العيــــد أيـــام وأحـــلام لمـــاض سـعـيـد عسـى أن يـعود
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 06-08-2013
 
   
ما طرأ على مجتمعنا من أحداث مهولة ، بدءا من الحروب العبثية التي خاضها النظام السابق ثم الحصار الاقتصادي وتلتها سياسات حكومات ما بعد التغيير، وهد أركان عزائمنا وجاء بعد ذلك الدمار الذي لحق بنا وببلدنا جراء أحداث 2003 وما تلاها ، كل هذه  الاحداث غيرت فينا الكثير من عاداتنا الجميلة وطقوسنا وأعرافنا التي ألفناها على مر السنين، ومنها علاقة الجار بجاره فقد كان التواصل والتراحم فيما بينهما ومد يد المساعدة والوقوف الى جانب الجار في السراء والضراء شائعا ، ويعد واحدا من أقوى دعائم المجتمع وأكثرها حميمية وتأثيرا بالفرد ، اقتداء بما أوصانا به الله ورسوله بالجار، لاسيما الأعياد التي تعد المناسبة الأهم والدليل الأوضح على متانة العلاقة بين الجار واخيه الجار في المجتمع العراقي.

رحم الله أيام زمان
كانت العلاقة السائدة بين الجيران تصل الى التماهي والتكافل كما لو كان الجار أخا أو قريبا ،أما الآن فقد ضعفت هذه الآصرة وبات الجار لا يأبه بجاره وقد يصادف أن يسكن الى جانبه فلا يكلف نفسه أن يتعرف إليه، وبذلك خسرنا علاقة اجتماعية حميمة كانت تشد بنيان مجتمعنا وتشعرنا بالطمأنينة والأمان وتبعث فينا الدفء الاجتماعي . وفي تحقيقنا هذا نفتح بابا للحوار في هذا الموضوع الحيوي :
الأولوية في العيد زيارة المريض
عبد الله منصور 65 متقاعد :( الجيران أهل) مقولة كانت سائدة في زماننا، فقد كانت للجار منزلة لا تضاهيها منزلة الأخ عند أخيه والمرء بأهله وذويه . نشاركه أفراحنا وأتراحنا فعند المناسبات السعيدة وأولها العيد وكذلك الأعراس ومناسبات الختان وغيرها تجد الجار الى جانبك ومن حولك يتصرف كما لو كان هو صاحب المناسبة السعيدة فبيته وأفراد أسرته مفتوحة على مصراعيها ايام العيد ، وتراهم قد هيئوا كل شيء للمناسبة من كيك وحلويات وعصائر بانتظار بقية الجيران ،ولم تكن هناك كلفة أو حواجز بين النساء والرجال بين الأسرتين فهناك مخافة الله والنوايا السليمة والقلب النظيف التي تتحكم بالنوايا النقية، وللجار المريض في العيد الاولوية في الزيارة ،ويكون لزاما على جميع الجيران زيارته لمواساته ومسامرته لتخفيف عبء المرض عنه ومساعدته ماديا اذا كانت ظروفه المادية تستوجب ذلك. أما الآن فلا احد يقيم اعتبارا لجاره أو حتى يعترف بوجوده وأقول هذا عن تجربة ولكن هناك من لم يزل متمسكا بتقاليد الأمس الجميلة ويعقد أواصر الألفة والمحبة مع جيرانه ويعامله كأخ ويقف الى جانبه في السراء والضراء.
أم كلثوم والعيد
محمود صبار 57 سنة موظف : حين أتذكر أيام العيد و(جورة ) أيام زمان استذكر ليالي وايام لايمكن ان تتكرر ، العيد بالامس معبأ بالفرح ،ساعات من السعادة لا تنتهي ،فرحة لا تختص بغني وتهمش الفقير، الجميع مسرور ، فالغني يسعد بما يقدمه من فطرة العيد للعوائل المتعففة ،والفقير كذلك ينعم بالعيد سعيدا بما اغدق عليه الله من نعمة ،ويضيف صبار ان بشائر العيد عند البغداديين تقوم بإطلاقها سيدة الغناء العربي حين تصدح بأغنيتها الشهيرة" الليلة عيد ...عالدنيا سعيد"، فقد كانت العوائل مع سماع تلك الاغنية تبدأ بتجهيز جميع مستلزمات العيد من ملابس ومأكولات وغيرها من الامور التي تعد من اساسيات الطقوس المتبعة في العيد، ويؤكد صبار ان تلك الاغنية بمثابة صوت المدفع الذي يعلن بداية العيد للمسلمين بحسب قول صبار.
الحميمية في علاقة الجيران
فيما يخص علاقة اهل المنطقة بالجار الجديد يقول المهندس محمد طارق: كنا حين ننتقل الى سكن جديد في محلة جديدة نحس بوجود الجيران من أول لحظة قدوم السيارة التي تحمل أثاثنا ،حيث يهب جميع أسرة الجيران صغارا وكبارا مثل يد واحدة يقومون بإنزال الأثاث وإدخالها البيت ثم لا تمضي ساعة على حلولنا حتى تأتي ربة بيت الجيران بنفسها حاملة صينية عليها أصناف عديدة من الطعام وبذا يكون بيننا زاد وملح "ومن يخون الزاد والملح ابن حرام " كما هو شائع بيننا .وكان من المحرمات إيذاء الجار وإذا ما اشتكى جار من ابن جاره فمصيبة حلت بالابن لأن عقوبة تنزل عليه كوقع الصاعقة حتى لو كان الأذى عابرا فلا بد من أن ( يكسر الأب عين جاره ) ويعاقب ابنه أمامه .وكنا لا نفرق بين بيتنا وبيت الجيران وإذا لم يعجبنا أكل البيت نذهب ونأكل في بيت الجيران وحين تُدخل زوجة الجار أبناءها الحمام ويصادف وجودنا عندهم تدخلنا مع أولادها وتغسل لنا وإذا يصادف عيد الفطر أو الأضحى وكان الجار فقيرا فالزوجة تشتري لأبناء جيرانهم مثل الذي تشتريه لأولادها بإيعاز من زوجها وبعد استشارته .وإذا ما تعللنا عندهم (زرناهم وقضينا الأمسية معهم ) ونام احد إخوتي أو أخواتي فأهلي يتركوه نائما ويرجعون الى بيتهم دون الشعور بالحرج .
أما اليوم فللأسف حين تشتكي ابن جارك لوالده (يغلس ) أو يقول لك لا اقدر عليه ماذا اعمل ، أو يجد الأعذار لسلوكه وأذيته .كما انك اليوم تحذر من جارك أو أبنائه وتخشى منهم على زوجتك وبناتك بينما كان ابن الجيران يعد ابنة الجيران أخته وشرفها شرفه ومن واجبه حمايتها من الغرباء .
جيران مع وقف التنفيذ
يوسف إسماعيل 43 سنة تاجر : يقول اشتريت بيتي هذا ونزلت فيه منذ بضعة أشهر ويوم نزولي راهنتني زوجتي على أن جيراننا سيقومون بالواجب ويأتونا بصينية طعام كما هو معروف، لكنني ضحكت وكما توقعت لم يفعل احد من الجيران هذا الشيء أو يأت ليبارك لنا وذات يوم رأيت جاري عند باب بيته سلمت عليه فرد علي السلام ،وعلامات الدهشة بادية على ملامحه كما لو يقول لي من أنت وبأي مناسبة تحييني ، بعدها رأيته يوقف سيارته عند باب داري ويقوم ابنه بغسلها ولا يتحرج في رمي مخلفاته أمام بيتنا فيضطر أبنائي الى رفعها ويهمون بمعاتبته وأنا امنعهم مراعاة لمشاعره وخشية الاختلاف معه، وأتذكر أبي رحمه الله كان يمنعنا من أن نرفع أصواتنا أو نرفع صوت الراديو كي لانزعج جيراننا ويحثنا دائما على عدم الوقوف عند عتبة الدار نهارا كي تأخذ نساء المحلة راحتها في التبختر في الزقاق لزيارة جارتها أو لتنظيف أمام بيتها .
في العيد لا يراعي حرمة جاره
هيثم عزيز محامي 35 سنة يقول: في العيد الماضي وانا جالس في البيت سمعت اصواتا وحين خرجت الى كراج البيت رأيت شخصا مع اثنين من الشباب يعبث بمقياس الكهرباء، وقبل ان أبادره بالسؤال بادرني بأنه جاري الدار بالدار وانه يريد أن يركب (جطل ) ويسحب كهرباء من عندي ، نظرت إليه بتعجب وأردت أن اذكره بحرمة البيوت وان لا يجوز دخولها حتى تستأذنوا من أهلها وان ما يفعله سرقة للكهرباء ومخالف للقانون، ولكنني خشيت انه لن يفهم ما أقوله وافسد فرحة العيد التي هي اصلا أصبحت مجرد مناسبة خاوية من الفرح ،فتقبلت الأمر على علاته كما يقول عزيز. وتذكرت كيف كان الجار اذا دخل بيت جاره لأمر طارئ ، يكون دخوله بصحبة صاحب الدار والزفة التي يعملها حيث يرفع صوته (يا يا يا الله) يقولها بصوت جهوري يسمعه الجميع ،ليعلن عن وجوده وصاحب البيت ينادي (سووووو طريق ) وكذا يفعلان حين خروج الجار، وحتى حين أصبحنا شبابا كان النظر في داخل بيت الجيران من المحرمات أو التطلع الى زوجته وبناته من الامور المعيبة ويعلمنا أهلنا أن نطأطئ هامتنا في وجودهن .
نحتاج إلى قوانين رادعة
صفاء الدين ناصر 64 سنة متقاعد : يقول ذات يوم وعند السادسة فجرا وصادف انه ثالث ايام عيد الفطر المبارك ،استيقظت على صراخ وقرع وانهيال حجارة على نافذة الغرفة التي أنام بها ،نهضت مسرعا وبحثت مستفهما عما يجري ثم صعدت الى سطح المنزل وإذا بي أشاهد في سطح الجار رجلا في الثلاثين يقف وسط برج طيور كبير وبيده خرقة يلوح بها لطيوره المحلقة سلمت عليه وعاتبته عما يفعله، وأخبرته انه يؤذي جاره وعليه أن يكف عن هذا السلوك، خاصة ونحن نعيش ايام العيد، لم يرد علي بل ضحك ساخرا مني وانشغل مع طيوره .وتكرر الحال مرات ومرات وفكرت بالرحيل عن البيت ولكنني تراجعت لصعوبة إيجاد دار أخرى وأخيرا وجدت الحل بترك الغرفة التي يتسلط عليها سطح جاري والانتقال إلى غرفة أخرى عملا بالمثل القائل مجبرا أخاك لا بطل.
أعيادنا الجميلة ذهبت
علي سليمان 55 سنة باحث اجتماعي :استطيع أن اختصر ما يجري في مجتمعنا من ظواهر سلبية بالقول إن حياتنا تغيرت ونحن تغيرنا معها ولكن للأسف نحو الأسوأ ،فالأواصر التي لحقها الضعف والتفكك بيننا سببها الأحداث الجسيمة التي مرت بنا وأحدثت خللا في تركيبة مجتمعنا وظهور التكنولوجيا التي وحدت المرء مع ذاته، والانترنت الذي يقضي المرء ساعات طويلة أمامه ، محبوسا بين جدران غرفته ابسط دليل .هذان السببان وغيرهما من الأسباب أصابت مجتمعنا بالصميم وأحدثت شرخا في تقاليدنا وأعرافنا وعلاقاتنا الحميمة ولم تعد أعيادنا الجميلة كما كانت لان الشخصية بحسب قول سليمان تغيرت جذريا، وخففت من حدة عواطفنا القديمة . فلم يعد المرء يمعن النظر جيدا بما حوله ولا يدرك تماما حقيقة علاقته بجاره ومجتمعه عموما .
كان لحياتنا طعم
صبيحة خليل 71 سنة ربة بيت :لا أبالغ اذا قلت إن حياة الأسرة الواحدة كانت مرتبطة بروابط وثيقة بوجود الجيران فتأثيرهم يصل الى صميم العلاقات بين الأفراد ولهم حضورهم الطيب في كل مفاصل حياة جيرانهم فلو حصل خلاف أو شجار بين الزوج والزوجة أو بين أفراد الأسرة الواحدة تجدهم محضر خير يتدخلون لفض النزاع وتطييب الخواطر .وإذا حدث حادث مؤسف تراهم على أهبة الاستعداد للمساعدة . وكان مألوفا التزاور بين الأسر . وكانت هناك(الكسلات ) المشتركة أي الخروج الى المتنزهات والحدائق مع الجيران، شائعة في ايام الاعياد وغيرها، وكان الجار يتبادل الطعام مع جاره في أيام شهر رمضان المبارك ،فترى المائدة حافلة بأصناف عديدة من الطعام وفي الأعياد يذهب الجار الأصغر سنا ،ويطرق باب جاره كبير السن ويعايده ، أما الآن فحياتنا وسلوكياتنا قد تغيرت وتمر ايام العيد بائسة وكئيبة كبقية الأيام كما تقول خليل.


المدى

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced