منارة الخلفاء تنحني كشيخ مسنٍ ضاق به الزمن
نشر بواسطة: mod1
الثلاثاء 06-05-2014
 
   
المدى

منارة جامع الخلفاء والمعروفة بــ (منارة الغزل) من المآذن التاريخية المتميزة بعمارتها، شُيـِّدت قبل أكثـر من 800 عام، وليس هنا مجال لذكر مميزات بنائها، وهي المشهود لها حتى وقتنا الحالي، كما أن النقوش المحيطة بسطحها الدائري المتمثلة بالأشكال المعينة البسيطة  تعد معلـَماً حضارياً ذا قيمة عالية، إضافة لكونها أعلى منارة في بغداد، إذ يمكن رؤية أغلب مناطق العاصمة من على مئذنتها التي يبلغ ارتفاعها خمسة وثلاثين متراً، سُميت بمنارة الغزل بعد أن اقتطع جزء من أرضها لإنشاء سوق للغزل في أحد جوانبها الشرقية، بدأت المنارة بالانحناء كالشيخ النادر الذي حنا ظهره الزمن، لكنها لا تزال متجلـِّدة صابرة تنتظر مَن يُسلـِّط الضوء عليها بعد غياب دور الجهات المعنية المتمثلة بوزارة السياحة والآثار وأمانة العاصمة عنها.

"المدى" سلطت الضوء عليها ودعت تلك الجهات للنظر بحالها وبضرورة الاعتناء بها كمَعلـَم حضاري امتازت به بغداد .

السلالم تمثل صمام الأمان

يقول مسؤول جامع الخلفاء أبو حسين "منذ 46 سنة وأنا أُلاحظ ميلان المنارة وما زالت حتى الآن بالميلان نفسه"، لافتا إلى أن "ما يساعد على إبقاء هذه المنارة شامخة ويحول دون وقوعها هو وجود سُلـَّمين حلزونيين بداخلها أحدهما للصعود والآخر للنزول".

ويضيف أبو حسين البالغ من العمر 58 عاما إن " المنارة لها أساس تحت الأرض لاثني عشر متراً وهذا عامل آخر يساعد على استمرار شموخها " مبينا أن " قِدَمها والتنسيق التام في بنائها وزخرفتها ساعد على أن تكون واحدة من أكثر المناطق الحضارية أهمية ".

ويشير إلى أن "عدم الاهتمام بالمعالم الأثرية في البلاد وعدم وجود الكفاءة أثر سلباً على تدهور الكثير من تلك المعالم وهذا ما طال منارة سوق الغزل التي باتت اليوم أشبه ببرج بيزا المائل"، موضحا أنه " في حال أرادت الجهات المعنية النظر بمشروع إعادة المنارة لوضعها الأصلي فإن عليها أن تفكر جيداً وتضع الأمر بيــد معماريين متخصصين في مجال الآثار قادرين على تعديلها ".

ويؤكد مسؤول المنارة أن " آخر زيارة قامت بها وزارة السياحة والآثار كانت قبل ثلاث سنين، إذ قاموا بترميم الجزء السفلي منها الذي أوشك على الانهيار"، مشيرا إلى أن "الأمانة قامت بتبديل أرضية الجامع منذ فترة متجاهلة النظر في ميلان المنارة ولا حتى الجزء المتهشم منها ".

ويعرب أبو حسين عن أسفه " لعدم وجود السائحين والزوار أو مَن يهتم بمَعلـَم مثل منارة سوق الغزل التي باتت تتراجع يوما بعد يوم باستثناء بعض الطلبة الذين يأتون لإجراء البحوث عليها بوصفها معلماً تاريخياً "مبينا أن " الجامع أمسى لا يُفتح سوى لصلاة الظهر ويُغلق لليوم التالي".

ضياع المسؤولية بين هـذا وذاك

يُشير أحد الحراس المقيمين في المنارة إلى أن " الحالة المزرية التي تحيط بمبنى المنارة تشكل عائقاً كبيراً على السائحين والزوار وحتى مَن يرغب الدخول لأداء الصلاة " لافتا إلى أن " وجود المياه الآسنة والصبات الكونكريتية التي تشكل جداراً عازلاً بينها وبين الشارع".

ويضيف الحارس الذي رفض الكشف عن اسمه " طالبنا أمانه بغداد بإيجاد حل بخصوص المنارة التي انحنت بشكل واضح في الآونة الأخيرة لكن الأمانة قالت إن الوقف السني هو المسؤول عنها وبعدها تاهت القضية بين هــذا وذاك "!

ويؤكد أن " النائب طلال الزوبعي زار المنارة وقد تحدثت معه بخصوص الأضرار الفادحة التي نالت منها ووعد بإيجاد الحل وفاتت الأيام ولم يحصل جديد ".

ماذا لو كانت في دولة أوروبية ؟

لم يتوقف الكثير من المواطنين عن إبداء رأيهم بشأن صرح كبير وعالٍ مثل منارة سوق الغزل أو منارة جامع الخلفاء التي باتت مهجورة من دون زائر وسائح !

يقول أبو حسن في حديث مع "المدى" إن "منارة سوق الغزل أشبه بأن تكون صرحاً عظيماً ذا قيمة كبيرة وكان ممكناً أن تكون محط أنظار العالم كله لو أبدت الجهات المعنية اهتماماً بها "مؤكدا أن " الإهمال لمثل هكذا أمور دفع بكثير من المعالم الحضارية للتراجع والتردي ".

ويوضح أبو حسن احد العاملين في السوق " لو كانت هذه المنارة في دولة أوروبية لكانت وسائل الإعلام تسلـِّط الضوء عليها أكثر من الأمور الصحية لإبراز هويتها عن طريق معالمها عبر التاريخ "، مشيراً إلى أن " في بلدي الجميع يعمل على دفـن ونسيان حضارته، لا وسائل إعلام ولا جهة حكومية ولا حتى الجهات المعنية بها المتمثلة بالأمانة ووزارة السياحة والآثار".

ويلفت إلى أن " البعض يقول إنها لنظام سابق أو لفئة معينة فلا بد من نسيانها وهذا ما يجعلها لا تحظى بأهمية من قبل الشعب"،مؤكدا أنهم بذلك يطمسون معالم العاصمة ويدفعون بها الى أن تكون العاصمة الأسوأ في العالم لعدم إبراز الكثير من معالمها ناهيك عن نظافتها "!

ويضيف " لو رجعنا قليلا إلى تاريخ بغداد وبحثنا في أبرز الصور التي التقطت أو رسمت لها لوجدنا أن منارة الخلفاء تتصدر الصور التي أخذت لها "عازياً أسباب إهمالها إلى أن " المنارة لم تحظ َ بدعم لجنة الآثار ووزارة السياحة والآثار وبقية الجهات المعنية ".

ويكشف أبو حسن " أصبحنا نادراً ما نلاحظ زائراً أو سائحاً لهذه المنارة في الفترة الأخيرة معرباً عن استغرابه من عدم قيام الدولة بالبحث عن حل لهذا الصرح الكبير "!

ويوضح أنه " عندما كان الأميركان يجوبون شوارع العاصمة توجهت أنظارهم إلى هذه المنارة معتبرينها صرحاً ضخماً مائلا أشبه ما يكون ببرج يبزا المائل وقام البعض منهم بالدخول إليها "، مشيرا إلى إن " موقعها لا يُشكل عائقاً على السائح أو حتى على الأمانة لو أرادت تطويرها إضافة إلى بقية الجهات المعنية ".

لجنة الآثار تعتذر لانشغال أعضائها بدعايتهم الانتخابية وكما كان متوقعاً فإن لجنة الآثار رفضت الحديث عن سبب الإهمال المتعمد للإرث الحضاري لوادي الرافدين، وهذه المرة حول منارة جامع الخلفاء، لم توضح لـ" المدى" هل سيتم وضع الحلول المناسبة لإنقاذ المنارة من السقوط؟ عازية السبب وعلى لسان أحد أعضائها أن " أعضاء لجنة الآثار منشغلون بدعايتهم الانتخابية ولا وقت لديهم للحديث عن منارة الغزل ".

من جهته يرى الحاج أبو ياسر في حديث مع "المدى" أن كل شعوب العالم تهتم بإرثها وتاريخها وتنظر بعين الحنين والإعجاب لجل ما تحمله بلادها من هذا الإرث "، مبيناً أن " من المفترض أن تكون هناك لجان ووزارات تُعنى بمثل هذا الإرث للحفاظ عليه وإيصاله من الأسلاف إلى أحفادهم".

ويشير أبو ياسر البالغ من العمر 65عاما إلى إن " للظروف البيئية والمناخ والحروب أيضا الأثر الواضح في خراب تراث الحضارات "، مناشداً " الجهات المختصة للوقوف على تلك الظواهر ووضع الحلول المناسبة لها ".

ويضيف "عند الوقوف أمام ذلك الصرح الشامخ أعني بكلامي منارة الغزل (جامع الخلفاء) يؤذيني مشاهدتها وهي مهملة من قبل المسؤولين والمختصين واللامبالاة التي قد تكون متعمدة من البعض"، معرباً عن أسفه من "هذا الإهمال الذي يتعذر به بعض المسؤولين المنشغلين باهتماماتهم ومصالحهم الذاتية من دون النظر إلى تاريخهم وحضارة بلدهم ".

ويؤكد أن "شموخ منارة الغزل بشموخ العراق وحضارة وادي الرافدين الذي يروم أعداؤه من الداخل والخارج إسقاط حضارته وتاريخ الأجداد".

تاريخها بحروف ذهبية

وصف المهندس المعماري د.خالد السلطاني في أحد مؤلفاته منارة جامع الخلفاء قائلاً " لا يطمح المخطط التصميمي لـ "جامع الخلفاء" إلى حل نفعي ومباشر لتجسيد مفردات المنهاج الداعية لتصميم فراغات " مسجد باشتراطات محددة ، "فالمكان" و"شواهد المكان" و"موقع المكان" كلها أمور غير عادية ، لم يكن بمقدور المصمم تجاهلها أو التغاضي عنها .

موضحا " إن وجود المأذنة التاريخية ، في الموقع التي يعود تاريخها إلى أواخر القرن الثالث عشر وأهميتها الاثارية وارتفاعها الشاهق (يصل ارتفاعها إلى نحو 35 متراً) وهيئتها المميزة وأسلوب تزيينها وطبيعة موادها وتراكيبها الإنشائية ، فضلاً عن أن الموقع ذاته شغلته يوما ما مساجد بغدادية فسيحة ومهمة ، لم يبق شاهداً منها إلا مأذنة تنهض اليوم عاليةً في الموقع، كل ذلك كان حرياً بأن يُـؤخذ في نظر الحسبان عند إعداد الفكرة التصميمية للمسجد".

ويضيف إن " هذا القرار التصميمي لم يكن معنياً كثيراً بإيجاد فراغات مناسبة للمصلين، وهي الوظيفة الأساسية لمبنى مسجد بقدر ما كان ينزع ذلك القرار إلى حضور تجليات القراءة الحديثة لسجل التاريخ البنائي والعمراني لتلك المنطقة والتناهي تصميمياً مع عناصر ورموز مألوفة للذاكرة الجمعية ومعروفة لديـها .

ويشير الدكتور السلطاني إلى أن المعمار" هنا يستثمر الحدث التصميمي لإعادة إنتاج ذلك الموروث الثــر والنبيل الذي يُثير همة وحماسة البـُناة المحليين ، ولهذا فان تنظيم الانحياز التصميمي لمسجد الخلفاء، وتشكيل عناصره المعمارية كانت معنية في اعتقادنا إلى تكريس حضور الفضاء تكوينياً ، الفضاء العاج بالنكهة التاريخية ".

وتابع " لا تغلب العناصر المستحدثة، شاهد الأجيال السابقة وأن لا تحاول ان تطمس منجزها التصميمي البارع وبعبارة أخرى يستبدل المعمار المسكون بحضور الغياب مراميه التصميمية في ابتداع فراغات جديدة يستبدلها لجهة اقتصار الفعالية التصميمية وجعلها تعمل "كخلفية" بنائية background لـ "فكرة" متخيلة تكون مشاعة للجميع ، في تصور ما يمكن أن يكون عليه "جامع الخلفاء" جنباً إلى جنب شاهده المادي المثير- المأذنة التاريخية العتيدة، ذات "الفورم" الجميل والمتناسبات النبيلة ".

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced