اسطرة الكتابة تلغي شفافية أزمنة النص
نشر بواسطة: Adminstrator
الأحد 06-12-2009
 
   
حيدر عبد الرضا
( من يسكب الهواء في رئة القمر ) رواية شعرية للكاتب بشار عبد الله

ما حقيقية ما يسمى بــ ( الرواية الشعرية          عندما يطرح هذا السؤال على احد ما ، فلربما عليه حتى أنا ، قد لا يجيز لنا في بادئ الأمر سوى الاستعانة بما هو متراص خلف الذاكرة القرائية أو لربما بما هو قريب لي جدا وأنا أتصفح شاشة الانترنيت، لعلي اعثر على جواب شاف لهذا السؤال الكبير – نسيت أن أقول – معذرة ؟ بأنني لربما قد عثرت على الجواب مؤخرا وأنا أتصفح تارة وأطالع تارة أخرى رواية ( من يسكب الهواء في رئة الاستعارة ) أو من يسكب الهواء في (رئة القمر)...

  وبهذه الصرخة المفهومية لعلنا سوف نبدأ الحديث حول الرواية الشعرية للكاتب بشار عبد الله ، ألا أننا بادئ ذي بدء سوف نوضح للقارئ سبب صرختنا التي تهم بالبحث في دلالات ومقولة أبعاد وعمق توجساتنا التي هي مستوقفة بصدد تأملاتنا لزمن وبنيات وأفعال هذا العمل ، وقبل الانتقال في استعراض بعض من فقرات هذه الرواية ، علينا أولا البحث بما قد بدأناه سابقا ، وهو ما تعنيه تسمية ( الرواية شعرا ) كما كيف لنا تحليل هذا الأجناس المستهجن بدون أي تصور أو أدوات نظرية للرواية الشعرية ؟ ما هذه المناظرة ؟ ما موضوعها ؟ ما أدواتها ومنطقها ؟ هل يطمح عمل (من يسكب الهواء ) إلى طرح إشكالية اجناسية ؟ وقبل الإجابة عن كل هذه الأسئلة – نقول – أن عبارة ( الرواية الشعرية ) مجالا متعددا ، يمنحنا اهتماما اوليا خاصا داخل حدود دلالات الإشارات والعلامات والفرضيات المتخيلة ، وقد يستعيد مجالا معرفيا من بعض انطلاقات الرؤية المستقلة للزمن وتصوره المتميز عنها وقد تذهب إلى مستوى القطيعة مع الأصول المعرفية الأولى المنطلقة منها كما قد تظل رهينة تلك الأصول تستمد منها كل تصوارتها حيث تعود إليها بين الفينة والفينة لتحاكم ذاتها وفرضياتها واستعارتها غير الأصولية .. من هنا قد يبرز لنا المظهر الأول بوضوح في علاقة تعريف مفهوم  ( الرواية الشعرية ) مقابل نص رواية                                ( من يسكب الهواء في رئة القمر ) حيث نلاحظ بان هذا النص الروائي الشعري بقي أسير جدلية وتوجهات مقولة ( الكتابة من اجل الكتابة ) لكن التطور اللغوي    - حصرا - والذي قد حققته لسانيات ونحويات واستعارات هذا النص جعلها تقطع مع تصورنا ( الرقيب ) فرضيات وإمكانيات خالية من كل صلاحيات و مقومات هذا النص ويتجلى لنا هذا بشكل بارز بعملية فوز هذا العمل الروائي الشعري بإحدى الجوائز العربية ... ألا إننا في واقع الأمر لم نجد ماهو مسوغ و كاف لفوز هذا النص لاسيما وانه لم يحز المقومات والشروط الوافية ، من جهة أخرى لم نجد هذا العمل مؤهلا بشكل حقيقي لحمله صفة( رواية ) وهذا يعود بسبب من أن هذا العمل لم يستمد مقوماته من ادواتية الفن الروائي ، وكل ما قد قام به إلى ألان وحتى لحظة فوزه هو اعتماده البحث الاستعاري في صنع ملفوظات الأشياء ، لهذا فالاختلاف يبدو هنا غير ملائم بما يتعلق وصفة الامتهان . وإذا كان الزمن الروائي من إحدى مقومات أي عمل روائي واضحاً ، فإننا بصدد ( من يسكب الهواء ) لم نعثر على أي ثيمة أساسية ترسخ لنا مقولة بان هذا النص هو بذاته يشكل عملاً روائياً ، اما من ناحية أخرى تبدو غاية في الاهمية ، هي أننا لا نستطيع أن نقيم أي اتفاق او إجماع بشان هوية هذا العمل لاسيما من منظور شعري ، وذلك ما يبدو لنا من خلال ما قام به الكاتب من فقرات تحدد :- (( عرفته لا يتوكأ على عكاز منذ أكلت الأرضة عكاز شيخه على مرأى الجن ../ طوى الملكان دفة تسجله الطافح وتقاعدا في القصر الباذخ ../ يبتكران التعاريف منتظم أجلته سنوات التدوين العجيبة لسيدة شيخ حق له أن يعترف بأنه عاش .. )) من خلال طرح هكذا أقوال لربما يبتعد هذا العمل بخطابه عن لغة الشعر ، لأنه من ناحية دلالية يمكننا القول بان الخطاب الكلامي هنا يتشكل وفق ( شعائرية عرفانية ) كذلك أن الكاتب بهذا لربما ينطلق داخل مؤشرات ( الحكي / الخطاب ) مع هيمنة ضمير الغائب                ( الماضي / ازمنة الفعل ) وعلى أساس من هذا الفهم نجد أن الكاتب بشار عبد الله قد طرح هذه التطورات حول مقولة الزمن ، والتي لم نتوسع في تشخيصها ، إلا أننا سوف نستعرض بعض من فقراتها الملفوظية ولعلنا بهذا نعاين صعوبة شعائريتها  الاختلافية :- (( لم يكد الملكان المتقاعدان يفرغان من رفع قواعد الحوار الأزلي حتى تفاجئا بها تدخل العرش بحثا عن مفتاح الشيخ حسب وشاية شيطان محنك ../ لكنه أخطا هذه المرة فذهب ../ وفي طريقه عين رأى الفارس نفسه ماثلا أمامها وحماره إلى جانبه ../ نظر في عينيها وهي تنطق بكل شيء لكنها عجزت عن فك رموز الدفء المستكبرين ../ )) إذا كان التصور التقليدي لدى الكاتب بشار عبد الله لفن ( الرواية الشعرية ) هو مادفعه لكتابة نصه هذا من خلال لغات ومفاهيم مستعصية تذكرنا إلى حد بعيد بقصص ( ألف ليلة وليلة ) أو بمثال أوضح لغات الملاحم الإغريقية القديمة ، غير أننا في الوقت نفسه قد نشعر بالأهمية ذاتها ولكن عبر لحن جديد من زمن الكتابة وزمن المتصور وزمن الكاتب الذي راح يعكس زمن كتابة نص ( من يسكب الهواء في رئة القمر ) ضمن خلاصات هموم تجليات أفكار تاريخية بواسطة حاضر كتابي جديد . وتحت هذا المفهوم من التصنيف الانطباعي الشخصي ، لم نلاحظ ماهو ضروري من كل هذه المغالاة التي سوغها  ( بشار عبد الله) وبعد تدقيقنا في زمن مفاهيمية هذا المنجز ، لم نشعر الا بصعوبة لغة وأفكار تأويلية ومفهوم ووظائفية هذا النص الذي راح يستخلص لذاته متتاليات تأويلية تضمن له الديمومة والبقاء الأدبي ... وفي الأخير وبعد مناقشتنا واستعراضنا لبعض من فقرات هذا المنجز، لا نملك في واقع الأمر سوى القول للكاتب المبدع بشار عبد الله :- يبدو أن ثمة لغة عرفانية ما تهيمن عليها الوظيفة التواصلية في كتابة هذا العمل الذي يميل إلى إدخال بعض من اللغات الأستعارية داخل جماعية خطابية الخطاطي ... الا ان هذا النوع من الكتابة والتي قد أطلقت عليها صفة                ( الرواية الشعرية ) تظل مجرد ( مفترق طريق ) بين قابلية التلقي والاستيعاب وما بين إشكالية التنميطات الابلاغية ، ولايخفي عليك بان هذه الطريقة في التأليف تشي بكون الموضوعة أو الفكرة لم تستقر داخل الكاتب نفسه ، ودليل على هذا ما يتعلق بلغة العمل نفسه وحالات الاصطدام التوصيفي مقابل حالة لملمة انشطارات الذوات، بل وامام كل هذا لم نشعر باننا امام خطاب - مثلا - تابع للون ما من لغة الملاحم او الأساطير فقط للأمانة نقول كوننا بقينا نشعر ونحن نطالع                              ( من يسكب الهواء في رئة القمر ) بأننا إزاء خطاب تهجني ينتمي حسب مؤشراته النحوية والتركيبية إلى متكلم واحد ، تمتزج فيه ومن خلاله عمليا جملة ملفوظات ومنظورات تفتح لنفسها اسلبة ذات تتولد عن تواشج ( البقاء في دائرة الاستعارة ) فيما تنحو صوب التصوير ( المحايد ) عبر لغة التنميطات والتساؤلات المنطلقة على نحو توصيفي ومفهومي يمازج مابين الاحالية السردية والوظيفية العرفانية للشعر و(المعابد الإغريقية القديمة) ... بيد أن التدقيق في عوالم خطاطية هذا النص يجعلنا نفقد تمايزنا المفترض بين شعرية هذه المخطوطة شبه الروائية ومابين شعرية القصيدة بشكل يستدعينا لنعتها بتوصيف مغاير أخر أكثر اسطرة وملائمة لمقولة ( الكتابة من اجل الكتابة ) ومن وراء هذا نلاحظ أخيرا بان الكاتب الشاعر بشار عبد الله قد اخذ يربط من خلال نص ( من يسكب الهواء في رئة القمر ) بين طبيعة الحيز الملحمي والحالة الشعرية دون أن يوضح الكيفية الإجرائية التي حدد بها هذه الصيغة ، وقد رأى من جهة أخرى أن هذا ( الحيز الحكائي ) هو الذي يحتوي ( سؤالا أبديا ) لا نلقى من يتلقاه من المتلقين او يفهم معناه ، إلا من خلال الكاتب نفسه ، الكاتب هذا - الحيز المبهم - الذي رأى أن عمله يشكل حيزا مفعما ، حافل بالعواطف الأسطورية ، طافح باليأس والحزن ... أن الحركة في نص  ( من يسكب الهواء ) هي مفهوم الكاتب والعمل نفسه ، لاتعني التحرك من مكان إلى أخر ، أو من جنس كتابي إلى أخر، ولكنه يعني فقط الانتقال من الحالة الشعرية إلى أخرى مبهمة ، عصية عن التحديد والاستيعاب . إن الزمن الأدبي في نص        ( من يسكب الهواء ) لربما يمكن تعديله خارج إطار ( الزمن / التأريخي / الخرافي) وذلك لان لكل واحد من هذه الأزمنة نظامه الخاص، ومن هذا المنظور ، يظل الزمن والرؤيا في نص الكاتب يشكل خليطا يمارس الحلم الشعري بواسطة مجموعة تمظهرات فضاء الأزمنة الكيفية بكل هيمنتها المنبسطة بين حدوثية العلاقة الزمنية الحاضرة أو بالعلاقة بين احتوائية أزمنة الدلالة الاستعمالية المغيبة خلف النقاط الاستدلالية لمسيرة الذات الشعرية الاستشرافية والتي توحي بأفعال ( زمن أدبي ) أو ( زمن وجودي ) قد انقضى وهذه الصيغة هي ماتدل عليه رواية ( من يسكب الهواء في رئة القمر ) مما يدل على أن هم النص كان منصبا على تمظهرات غائبة ومغيبة ، في حين يبقى الزمن الحاضر أو الزمن المستقبلي لم يذكر إلا بصورة ضبابية ،وذلك يعود بسبب شعور الكاتب نفسه بأنه مقذوف و معه نصه إلى الماضي ومشدود إليه بخيوط رفيعة ، في حين أن الحاضر النصي هو في نظره قائم بسبب محاولة إلغاء بعده التاريخي ونفيه إلى زمن غير زمنه ، أما المستقبل الذي يبدو مبهم القسمات ، فهو مربوط باشتراطات الحاضر ومرهون بتطوراته ، بيد أننا نلاحظ بان استعمال الكاتب الشاعر بشار عبد الله للنظام الزمني الأسطوري التقليدي جعله يبتعد عن وظيفية ( الزمن الأدبي ) بمفهومه الجمالي ، وهذا الشيء لربما كان هو مايبدو من السلوك الظاهر والذي لم يجعل رواية( من يسكب الهواء) إلى أن ترتقي إلى مستوى ( النص الشفاف ) بجوار حضورية وفاعلية زمنها الأدبي ... وهكذا تبقى رواية  ( من يسكب الهواء في رئة القمر ) زمنا غير معروف وفضاء ممنوعا للوقوف ، وسياقا وبناءا للمجهول ، مما يجعلها بابا مفتوحا للاحتمال والتأويل ، والبحث واليأس والخيبة والانكسار والإحباط الذي تعاني منه ( اسطرة الكتابة التي تلغي شفافية أزمنة النص ) إذاً هي :- أزمنة انكسارات الدلالات ... أزمنة الليل الكتابي ... أزمنة الشاعر مع اليأس والهروب ... أزمنة قتامة القيود الكتابية ... أزمنة مخاوف وهموم النص مع نفسه ... أزمنة المظهر الافتراضي المثقل بتواظيف أطياف أوهام التجديد والتأسيس ... إنها أخيرا ... أزمنة انفلاتات الكاتب من أزمنة نصه الذي اختار الهرب إلى زمن الحلم المستحيل .

طريق الشعب

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced