قرأءة في منهج هادي العلوي
نشر بواسطة: Adminstrator
الأربعاء 07-10-2009
 
   
طريق الشعب
"لا يخرج الفلاسفة من الأرض كما تخرج النباتات الفطرية، وإنما هم ثمار عصرهم وشعبهم وهم العصارة الأرفع شأناً والاثمن والأبعد عن ان ترى، والمعبرة عن نفسها بالأفكار الفلسفية. وان الروح التي تبني الأنظمة الفلسفية بعقول الفلاسفة هي نفس الروح التي تبني السكك الحديدية بأيدي العمال فليست الفلسفة خارجة عن العالم كما ان الدماغ، وان لم يكن في المعدة ليس خارجاً عن الإنسان" ماركس
تعتبر قضية المنهج من القضايا الشائكة التي كانت ولا تزال تحضى باهتمام الكثير من الباحثين على اختلاف مجالاتهم. فالباحث والمفكر هادي العلوي في دراسة التاريخ من مناهج مختلفة يتبعها المؤرخون العرب والشرقيون في دراسة تاريخهم وتاريخ الشرق ويمكن حصرها فيما يلي. 1-المنهج الديني وهو ليس منهجاً في الحقيقة -كما يرى العلوي- إنما تجميع للروايات بما يخدم عقيدة الكاتب، ومن هذا الطراز معظم المؤلفات التاريخية التي كتبها التقليديون والتي تفتقد الى المنهج النقدي، فالرواية تكون مقبولة عندهم اذا كانت موافقة لعقيدتهم، ويدخل التاريخ عند هؤلاء في القداسة. 2- المنهج القومي ويقوم ايضا على مصادرة التاريخ لحساب الفكر القومي(وقد برز  فيه القوميون العرب فصنعوا تاريخ الاسلام على قدر حاجتهم وعربوه كله ورفضوا اي جانب منه يبرز فيه دور لغير العرب). ولعل نقد العلوي لهذا المنهج هو(ان المنهج القومي يستند الى نظرية عنصرية ينطلق معظم الغربيين منها في دراسة تاريخ العالم ويستعملها القوميون الشرقيون في دراسة تواريخهم الخاصة بهم). 3- المنهج الاستشراقي، وقد يكون افضل ممثليه (احمد امين) في موسوعته الاسلامية ومعه جيل كامل يضم العقاد وسلامة موسى ومفكري الجيل اللاحق. وهو ليس منهجا استشراقيا صرفا، إنما يعتمد على فلسفة التاريخ كما استقرت عليه الاكاديمية الاستشراقية البرجوازية في الغرب. لقد طرح هادي ايضا ان دراسة تاريخ الإسلام طغى عليها اتجاهان اساسيان: الاول هو اتجاه الدعاة الذي يجمع بين مفاهيم الدعاية والمحتوى التاريخي للاسلام وحضارته وهو اتجاه المتدينين في دراسة التاريخ. والثاني: الاتجاه المعاكس الذي ركز هجومه على ما يعتقد انه من اسلحة الدعاة بصرف النظر عما قد يرتكز اليه من واقع تاريخي. وبفضل هذين الاتجاهين صار للاحكام الارتجالية سوق رائجة فيستطيع الباحث ان يستصدرها من وراء ظهر النصوص والوقائع. ان المفكر الكوني عند هادي العلوي هو الذي يفترض فيه عمق الوعي المعرفي والاجتماعي معاً وكذلك عمق الروحانية والسلوك الروحاني وليس الفكر الروحاني "الغيبي" ويظن العلوي ان هذه هي القوة أمام مطالب الجسد والترفع عن الخساسات الثلاث: (السلطة والمال والجنس) يقول العلوي بوجود مذهبين في فلسفة التاريخ التي يسميها(تاريخانية) وهما فرقتان: فرقة تقول بالجبرية وترادف بين قوانين التاريخ والقضاء والقدر فلا تبقى للانسان فسحة يتحرك فيها بأرادته. اما الاخرى فهي الحتمية وتقول بالقوانين المنظمة لحركة التاريخ الا القوانين التي تجري على يد الانسان فيحركها وتحركه في تبادل ديالكتيكي يكون الانسان فيها حاكم التاريخ والتاريخ حاكما على الانسان. وهذا هو قول الماركسية "الام" وهو يرى ان التاريخية الجبرية تزين الدكتاتورية لانها تعطي الدولة مهمة تمثيل التاريخ, وبخلافها الحتمية التاريخية التي تجعل مهمة تمثيل التاريخ بأيدي الجماهير وحركتها الواعية, لان التاريخ لا يتحرك من الماضي انما من المستقبل. وهناك ظاهرة اخرى يشير اليها وهي شيوع استخدام مبدأ التقية في دراسة تاريخ الاسلام(حتى اصبح مادة معترفا فيها في اي منهج للبحث). ان المنهج التاريخي نفسه يرشدنا الى خطاب قد يكون له اثره في صلب البنية البشرية للانسان. ويظن العلوي ان ذلك يكون له دوره في قلة عدد الباحثين العلميين، على انه في المقابل قد هيأ لنسبة كبيرة من الكتاب ان يتبؤوأ عرش الدراسات الاسلامية بمناهج تعكس الامتثال الطوعي لعواطف الجمهور ومخططات السلطة (السياسية) ويظن مفكرنا ان دراسة التاريخ عند هؤلاء تأخذ من التاريخ حرفة للعيش او طريقاً للصعود، وعند أفضلهم: أداة للتسلية تتحول معها موضوعات علم التاريخ الى لعبة تشبع ولعاً بالمأثورات وهواية لصيد الطرائف والحكم والامثال ويتناول العلوي ايضا قضيتين اساسيتين تؤثران في منهجية الباحث العلماني في دراسة التاريخ بصورة عامة والتاريخ الاسلامي بصورة خاصة، الاولى هي القداسة في فهم ودراسة التاريخ، والثانية التأثير الطبقي في تفسير التاريخ. اذ يعتقد العلوي ان الخضوع لمبدأ القداسة في فهم تاريخنا قد أخلى الساحة للمؤرخين الغربيين كي يبحثوه على هواهم، وكان بمقدورهم ذلك لانه من جهة تاريخ الغير، والغير المتبوء مركز الخصومة ولأنهم من جهة أخرى يكتبون في وسط غير محكوم بسلطان القداسة. ويرى العلوي ان الدراسات الغربية للتاريخ الاسلامي  (بالرغم من تناولها التاريخ الاسلامي كتاريخ غير مقدس كما هو تاريخهم في الوعي الجديد، إنه بقي عندهم (تاريخ للعدو) ولذلك استمر اتجاه سائد من التحولات القروسطية او الصليبية يفرض نفسه على معالجات للتاريخ الاسلامي كتبت بلغة حديثة إنما وفق تصميمات موروثة. ومن هذا المنهج كتب الشاعر والمؤرخ ادونيس في الجزء الاول من كتابه "الثابت والمتحول": "جوهر تحرير الفكر العربي من كل سلفية، ووجوب إزالة القدسية عن الماضي، واعتباره جزءاً من تجربة او معرفة غير ملزمة اطلاقاً، والنظر الى الانسان لذلك على ان جوهره الحقيقي هو في كونه خالقاً معبراً اكثر منه وارثا تابعاً" ولهذا يقوم ادونيس بدراسة تراثنا الثقافي القديم والحديث دراسة تحليلية نقدية على اساس محورين او اتجاهين هما على حد تعبيره منحى الثبات التحول او التغير. والسؤال لماذا ندرس التراث أمن اجل اسقاط الماضي على الحاضر؟ وفي ضوء ذلك يعد العلوي دراسته للتاريخ الاسلامي متحررة في آن واحد من الركب السلفي المقدس والاستشراقي اللدود، اللذين تطوعا،  كلاً في مضماره الخاص به، لتغييب تاريخنا في مسبقاتهما المنمطة ويضيف: (وقد اخترت التعامل مع مصادر تاريخنا دون وسائط) لذلك يضع العلوي الدراسات التي تخضع لسلفهم المقدس للتاريخ الاسلامي والدراسات الاستشراقية لهذا التاريخ في خانة واحدة على الرغم من أن الأخيرة لا تعرف القداسة في دراسة التاريخ. وهادي واحد من المفكرين العرب المعاصرين القلائل الذين درسوا تاريخ الفلسفة الاسلامية وطبقوا المنهج الماركسي. لان الاهتمام بالتراث عند العلوي، له ثلاثة مفاهيم وثلاثة دوافع: الاول: الرجوع للتراث بوصفه عقيدة، وهذا هو تراث الاصولية. الثاني: الرجوع للتراث لمحاربته بأعتباره قاعدة الاصولية وهذا نمط مرتبط بالحملة الغربية القائمة على الاسلام. الثالث: الرجوع للتراث لتأصيل الثقافة الوطنية. وهذا النمط معاد للاصولية وللاستعمار في آن واحد ومؤسسه بالتحديد هو العلامة الشهيد الراحل (حسين مروة) والعلوي يعد احد تلاميذه السائرين على دربه. ويظن مفكرنا التنويري، ان قراء التراث المدروس أيضا ثلاثة: جمهور سلفي يقرأ التراث كعقيدة وجمهور مستغرب يدعم الخط المعادي للتراث في الوسط العلماني بدعوى معاداة الأصولية، وجمهور وطني يتثقف بالتراث في مواجهته للأصولية والاستعمار. والحديث هنا عن جماهير المتعلمين وليست الجماهير الأمية. أما فيما يخص التأثير الطبقي في تفسير التاريخ، يعتقد العلوي ان التشكيك في حياد المؤرخ من المقولات الشائعة ويبدو ان من الصعب إنكارها، ولكن مع شيء من التحفظ يمكن ان يرد في مجال العلاقة الطبقية بين الباحث والظاهرة التاريخية التي يعالجها، فحين يتناول المؤرخ موضوعاً يرتبط بشكل مباشر بوضعه الطبقي فإن الحياد قد يصبح أمراً عسيراً ويعطي مثالاً على ذلك: (كما لو طلب  الى مؤرخ برجوازي ان يكتب عن كومونة باريس او اضراب العمال في شيكاغو، او ثورة أكتوبر في روسيا، ولكن هذا قد يكون اكثر قدرة على الأخذ بناصية الحياد لو انه كتب مثلاً عن تاريخ الحضارة السومرية، لماذا؟ لأن الأخيرة قد لا تلمس -في مجال قريب على الاقل- حدود الوضع الطبقي  الذي يتقلب فيه). ويكتب المفكر المصري اديب ديميرتي في كتابه (ديكتاتورية رأس المال) حول التاريخ قائلاً: "ان العودة الى التاريخ في شؤون الانسان والحتميات البشرية ضرورة، لان التاريخ يحمل في باطنه قانون حركته، فلا غنى في العلوم الانسانية عن الاستعانة بالمنهج التاريخي. تلك حقيقة اصبحت من المسلمات منذ اكتشف ابو علم الاجتماع ابن خلدون ان العمران البشري له قواعده وقوانينه. وحتى مؤرخونا الاقدمون من قبله رأوا في التاريخ دروساً وعبراً ولكن قوى الردة والنكوص ايضاً تركب التاريخ وتوظفه لحسابها، وأصوليات عصرنا تجد فيه تبريرها ومثاليتها". وبالرغم من ذلك يعترف العلوي بأنه من التوقع الساذج ان يخرج باحث من دائرة تفكيره الاجتماعي وهو يعالج قضية من قضايا التاريخ، اي تاريخ. وأين مكان الموضوعية من هذا العلم وأمثولتنا على ذلك ان مفكراً كبيراً كالغزالي نادى باطاعة الحاكم الظالم باسم حماية الدين واعتبر تعلم الرياضيات وتدريسها من المكروهات لانها تغري بالفلسفة. لان المنهج المادي التاريخي  يؤكد لنا بلسان ماركس بأنه "لا يخرج الفلاسفة من الارض كما تخرج النباتات الفطرية، وانما هم ثمار عصرهم. ويرى د. حسين مروة ان هذا الكلام لماركس يمثل "الف باء المنهج، وليس هو المنهج نفسه، فما دام الفلاسفة هم ثمار عصرهم وشعبهم وعصارتها الارفع والأثمن. وان هذه الصيغة تبين ان المنهج المادي ليس بمذهب جامد، وانما هو ليس بعقيدة جامدة، بل مرشد في العمل". ينطلق العلوي في دراسة التاريخ من "المقولة الماركسية" التي تنص على (ان سلوك الناس لا تحكمه في المقام الاول معتقداتهم وإنما حاجاتهم المادية ويدلنا -حسن العلوي- التاريخ الاسلامي على ان التصادم بين العقيدة الدينية والمصالح الدنيوية كان يسفر في معظم الحالات عن تغلب الثانية سواء تم ذلك على شكل خرق سافر لأحكام الدين أم على شكل اجتهادات  وحيل شرعية. ومن خلال دراسته للمصادر التاريخية لاحظ العلوي ان المجتمع الاسلامي كانت تسوده ظاهرتان: كان مؤلفاً من فئات متضاربة المصالح والاهواء والتناقض من بديهيات المجتمع الطبقي.. أما الثانية، أنه لم يكن بدائياً غارقاً في الظلام -وهذه الحقيقة يؤكدها النمو الحضاري الهائل الذي عاشته البلاد الاسلامية طوال عصور الخلافة العباسية. وبتفاعل هاتين الظاهرتين يصبح الاستقرار في العلاقات الاجتماعية امراً صعب التحقيق ان لم يكن مستحيلاً مما يجلب معه احتمال نشوب الصراع بين الفئات المختلفة في المجتمع الواحد. ويعتقد مفكرنا النهضوي هادي العلوي ان البيئة التي تكون في ظلها مقدمات الصراع الطبقي بدأت بعد فتح مكة، حيث ان الهجرة الواسعة للقبائل البدوية وانضمامها الى جيش الدعوة الاسلامية (كان الحافز المعلن لهذه الهجرة الواسعة دينياً) وبعد ثبات الدعوة ونجاحها حملت اغراءاً قوياً لتسلل الجموع الفقيرة التي انهكها الفقر في بوادي جزيرة العرب، حيث اركان الانتقال من الاعرابية -البداوة- الى المهاجرة) يوفر ضماناً لهذه الجموع الذي لم تجده في بدايتها. ونختتم حديثنا عن طبيعة المنهج التاريخي عند مفكرنا العلوي حين يقول: "لما جاءت الماركسية بتفسيرها المادي- العلمي للتاريخ تقدمت مناهج المؤرخين طوراً إضافياً فظهر مؤرخون ماركسيون صدروا عن نظرات اكثر حصافة ساعدت على توفير وسائل افضل القضايا التي يعالجها علم التاريخ، وفي نفس الوقت اتيح للمناهج السابقة تعديل وسائلها للوصول الى هذا الغرض". 

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced