المتنبي والقشلة وجه مضيء لبغداد
نشر بواسطة: iwladmins
الإثنين 25-08-2014
 
   
بغداد ـ يوسف المحمداوي - الصباح

الفعاليات فيهما تصنع الحياة وتدحر القلق

بغداد ـ يوسف المحمداوي

ياقبلة الشعر وفاتنة الشعراء، بغداد ياسيدة ادب الرحلات وملهمة من كتبوه، ايها القطب الكوني الشاغل بحركته عصيات الحوادث ودورة الازمان، اي مدينة تجرأ على التفكير ان تجلس ولو للحظات على اريكة مجدك المضيء؟، اي حديث عن تاريخ الانسانية يكتمل من غير ذكرك؟، اي عصي على الدمع يبخل بالنواح على فراقك؟، انثى بمفاتن حسناء وبلسان شاعر وباصغاء حكيم وبهيبة كريم وبلذة مغرم، اي قلب بك لايهيم؟، بغداد وعلى الرغم ماتعيشه هذه الاعوام من ازمات وماتتعرض له من غزوات التتار الجدد متمثلين بعصابات "داعش" وتوابعها، لكنها تتنفس الحياة وتبحث في مفرداتها بل تصنع.. جنائن مترامية الاطراف من الفرح تحتضن بها عشّاقها المدمنين والمداومين على محبتها رغما على عاديات الزمن وتحديا للظلاميين الذين يحاولون عبث قتل الفرح واعدام الحياة فيها.

المتنبي والقشلة الجديدة

الصباح تركت الاخبار المقلقة بعد ان جزعت الروح من تنفسها وملت تكرارها، فاسرجت خيول البحث عن اعراس بغداد وافراحها وسط كل هذا الحزن المتأتي من عصابات الجهل والقتل، تركنا خلفنا العديد من المتنزهات التي اصبحت موئلا للعديد من العوائل البغدادية، وكذلك مدينة الالعاب الكائنة في شارع الربيعي التي اصبحت عاصمة الفرح لأطفال بغداد، ولم يغرنا صخب الكرادة وتزاحم المواطنين فيها على اخذ حصتهم من سعادة التجوال هناك، كان المبتغى والمراد شارعا كصاحبه مالئ الدنيا وشاغل الناس، ضمّد جراح الامس ونهض لتفر من امامه كل شظايا الموت ليقول للعالم اجمع بصوت المتنبي ممثلا للسان بغداد الالق "انا الذي نظر الاعمى الى ادبي.... واسمعت كلماتي من به صمم"، كل خطوة في ذلك الشارع بصمة حرف وتدلي عناقيد من العناوين التي باتت ككأس الساقي للمدمنين على زيارته، يوم الجمعة بالنسبة للمتنبي كالعرس المتجدد الذي لايمكن تجاهل او تأخير طقوسه، وما يجعله اكثر فتنة هو المنافسة غير المسبوقة لجارته القشلة بعد ان ارتدت حلتها الجديدة بعمارة فنية مذهلة تتباهى بها ضفاف دجلة وامواجها.

اكبر البنايات التراثية

لانريد ان نتحدث عن المتنبي على الرغم من كونه الشارع الذي يحق لنا القول بأن امانينا تتمناه الا ينتهي، لكون الحديث عن الشارع اخذ مساحات واسعة من الكلام وسلط عليه الضوء من قبل اعلام الداخل والخارج، ونحاول اليوم ان نجعل من القشلة وهي ترتدي فستان الرقي والتألق عنوانا رئيسا لاستطلاعنا، خاصة وانها مقهى كبير توزع لزائريها كؤوس السعادة والسرور بحب مجاني لايضاهى.يقول الباحث رفعت عبد الرزاق الذي التقيناه وسط كرنفالات الفرح ان القشلة تعد من اكبر البنايات التراثية في البلد ومن ابرز معالم بغداد العثمانية واهمها، مبينا انه تم تشييدها في عهد الوالي نامق باشا العام 1861 ميلادية، لكن عزله عن الولاية ارجأ العمل بها الى عهد الوالي المصلح مدحت باشا، اذ اكتمل بناؤها العام 1871، ومن المفارقات التي تثير الاستغراب كما يقول عبد الرزاق ان هذا الوالي وعلى الرغم من فكره التنويري قام بازالة سور بغداد الذي يرقى عهده الى العهد العباسي الوسيط، واستخدم حجارته بانشاء ابنية القشلة.

ساعة (بغ بن) في السراي

عبد الرزاق يشير الى ان تسميتها في البدء هي (قشلة البيادة) اي ثكنة المشاة، اذ انشئت كمقر لجيش الولاية، وبقيت هكذا الى ان دخلت القوات البريطانية بغداد في 11 آذار العام 1917، لتكون معسكرا ومخازن ومستشفى لهم، ومع تاسيس الدولة العراقية العام 1921 والحديث لعبد الرزاق اتخذت مقرا للعديد من الوزارات العراقية كالعدلية والاشغال والمعارف... الخ واستمرت هذه الحالة حتى ستينيات القرن الماضي، موضحا ان للقشلة ثلاثة ابواب اكبرها المطل على شارع السراي، فالناظر اليه يراه وكأنه بوابة رومانية قديمة، وبابها الخشبي من الاعمال الفنية النادرة، والبناية من الداخل والخارج بجميع معالمها انعكاس مضيء للعمارة الاسلامية المتميزة، ومن اجمل مافي القشلة برج الساعة التي اوجدها مدحت باشا لتنبيه الجيش، وكانت دقتها تصل لجميع بيوت بغداد، هذا وقد جددت الساعة العام 1918 بعد ان اهدى ملك بريطانيا ساعة شبيهة بساعة (بغ بن) الشهيرة في لندن بديلا عن القديمة ولكنها بحجم اصغر وبقيت تلك الساعة الى عهد قريب بحسب قول عبد الرزاق، الذي اكد ان بناية القشلة اصابها الاهمال بعد ان هجرتها دوائر الدولة في سبعينيات القرن الماضي، وزاد الاهمال بعد احداث 2003، لكن همة الغيارى في محافظة بغداد اعادت البهاء لها، لتكون مرفقا سياحيا وثقافيا كبيرا يحتضن المئات من المبدعين بشتى مناحي الروافد الادبية والتشكيلية والموسيقية على حد قوله.

الدخول مجانا لمركز الفرح

(مشكورة تردين الصدك ما قصريتي) اغنية الراحل فؤاد سالم بكلماتها الجميلة ولحنها المتميز كانت عامل جذب ارغمنا على دخول المركز الثقافي البغدادي المقابل لبناية القشلة، حيث كان الصوت العذب يتردد في ارجاء البناية خارجا من منتدى آفاق بغداد الثقافي لاحياء التراث العراقي الاصيل، المطرب فلاح البغدادي الذي كان يؤدي اغنيته تلك على آلة العود يقول ان المنتدى تخصص لاحياء المقام والغناء العراقي والعربي فضلا عن فعاليات شعرية وادبية وفكرية، وهناك عروض خاصة للسينما العالمية داخل المركز، الحاضرون بدورهم اثنوا على الفعاليات التي تقام هناك، واوضح المواطن عادل عوفي الذي كان برفقة عائلته ان يوم الجمعة اصبح بالنسبة لي وللعائلة هو يوم قمة الفرح والبهجة الاسبوعية، مبينا ان العديد من العوائل تاتي الى هنا سواء كانت متمكنة ماديا اولا، لكون الدخول الى القشلة وكذلك رؤية الفعاليات هي مجانية ولا يتقاضى المركز اية مبالغ للدخول او لمشاهدة العروض، وختم عوفي حديثه ان فرحتنا ستكون اكبر واحلى حين يعم السلام والامان ربوع الوطن.

مقر لوزارة الثقافة

كانت كل الخطوات هناك تشعرني بهيبتها على الرغم من انشغالي بالسلام وتبادل التحايا مع الكثير من الزملاء، وكيف لاقدامنا لاتتهيب وقلوبنا لاتخشع لقدسية مكان احتضن بداية تأسيس الدول العراقية، من هنا مر ملك عادل، وزعيم سلطنه الفقراء في قلوبهم منارا وملاذا لهم، وكم من وزير نزيه تبكيه حسرة معوز، وتقتله دمعة جائع، من هنا كم من شريد للشعر قال شاردته، وكم مجنون فن لوّن بالابداع لوحته، وكم من حبيب جاء بحبيبته ليقسم لها بهذا النهر العظيم انه لم ولن يخون مودته، نعم لكل خطوة هناك جبل من المهابة والتقديس قد لايشعر بها جميع الزائرين، لان البعض منهم وخاصة الشباب منهم دبت في اوصالهم نشوة الفرح فتمايلوا سعادة بقهقهات ضحكاتهم العالية واحاديث مشاكساتهم التي لاتنتهي الا بنهاية الرحلة ولسان حالهم يقول وان غادروا لرحلتنا طعم كالمغناطيس يجرنا جرا لمعاودة الرحلة من جديد، الناقد والفنان التشكيلي الدكتور جواد الزيدي بين لـ"الصباح" ان القشلة كانت مركز بغداد في قمة عطائها الحضاري والثقافي بمختلف اتجاهاتها، ومنها كانت تصدر الفرمانات والاوامر الحكومية بمختلف اتجاهاتها، واليوم بعد ان اعيد لها عنفوانها وألقها العمراني وعاد اليها المثقفون بهذا الزخم وبهذه الحياة المبهجة نشعر جميعا بعودة الروح فيها واندماجها التعاشقي مع شارع المتنبي جعلها قبلة للزائرين والمواطنين الباحثين عن الفرح في زمن الاحزان، وتمنى الزيدي ان تكون القشلة مقرا لوزارة الثقافة ومؤسساتها الفرعية لتكون علامة فارقة على جبين بغداد الناصع، وان نستمع لساعتها من جديد وهي تعلن عن مواقيت الاحبة ومواعيدهم كما يرى الزيدي.

علاج طوب ابو خزامة

للقشلة حكايات لاتنتهي في الموروث العراقي حيكت عن مدفعها الاسطوري ابو خزامة الكثير من الروايات التي تعبر ومن دون شك عن بساطة الناس وعشقهم لتقاليد الموروث الشعبي الجميل، الكاتب والصحفي عبد العزيز لازم بين لـ"الصباح" انه فضلا عن اهميتها التاريخية بالحياة اليومية للناس، لكن البعض يعدها ذات قدرات غير منظورة لحل المشاكل، وقد يكون لموقع مدفع او طوب ابوخزامة بالقرب منها مبررا لذلك الاعتقاد، ويبين لازم ان لقب ابو خزامة اطلق عليه لوجود حلقة معدنية في سبطانته تشبه حلقة الزينة المسماة بالخزامة وهي من المعدن النفيس تعلق في طرف انف المرأة العراقية الريفية، واعتادت النساء البغداديات كما يقول لازم وخاصة الحوامل والمرضعات ان يحضرن الى مكان الطوب للتبرك لاعتقادهن انه يمتلك قدرات خارقة تمنح الولادات الجدد قدرة النمو والسلامة من الشر والحسد بسبب بساطتهن على حد قول لازم.

الكثير من النساء اللواتي يتواجدن هناك حين تحدثنا لهن عن اعتقاد النساء القديم بقابلية ابو خزامة على تلك الامور كانت الابتسامة تعلو وجوههن غير مصدقات، بل احداهن وهي تسير مع شاب قال عنها انها خطيبتي ضحكت وقالت لخطيبها بعفوية (عيني هاي كلاوات...وين اكو هيج حجي) ليضحكا معا ويسيرا باتجاه النهر، اما انا فكنت اقول بل اردد في داخلي قد يكون اعتقادهن بالامس يتحقق لطيبتهن وصدق نواياهن، اما اليوم فلا تلك النوايا الصادقة موجودة ولا طوب ابو خزامة بطل ذلك الاعتقاد حاضرا بعد ان غادرنا الى جهة مجهولة.

الشر لا يأتي من مكان مجهول

يقول البعض ومنهم انا لايأتي الشر من مكان مجهول، وفي امثالنا الشعبية الكثير مما يماثل ذلك القول ويناصره مثل (السخونة تجيك من الرجلين) وغيرها من الامثال الاخرى التي هي لسان حال المتواجدين هناك وقد يكون المحور الرئيس لاحاديثهم على الرغم من لحظات الفرح التي يعيشونها، لأن عصابات "داعش" وتوابعها وافعالها الاجرامية بحق العراقيين ومن جميع المكونات لايمكن للقلوب او العقول ان تتجاهلها مهما يكن الجو الذي يعيشه المواطن، فكان اللوم يلقى على العرب بصورة عامة لدعمهم لتلك القوى الارهابية، وعلى سبيل المثال المواطن موسى حسن قال لـ"لصباح" انه من المؤسف ان يقابلنا العرب بهذا الجحود ونحن كنا لهم وفي جميع المواقف العون والسند، مبينا ان العراق وقف لهم في الثورة الجزائرية ومدهم بالمال والسلاح وقبلها في حرب فلسطين العام 1948، وحرب حزيران وتشرين، فضلا عن دعمنا المادي والمعنوي، واليوم نراهم يمثلون النسبة الاكبر من مجرمي "داعش" وهم يقومون بذبح الابرياء لمبررات وحجج لا تقنع حتى الوحوش بحسب قول حسن، وتمنى محدثنا ان تتمكن الحكومة الجديدة وبتكاتف جميع مكونات الشعب ان تحقق ماهو مطلوب ويعود العراق من جديد الى مكانته الحضارية التي يستحقها بين دول العالم.

الوجه الحقيقي لبغداد

مايسر الزائر لديوان الفرح سواء في المتنبي او في القشلة ان هناك حركة تصاعدية في الاحتفاليات على الصعد كافة، ففي مقهى الشابندر احتفالية خاصة بالنازحين، وفي بيت المدى فرقة الجالغي البغدادي تستذكر موسوعة المقام العراقي هاشم الرجب بالاغاني وبأطروحات المتخصصين في عالم الموسيقى والغناء، وما ان تخرج من تلك الاجواء حتى تجد عشرات الامكنة التي تدعوك لسد جوعك وعطشك من السعادة، ففي المركز الثقافي البغدادي قاعات زاهية بعمرانها وفعالياتها، فالقاعات هناك اكثر مما تتصور، قاعة باسم الشاعرة نازك الملائكة، واخرى لعلي الوردي وهذه لجواد سليم وتلك لمصطفى جواد، وحسين علي محفوظ، ومحمد غني حكمت، والقاعة التشكيلية، ومكتبتا ميخائيــل عـــواد وبغداد ومسرح الشناشيل، وجميعها ممتلئة بفعاليات تخصصية، هنا محاضرة فكرية، وهذه اصبوحة شعرية، وتلك فعالية غنائية، وهذا عرض لكتاب، و و وتتعدد الافراح والقشلة شاهد، نعم ان شارع المتنبي وبنايات القشلة وفعالياتها تعطيك وجها منيرا كالبدر لعاصمة الحضارة والسلام، غير الوجه الذي تسمع عنه او تراه في وسائل الاعلام، وهو الوجه الحقيقي لها اما مانسمعه او نراه في تلك الوسائل والاخبار فماهو الا وجه زائف وطارئ او قناع اسود فرضته اجندات الحقد والحسد على حبيبتنا بغداد وسيزول حتما ويعود وجهها الحقيقي الذي ما ان تراه حتى تشعر بجمالية الحياة وضرورتها.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced