الغرباوي وضع بصمات كبيرة وشاخصة على المدينة العراقية، الا ان النسيان كان له الاثر في محو تلك السير الوضاءة.
قلائل من ابناء الناصرية أولئك الذين يعرفون شاكر الغرباوي او حتى سمعوا بأسمه من قبل، نظراً لما تعرض له من اهمال ظالم ومجحف من قبل المؤسسات الرسمية في المحافظة، التي تتناسى بشكل غريب ومفجع الكثير من الرجال والنساء الذين تركوا اثراً كبيراً في خارطة المدينة السياسية والاجتماعية والثقافية، ولكنهم رحلوا يلفهم نسيان وجفاء غريب من أهليهم وناسهم، وكما يقال فhن ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة، فلم كل هذا الاجحاف بحق ابناء الناصرية ورموزها؟.
قبل اعوام وحين كنتُ ابحث في سيرة الناصرية مدينة ورجالاً على الأقل منذ تأسيس الدولة الحديثة، وجدتُ ان الكثير من رجال الرعيل الأول في تأسيس الدولة العراقية، وممن ساهموا في تمدين وجهها كانوا من هذه المدينة، الا ان النسيان المتعمد من قبل السلطات على ما اظن كان له الاثر في محو تلك السير الوضاءة.
شاكر الغرباوي هذا الابن الحميم للناصرية، واحد من أولئك الذين التمع اسمهم في تاريخ مدينتنا، ووضع بصمات كبيرة وشاخصة على وجهها الحزين، الا ان النسيان كان ولا يزال يلف اسمه، والغريب في الأمر أن الغرباوي الذي عاش في عقود الاربعينات والستينات وما تلاها، لم يترك محفلاً او قطاعاً من قطاعات الحياة الا ووضع فيه بصمة، فهو المحام الذي أسسَ في 1945 اول غرفة للمحامين في الناصرية، وهو التربوي الذي أسس اول ثانوية مسائية اهلية في المدينة، وهو السياسي الذي تنازل عن النيابة لرفيقه العضاض، وهو الصحفي المثابر الذي اصدر مجلة محكمة اسمها "البطحاء" استكتبت رموز الثقافة العراقية الحديثة، وهو رئيس البلدية الذي يحمل فكراً نيراً وتقدمياً، فأسس مرافق حياتية ندين له بالفضل لليوم، فمنتزه الناصرية والكثير من المرافق الحيوية كانت من بناة افكاره، كما أن هذا الرجل لم يترك ميدان الأدب والثقافة، فكان مؤرخاً للمدينة، وكاتباً لتراثها الثري عبر مؤلفات متعددة، فُقد اهمها مع الأسف وهو كتاب "الناصرية في التاريخ "، وهو الاديب الشاعر المرهف الذي يقترح بناء تمثال للشاعر المجاهد محمد سعيد الحبوبي ليتوسط مدينة الرفض والمقاومة والاباء، وهو الحالم الذي لم تثنه سنوات النسيان والابعاد المجحف ابان البعث عن مخاطبة السلطات بتأسيس جامعة ذي قار، وهو الذي يهديها اكثر من 300 كتاب من مكتبته الشخصية ايضاً بعد تأسيس نواتها، وهو الذي لم يكد ان يعلن عن تأسيس اتحاد ادباء في ذي قار عام 1992 حتى يبادر بأهدائه المئات من مؤلفاتهِ، وهكذا كان وظل وفياً للناصرية مدينة وناساً، ولكن الناصرية لم تكن بقدر من الوفاء لتحفظ لهذا الرجل حقه على الأقل بذكرى تخلده، ولولا ثمة مؤرخون كتبوا عن الرجل وارخوه لضاع اسمه من تاريخ الناصرية.
أجدني اليوم وككاتب اعيش المدينة بهمومها وتطلعاتها اضع تساؤلا مشروعا بين ايدي القائمين على بلدية الناصرية، حول سبب عدم الاحتفاء او تكريم ذكرى الغرباوي موظفاً نزيهاً ورجلاً معطاءاً مؤثراً في تاريخ المدينة، وهل تعجز دوائر البلدية عن وضع مجسم اوتمثال لهذا الرجل ليكون مثالاً في حب المدينة؟ انه مجرد تساؤل ارجو ان أجد له آذانا صاغية ؟.