكريم"، ثم استرجع حياته الماضية حيث وصفها قائلاً: (بعيدة تلك السنوات التي بدأت بها وربما كثير منكم لم يولد بعد. منذ تلك السنوات وأنا أبحث عن دور التفرد والبحث عن الإجابة عن سؤال كيف بعيداً عن ما هو ولماذا. بعيدة تلك السنوات التي قررت أن أكون فيها معمارياً يمتلك خاصية المكان. فالعمارة هي الأبنية الشرعية للمكان). ومن تقنياته المعروفة المزاوجة بين الطرز الإسلامية القديمة والأساليب الغربية الحديثة في العمارة، كما كان يطعّم تصاميمه بالريازة العباسية، واستعمال الخط العربي. ثم توقف قليلاً عن محلة (صبابيغ الآل) التي ولد فيها عام 1914 المجاورة لمنارة جامع الخلفاء الشهير ببغداد. أن مسيرة مكية المعمارية التي تركت أثرها في أكثر من مكان عربي وإسلامي وعالمي بدءاً من جامع الخلفاء ببغداد، مروراً ببوابة مدينة عيسى بالبحرين، وعدد من المساجد في الكويت ومسقط وإسلام آباد، وانتهاءً بمسجد في روما و وآخر في تكساس، هذا إضافة إلى عدد غير قليل من البيوت والفنادق والمباني الحكومية التي نفخر بها جميعاً. يضع مكية كل هذه المنجزات جانباً ويقول: (لكن العراق يبقى يقيني وشغفي ولعل من مهامي العمرانية هي إتمام مشروع العراق الحضاري لجامعة الكوفة التي حاربتها الكثير من الأنظمة مازالت أمنيتي تتمثل بما فعلت من أجله هو أن أجعل وطننا فخوراً بنا مثلما نحن فخورون به بتاريخه وحاضره ومستقبله الآتي. لعل الكثير لا يعلم أن عمري يوازي عمر الدولة العراقية عاصرت الكثير من الحكومات والأحزاب والمراحل السياسية. كبرت وشخت لكن العراق يبقى فتياً منذ خرج كلكامش باحثاً عن عشبة الخلود. لا تزال نار الإبداع تعتمل في دواخل العراقيين، هنا يكمن السر وهنا يكمن السؤال. مع كل صباح يوم جديد أفكر بما سأنجز وكأني ولدت من جديد. هناك الكثير أتابع وأبحث بشغف وأعمل على أحد مشاريعي المقبلة وهو (بغداد ألف سؤال وسؤال.. بغداد بين الواقع والمحتمل) وهو قيد الإنجاز وربما لا يحالفني الحظ بإكماله وسأترك مهمة إنجازه إلى الأجيال الجديدة. إنه مثال واضح على تكامل الأجيال وتلاحم عملها. في هذه المناسبة أتوجه بالشكر والتقدير إلى جمعية الأكاديميين العراقيين على هذه المبادرة الجميلة والصادقة وفي الوقت ذاته أشكر الحضور الكريم وكل المحبين الذين رافقوا مسيرتي الطويلة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

المدى

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced