جوفانا حياة غير سوية في زمن الفاشية
نشر بواسطة: Adminstrator
الأحد 28-06-2009
 
   
موسى الخميسي
يرى المخرج الايطالي القدير بوبي آفاتي أن الأحداث التي رافقت انتشار وباء الفاشية في ايطاليا لاتزال مادة درامية عظيمة، ولأن «الكتابة عن تلك الأحداث تشكل هاجسه اليومي»، على حد تعبيره، فإن التجديد والجرأة وروح المغامرة في الأعمال السينمائية لهذا الفنان تمثل حيزا بارزا من صورته الفنية كواحد من المبدعين الايطاليين المعاصرين، الذين يعملون على إحياء الموجة الواقعية الثالثة في السينما الإيطالية.
يقول بوبي آفاتي، الذي درس العلوم السياسية من جامعة بولونيا وكان من مناضلي الثورة الطلابية عام 196 ودرس فنون السينما والموسيقى، إنه «من الصعب نسيان ذكريات سنوات الظلم والاضطهاد والحرب المؤلمة التي تخنق النفوس، والتي تحولت إلى كابوس يتسع باتساع حياة الناس اليومية، حيث يبدو الناس ضائعين مع كل محاولة يقومون بها لاسترداد الحياة الاعتيادية»، ولهذا فإنه يناقش، منذ عمله بإحدى التعاونيات التي أسسها الحزب الشيوعي الايطالي في مجال السينما الجماهيرية، بفطنة وذكاء المبدع، تلك العلاقة الخفية التي ربطت الفاشية بالانحدار والسقوط السياسي والأخلاقي الذي عم البلاد.


 

ذلك الواقع الهش الذي كان على وشك الانهيار والسقوط على ضوء الحاجة إلى التغيير الاجتماعي والثقافي لدى قطاعات عريضة من الإيطاليين، الذين اكتسحت حياتهم الفاشية بأساليب القمع والعنف والازدواجية، والتي لا تزال حتى يومنا هذا تتحكم بأخلاق وعادات وسلوك العديد منهم.
فيلم «والد جوفانا»، بدوره، يقوم على حبكة درامية قوية تعكس نماذج حية من عوالم بشرية مهشمة ومحبطة ومتأزمة جراء خوفها وقلقها ويتناول حياة أب لعائلة صغيرة يدعى ميكيله كازالي، يجسد دوره الممثل القدير سيلفيو أورلاندو، الذي حصل على جائزة أفضل ممثل في الدورة الأخيرة لمهرجان البندقية عن دوره في هذا الفيلم.

وهو رجل حالم يحب التظاهر بمعارفه وثقافته الفنية الواسعة، وكان رساما فاشلا، ومن ثم بدأ يعمل مدرسا لمادة تاريخ الفن في أحد المعاهد الفنية في مدينة بولونيا، أما الزوجة الجميلة داليا، التي تلعب دورها الممثلة الايطالية فرانشيسكا نيري، فإنها تعكس لامبالاتها وشعورها بالإحباط إزاء حياتها العائلية الجافة والسمجة، التي تآكلت تحت ضربات الروتين اليومي، فضلا عن إحساسها بالضجر الذي تولده فيها طبيعة العلاقة التي تدور ما بين الأب وابنته بحميمية غير مستساغة، حيث يحاول الأب من خلال رعايته المسرفة ورقابته المستمرة انتشال ابنته من هواجسها التي توحي لها بوجود قوى مجهولة تترصد خطواتها وإعادتها إلى سكة الواقع الاجتماعي بسلوك سوي.

الابنة جوفانا، التي تقوم بدورها الممثلة الإيطالية ألبا كاترينا روهرواشير، تدرس في معهد الفنون، وتعاني بدورها من الشعور بالإحباط وأعراض عصابية في السلوك نتيجة شعور بالحرمان والقبح، وهي شديدة الانطواء والعزلة.

قصة الفيلم تتمحور حول أحداث تدور في مطلع 1938في مدينة بولونيا، معقل اليسار الايطالي المناهض للفاشية، حيث تقدم جوفانا على قتل أعز صديقاتها وزميلتها في الدراسة طعنا بالسكين أثناء الدوام الرسمي في حمام معهد الفنون.
وذلك نتيجة شعورها بالغيرة من جمال تلك الصديقة وحبها لأحد زملائها الذي كان محط أنظار جوفانا، الأمر الذي يجبر السلطات القضائية، بعد انتهاء المحاكمة، على وضعها في إحدى المصحات العقلية في مدينة ريجو ميليا، ما يدفع الأب إلى نقل خدماته إلى هذه المدينة ليكون قريبا من ابنته، أما الأم، فتقرر البقاء في بولونيا وتعلن صراحة عن عدم رغبتها في لقاء أو زيارة ابنتها حتى عام خروجها من المصحة عام 1945، فعاشت حياتها الخاصة مع جارها الفاشي سيرجو كيا، الذي يقوم بدوره الممثل التلفزيوني الساخر اينسو كريجو، الذي يعمل في سلك قوات الدرك الايطالي، وكان متعاونا مع الكتائب الفاشية وتم إعدامه على يد قوات الأنصار والمقاومة بعد تحرير البلاد مباشرة.
حظي الفيلم، الذي كتب قصته بوبي آفاتي، باهتمام النقاد وأثار حالة من الجدل فيما بينهم، حتى أن بعضهم رشحه لنيل إحدى جوائز مهرجان البندقية السينمائي الدولي، ذلك أن الفيلم يناقش بمقدرة جمالية وفكرية غير مألوفة في تلك الحقبة الزمنية الحرجة مواضيع حساسة جدا.
فضلا عن أن مخرجه يخوض مجازفة حقيقية فيما يتعلق بابتكار ذلك الأسلوب الدرامي البناء الدرامي الذي يقوم عليه هذا العمل السينمائي وبتكييف حركة الناس اليومية ووضعها في صلب خطابه السينمائي المشرع على مكان وزمان محددين يجري فيهما توظيف تلك اللحظات الحرجة من تاريخ هذا البلد، الذي لا يزال حتى يومنا هذا واقفا على حافة الزلازل السياسية والاجتماعية، وما يشهده من حبكات درامية عاصفة مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج وتبعات.
كل ذلك يتم ضمن بناء درامي عميق ومتين بعيدا عن النمطية السائدة في أفلام الحرب المعروفة، التي لطالما اعتمدتها استوديوهات «جينا جيتا» الايطالية، فقد آثر المخرج اللجوء إلى توظيف إمكانات اللونين الأسود والأبيض وحركة الكاميرا المحمولة وعناصر الديكور والملابس والأماكن الطبيعية وإعطائها أبعادا درامية تحمل الكثير من الإشارات، التي تحمل المشاهد على الاعتقاد بصدقية وواقعية الأحداث في هذا الفيلم العميق.
تتأصل ملامح التعبير السمعي البصري بالتلازم مع موضوعه المباشر والمفتوح على حركة الناس اليومية ومظاهر معاناتهم تحت أشكال عديدة من ألوان الهيمنة الفاشية، حيث يستخدم المخرج ببراعة شريط الصوت، كما تؤدي المؤثرات الصوتية الأخرى والموسيقى التعبيرية بجذورها الفلكلورية الضاربة في ثقافة مقاطعة «اميليا رومانيا» وعاصمتها الإقليمية بولونيا دورا حاسما في الفيلم وتبلغ ذروتها التعبيرية حين نعلم أن المخرج بوبي آفاتي يتقن العزف على الجاز.
ضغوط الفاشية
في معظم أعماله السينمائية، التي تجاوزت الثلاثين فيلما روائيا، وابتداء من فيلمه الروائي الأول «بالسموس رجل الشياطين»، الذي أخرجه عام 1968، يسرف آفاتي في رسم الملامح القاسية للمعاناة المريرة التي أوجدتها ظروف الحرب وضغوط الفاشية ومؤسساتها الإرهابية، التي صبت جام حقدها على الناس، فبعد أن اختار شخصياته من قاع المجتمع المسكون بالخيبات والآلام، راح يعمل على تأكيد رغبته في عكس مشاعر القلق والحب ومقارعة الظلم المتسلط من خلال إظهار الرغبة في الحياة ومعاندة القدر.


 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced