سوق الصفافير في طريقه إلى الانقراض ..والأمانة تستنجد بالثقافة
نشر بواسطة: usama
الأحد 23-02-2014
 
   
الصدفة  وحدها قادتنا  إلى سوق الصفافير..  فبسبب الزحام وفوضى المرور وتسلط السيطرات على اوقات الناس قررت ان اقطع شارع الرشيد مشيا على الاقدام .. كنت امني النفس باسترجاع ذكريات عن هذا الشارع .. وبالحقيقة كنت متلهفة للمرور بسوق الصفافير .. وكنت امني النفس بان اسمع اصوات  النقر على النحاس  ... ولان الاماني بضاعة المفلس كما يقولون في الامثال فقد  ذهبت امنياتي ادراج الريح وانا اشاهد الحال الماساوية التي  اصبح فيها هذا الشارع الذي كان يعد بالنسبة للسياح العرب والاجانب احد الشواهد التراثية التي لابد من زيارتها واقتناء الهدايا التذكارية منه  ،  ولم تعد  حرفة صناعة النحاس كما كانت عليه في السابق، بسبب قلة الطلب وانحسارها بين عدد قليل من الصفارين ،فكثير منهم غيّر المهنة أو تركها بسبب الكساد الاقتصادي الذي أصابهم ،إضافة إلى  انخفاض الطلب المحلي على تلك الأدوات وغزو المستورد  بأسعار منخفضة . وتتنوع الصناعات بين أواني طبخ وصحون وسماور لصنع الشاي ، وطشوت لغسل الملابس ودلال القهوة، وكل مستلزمات الطبخ . مفردات السياحة العراقية مهنة الصفار التي كانت في السابق جزءا من مفردات السياحة العراقية حيث  يتسابق السياح والزائرون على اقتنائها وعرضها في بلدانهم  فقد اصبحت  هذه الحرفة اليوم حالها  حال  الكثير من المهن التقليدية في العراق تعيش أيامها الأخيرة، بسبب البضائع الصينية التي امتلات بها الاسواق وباسعار رخيصة عكس الصناعة المحلية التي تباع باسعار باهظة . وانا انظر الى الحال الذي وصل اليه سوق الصفافير ، تساءلت مع نفسي  هل أصحاب هذه المهنة  يقضون أيامهم الأخيرة بين جدران هذا السوق العريق ، فاليوم نجد الهدوء هو السمة البارزة  لهذا السوق فقد اختفى الضجيج وعم السكون وهو هدوء لا يبشر بخير، مثلما عبر عن ذلك  الصفار ماجد حميد الذي يبلغ من العمر العقد السادس ،تحدث معي وهو  منحني الرأس يمسك قطعة من النحاس دائرية الشكل  ،وقد وضعها على قدميه ، قال :السوق كان عبارة عن نقرات مطارق كبيرة وصغيرة تنقش اجمل مناظر العراق وترسم حضارته بدقة وخفه ، وعن المهنة وحلاوتها ومتاعبها اضاف  ماجد : تعلمت  هذه المهنة من والدي منذ 40 عاما وعشقتها  وأجد صعوبة في هجرها رغم قلة موردها المالي ، حيث لا يرغب الناس الآن باقتناء النحاس الأصفر إنما أصبحت مادة الستيل هي المرغوبة والمفضلة ،عاد ماجد إلى عمله بعد ان تحسر على ذكريات الماضي بقوله (الله يرحم أيام زمان ). سياح تلاشوا أسد بابل والجنائن المعلقة وملوية سامراء...الخ) ، محال رغم صغرها بالمساحة لكنها لا تخلو من هذه المعلقات التي تمثل الحضارة ،وعندما تشاهدها وتطيل النظر في كيفية نقشها ورسمها بجمالية تضطر  إلى اقتنائها مهما كان سعرها ، عمل يدوي دقيق 100% هذا ما قاله الصفار عبد الله وهو يتحسر على ايام زمان : النحاس أو البراص مازال مطلوبا وإلا ماكنا الان في السوق نواصل عملنا برغم حالة الكساد ،صحيح الكثير من الصفارين هجر السوق وامتهن مهنة أخرى لظروف معينة ، ولاننسى الظروف التي  كانت سببا  لتعرض الكثير من المحال بعد عام 2003 إلى النهب والسلب من قبل بعض ضعفاء النفوس ،إذ كانت سببا لهجرة الكثيرين هذه المهنة وعدم وجود سياح ودخول البضائع المستوردة ، القطع النحاسية  والهندية الهندية تكون رخيصة لأنها  تصب في قوالب مختلفة الأشكال ، والصفارون العراقيون يستخدمون النحاس الأحمر الذي يعتبر غالي الثمن ويتحمل الدقة والخفة عند الطرق عليه حيث يعطي شكلاً مميزا عن النحاس الأصفر الرخيص الثمن والذي يملأ الأسواق العراقية . النحاس الأحمر لصدّ الحسد بينما علق عبد الرحمن صاحب محل لبيع  التحفيات في السوق قائلاً: مهنة الصفار والكثير من المهن الأخرى بدأت تفقد بريقها وتنحسر مع الأسف الشديد في الأسواق العراقيه وتحولت محالها  وأصحابها إلى مزاولة  بعض الأعمال البسيطة ويعتاشون على مايجنونه منها من اجل توفير متطلبات الحياة اليومية . لقد تراجع إقبال الناس عن اقتناء الأواني النحاسية.وقد  ترك المحال الكثير من الصفارين ومنهم والدي الذي جلس في البيت وأنا وإخوتي نبيع الأقمشة ،ومع الأسف  مازال والدي يتفنن  في صنع الأواني النحاسية برغم كل التحديات ومصاعب الزمان والتطور يفقد ذلك لكل من يطلب منه، فهناك بعض الناس يرغبون باقتناء النحاس الأحمر ويعتبرونه شيئا مميزا يعرض في بيوتهم لصد الحسد .وأشار المواطن أبو محمد الذي  كان يتجول في السوق قائلاً: ان المهنة أخذت بالانحسار بسبب وجود بضاعة اجنبيه لكن بعض المواطنين عادوا من جديد. و هي تعد من المهن الصعبة والدقيقة جدا وتحتاج إلى صبر ووقت كبير لإنجاز العمل، ويستذكر معنا ذكرياته مع شخصيات سياسية ودينية كانوا يأتون إلى السوق مع بعض السياح العرب والأجانب لاقتناء مايرغبون من الأواني النحاسية ذي الأشكال المختلفة وحتى تصليح الأواني المتضررة. كل شيء كان رائعا وجميلا في سوق الصفافير ويجب معالجة ما أصابه من تغييرات في ملامحه التراثية القديمة خلال السنوات الأخيرة وأصبحت التحف النحاسية آخر ما يفكر العراقي في اقتنائه. أمانة بغداد تطالب بضرورة الحفاظ على المهنة وفي اتصال هاتفي مع المتحدث الإعلامي لأمانة بغداد حكيم عبد الزهرة قال في تصريح لـ(المدى): هناك إجراءات وخطة وضعتها أمانة بغداد بالتعاون مع وزارتي الثقافة والداخلية من اجل الحفاظ على سوق الصفافير باعتباره من الموروث الشعبي ومن الصناعات القديمة المتميزة وضرورة الحفاظ على هذه المهنة من الزوال إضافة إلى المساهمة في تقليل أسعار النحاس الأصفر الذي يعتبر سببا مباشرا في ترك المهنة لارتفاع أسعاره مقابل النحاس المستورد الذي يدخل إلى الأسواق العراقية بأشكال مختلفة وبضائع متنوعة ..وأضاف عبد الزهرة ان الأمانة أصدرت قبل أيام بيانا أعلنت فيه  عن وضع خطة لإحياء سوق الصفافير في العاصمة، وأضاف عبد الزهرة: ان الأمانة وجهت إنذارا إلى شاغلي محال السوق من باعة الأقمشة والمواد الأخرى لتغيير طبيعة النشاط. وكان أمين بغداد بالوكالة نعيم عبعوب قد اكد خلال جولة ميدانية إلى سوق الصفافير وشارع المتنبي ومبنى القشلة برفقة المديرين العامين من  ان"امانة بغداد تعتزم إطلاق مشروع وخطة لإعادة الحياة لسوق الصفافير من خلال وضع السبل والآليات والإجراءات التي من شأنها المحافظة على ملامحه التراثية والصناعات التقليدية القديمة فيه بعد تزايد حالات العزوف عن ممارسة هذه المهنة وانسحاب الحرفيين المهرة وتحول محالهم لمزاولة مهن أخرى بسبب توقف تجهيز مادة النحاس للصفارين من قبل وزارة الصناعة والمعادن بأسعار تشجيعية وكذلك توقف استيرادها من الخارج". موضحا  ان "عوامل أخرى لعبت دوراً في الوضع الذي آل إليه السوق منها توقف ارتياد هذا السوق من قبل الوفود والسياح الأجانب الذين يشكلون مورداً مالياً مهماً لأصحاب محال الصفارة وكذلك قيام تجار الأقمشة بشراء واستئجار محال الصفارين بأسعار عالية جداً لاسيما بعد سقوط النظام المباد ". وأضاف عبعوب  ان"دائرة بلدية مركز الرصافة قامت بتوجيه إنذارات إلى شاغلي محال سوق الصفافير من باعة الأقمشة والمواد الأخرى لتغيير طبيعة النشاط". لافتاً إلى ان "سوق الصفافير عانى أيضا من إغلاق شارع الرشيد بسبب الظروف الأمنية آنذاك وكذلك حاجة السوق إلى عملية تأهيل حيث لم تجر عليه أية أعمال إعمار منذ ثمانينات القرن الماضي". مشيرا  إلى ان"أمانة بغداد تأمل ان تسهم وزارة الثقافة في مشروع إحياء هذا السوق بقدر تعلق الأمر بها كونه يعد من المعالم السياحية في مدينة بغداد، مع ضرورة إنشاء مدارس أو ورش تدريبية خاصة بمهنة الطرق على النحاس يحاضر فيها الصفارون القدامى لضمان عدم انقراض هذه المهنة البغدادية القديمة إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة للأطراف المعنية من المختصين للقيام بدراسة ميدانية من أجل النهوض بواقع هذا السوق". وبين ان "أمانة بغداد ستقيم ندوة موسعة لوضع آليات إحياء السوق ومعالجة ما أصابه من تغييرات في ملامحه التراثية القديمة خلال السنوات الأخيرة و تغيير استخدامات معالمه إلى مهن أخرى بمشاركة ممثلي وزارتي الثقافة والسياحة والآثار والمؤسسات الأكاديمية ورواد المجالس الأدبية البغدادية، وستشهد تكريم عدد من رواد صناعة النحاس في بغداد تشجيعاً وتكريماً لعطاءاتهم الثرة وخدماتهم في هذا المجال التراثي السياحة : نحتاج إلى دعم واهتمام الحكومة وأكد عضو لجنة السياحة والآثار طلال حسين الزوبعي في تصريح لـ(المدى)قائلاً: ان الآثار السياحية في العراق تحتاج إلى الاهتمام  بشكل مباشر وكامل وان تتم حماية الموروث الشعبي الأصيل من الاندثار وان تساهم الحكومة في دعم الصناعات الشعبية ومنها الأسواق التي تشكل تاريخ وحضارة  العراق ،كما ان حتى وقت قريب تحولت البلاد إلى سوق مفتوحة تندفع لها كل المنتجات الجيدة والرديئة دون ضوابط وقوانين، هذه المهنة تعتبر من التراث العراقي القديم لكنها بدأت تفقد بريقها وتنحسر محالها ،لذلك لابد من الحفاظ عليها ،لأن سوق الصفافير هو تاريخ معروف لكثيرمن دول العالم وكان اغلب السياح يرتاده من اجل اقتناء البضائع المصنوعة من النحاس الأصفر لأنهم يعتبرونه فن وحضارة العراق . سوق الصفافير في ذاكرة التراث البغدادي يعد باحثون في التراث العراقي  أن  سوق الصفافير نشأ بالتزامن مع بناء المدرسة المستنصرية عام 631 هجرية مع أسواق أخرى ،ومنها سوق الوراقين الذي يسمى حاليا بسوق السراي ، وسوق البزازين وسوق العطارين (الشورجة). وتشير تلك الروايات إلى ان سوق الصفافير أنشئ كورشة تابعة للمدرسة المستنصرية لسد احتياجات مطابخها من معدات ومستلزمات من أوانٍ وقدور كبيرة وصغيرة وصحون وملاعق واحتياجات المطابخ. والسوق الذي يبدأ من شارع الرشيد حيث كان دكان باقر الكبابجي ، وفي أول السوق كانت تقف العربات الصغيرة التي تجرها الحمير والحمّالون ، وهو عبارة عن زقاق ضيق بامتداد محدود رغم امتداده التاريخي وعمق تأثيره في الحياة البغدادية. ويذكر الراحل  الشيخ جلال الحنفي  " للصفافير  في بغداد سوق خاصة يقال لها سوق الصفافير لها اكثر من مدخل واحد ، ومن مداخلها ما يكون من جهة باب الأغا وكانت هذه السوق قبل جملة من السنين لا يشغلها إلا جماعة الصفافير والمبيضجية ، غير أنها اليوم مأهولة بعدد كبير من أصحاب الصناعات والباعة ولاسيما الجهة المتصلة بسوق البزازين ،فلقد اتخذت هناك حوانيت لبيع الأقمشة والخامات ". ومن تقاليد الصفارين الصارمة ـ أيام زمان ـ إقفال دكاكينهم كل يوم جمعة وفي كل يوم زيارة للعتبات المقدسة وعند وفاة أي عامل من عمال السوق تضامناً معه ، ولا يفتح في يوم الإغلاق إلا دكاكين الرؤساء بعد إتمام المراسيم. ومن الحكايات الطريفة التي يتذكرها من بقي على قيد الحياة من الصفارين أن كتيبة الخيّالة الملكيّة التابعة للحكومة في عهد الملك غازي ، كانت تمرّ بمواكبها في هذا السوق ، كي تتعوّد خيولها على أصوات الضجيج التي كانت تصدر عن مطارق الصفافير ، ولا تجفل من الأصوات العالية إذا حدثت مشكلة ما واستدعت هذه الكتيبة فرسانها. ويجمع هؤلاء  الباحثون على أن مهنة الصفارين كانت في زمن مضى من اهم المهن الحرفية في العراق ، فقد كانت أواني الطبخ المنزلية البغدادية ومغسلة اليد والمشربة  منذ العشرينات مصنوعة من النحاس (الصفر) حتى عام 1953. ففي ذلك العام أصدرت وزارة الصحة قرارها بعدم استخدام الأواني النحاسية لأنها كانت تسبب التسمم آنذاك ، وبعد هذا التاريخ بدأ الناس باستخدام الألمنيوم (الفافون) عوضا عن (الصفر) وانتقلت هذه المهنة إلى صنع التحفيات.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced