مهــن عراقيــة ســـادت ثـــم بـــادت.. وحرفيـون شــارفوا عــلى الانقـــراض.. !
نشر بواسطة: iwladmins
الأحد 28-09-2014
 
   
الاتحاد

اجمل ما في العاصمة بغداد ان تتجول في صباحاتها المشرقة، والاجمل ان تكون جولتك في يوم الجمعة حينما تكون متخففا من اعباء الاسبوع المهنية والحياتية والامنية.. ولعل اجمل الجولتين في تقديري، ان تبدأها من القطاعات والمناطق الراقية في بغداد، لا من ميدان العاصمة العتيق في مدخل شارع الرشيد او منعطفات هذا الشارع ضمن مساره الطويل الممتد حتى الباب الشرقي.. اعرف مسبقا، بان سوق الهرج الذي يضج بالمهن التي قاربت حد الزوال، قد استهلكنا واستهلكناه معا، وما عاد مقهى السيدة ام كلثوم كما كان العهد به في السابق حلية وزخرفة، بل لم يعد الاعتداد بشارع الرشيد نفسه كما اعتدنا عليه في خوالي السنين المنصرمة بعد غياب الجمهور او معالم المشهد البغدادي الاصيل منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا الراهن.باختصار مفيد، غابت عن المشهد العراقي المألوف في اعرق اماكنه وتجمعاته الفترينات الزجاجية المألوفة التي تستدعي صبواتنا وبراءتنا الروحية الخاصة بالمصورين والاطباء والصيادلة واصحاب النظارات الشمسية والعدسية، غابت السينمات والمقاهي والمحلات والبارات الاجتماعية واكشاك التسجيلات، غاب ايضا باعة الكرزات والفستق المدخن واصحاب الحلوى ومكاتب السفريات. ولا نغالي القول، بان هذا المشهد العراقي اصبح اثرا بعد عين، ومن الصعب استرجاعه او العودة اليه، طالما ان المسؤولين على ادارة الدولة الحالية قد قلبوا ظهر المجن حول نهوضه من جديد..

ولهذا كله، آثرنا ان نستعيد بعض الصور البغدادية الخاصة بالحرف والمهن العريقة في مناطق حضرية التي قد تكون ابعد ما يكون عن المشهد البغدادي الشائع الاصيل.

*صانع عود في ورشة مخلعة النوافذ

يقبع الفنان هادي الكناني صانع الالآت الموسيقية في غرفة صغيرة اشبه بالورشة، في عمارة حديثة في مدخل (بارك السعدون)، السابق الطريق الى هذا المكان وبفعل مصادفات القدر، اللتقينا به. واذا نحن بمواجهة فنان حرفي في صناعة آلة العود وبقية الالآت الوترية الاخرى.

يقول هادي الكناني (المكنى بأبي الحسن): انا من تلاميذ مدرسة الاستاذ محمد فاضل العواد وابنائه في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في صناعة العود حتى اضطررت الى مغادرة العراق الى لبنان في زمن الحرب العراقية.هناك عانيت ما عانيت من الاهوال بفعل المخابرات اللبنانية المتواطئة مع نظام صدام المقبور، ويضيف هادي الكناني:

ــ ولكن فعل ونواقيس الحرب على العراق، حتمت على السجون اللبنانية في اطلاق سراحي مع آخرين لاسباب شتى، فعدت الى العراق عن طريق (فيشاخابور) المصب النهري بين العراق وسوريا.. وهناك في كردستان العراق، كنت اتأمل سقوط نظام صدام حسين يوما بعد يوم ولحظة بلحظة، حتى حصل الفرج في 9/ نيسان/ 2003 لاعود لاهلي واصدقائي، مفتتحا هذه الورشة البسيطة، لانتج في كل شهر عودين كاملين بكافة المواصفات الفنية.

ورشة هادي الكناني صغيرة لا تتجاوز الاربعة امتار مربعة، ولكن فيها مكيف التبريد ومروحة السقف وجهاز (السحج) الميكانيكي الذي لا يمكن الاستغناء عنه البتة، وقليلا من التمر وكأس من اللبن، انه يصنع العود وبقية الالآت الوترية بانهماك فيثاغوري عجيب. ويقول في هذا الشأن، جلوسي على الارض هو متعة العقل، لكن الفوضى في هذه الورشة هي لذة المخيلة. ويضيف ايضا، ليست الكثرة من امارات الحق، ولا القلة من علامات الباطل.

باختصار اعتقد ان هذه الصومعة قد استراح لها هذا الفنان الحرفي المناضل في حاضره الراهن، بعد ان عانى الويل والثبور في خارج الوطن، من دون ان يجد يدا حانية للأخذ به الى دوائر الضوء في هذا الوطن.. ترانا متى ننتبه ونستيقظ ونستفيق من مشكلاتنا الثقافية الراهنة؟!ّ

*في حي المنصور

ثمة قندرجي!

هل تتوقعون في حي المنصور المعروف برفاهية اهله ثمة قندرجي؟

اجل انه (ابو حسان) المتقاعد من دائرة السكك العامة منذ تسعينيات ذلك الزمن، الذي اتخذ من محل مجتزأ من احد البيوت في ذلك الحي مقرا لعمله.

يقول (ابو حسان):

ـــ حالي في حي المنصور كحال الرقاع المشهور في ديرة (عفك) والفارق ان اصحاب هذه الديرة كانوا حفاة عراة بسبب حالات الاقطاع ومأخذها في مدينة الديوانية المترعة بالفقر والاضطهاد في ذلك الزمن، وحالي الآن في حي المنصور الذي لو يواجهني احد من افراده ـــ نساء ورجالاـ لاقوم بترقيع احذيتهم..

ويضيف: دخلي اليومي لايربو على عشرة الآف دينار، ولي راتب تقاعدي من الدولة بسبب عوقي اثناء الحرب. وقد امتهنت هذه المهنة لان عوقي لايسمح لي بممارسة اية مهنة اخرى، وعزائي في العمل في تخييط واصلاح احذية لاعبي الفرق الشعبية في نوادي الكرخ والمنصور والسكك، فهي كثيرة الاستهلاك لاحذيتها التصنيعية من المناشئ المختلفة، وهو ما يمثل رزقي او كفافي اليومي والبركة فيما اختاره رب العالمين.

*في شراء الألبان

ومنتجاتها

تعودنا ــ انا والاهل ــ على اطلالة الحاجة ام محمد في شراء البانها ومنتجاتها الاخرى من الزبد والجبن والقيمر، وهي تعرض لنا في كل صباح صينيتها الشهية الحافلة بهذه المنتجات، واعظمها قصائب الجبنة البيضاء ذات الشرائح المتعددة، التي لا تألو جهدا في صناعتها كما يفعل الآخرون في هذه الصناعة ضمن منتجات الحليب المعروفة في البصرة والموصل على وجه التحدديد، بعد ان تقدم الينا من الفضيلية عابرة المدن والاحياء المتعددة في بغداد كي تصل الينا في (حي عدن).

تقول فيما تقول ام محمد:

ـــ ربما غدا وغدا سأتيكم، ولكن ابني محمد يدعوني الى ترك هذه المهنة، خصوصا وان الناس اليوم تبحث عن الحليب المعلب والمنتجات (المسلفنة) فلا تستبعدوا غيابي عنكم، وأبروني الذمة جميعا.

*مرة واحدة في الاستعمال وللأبد

ثمة مهن حالية لا تستطيع استعادة جوهرها السابق في ظل الاجهزة الكهربائية الخاصة بالمنتجات الحديثة القادمة من الصين وشرق آسيا، ومنها الساعات والمكاوي والتلفزيونات والثلاجات والمروحيات الارضية والعمودية، وحتى الاثاث الخشبي القادم من ايطاليا وسنغافورة وماليزيا.

احد النجارين القدامى في العراق، ويكنى بالسيد (ابو الحسنين) يقول:

ــ اكثر من خمسين عاما قضيتها في مهنة النجارة، واعدها عملا حرفيا وهندسيا ومهنيا ممتازا، خصوصا في تخصصي الشامل باعمال النجارة، كالابواب الكلاسيكية القديمة والاثاث الاوربي والمحلي مع الاعمال المتخصصة في صب القوالب الكونكريتية على الخشب المسلح لكافة الحاجات التي تنحني لشواغل القوس والقبة او صب السقوف الكونكريتية المعتادة.

ويضيف بحسرة:

ــ على الرغم من التقدم في العمر وبعد عملي مع كبار المعماريين العراقيين، الا انني اجد نفسي خارجا عن السرب المهني الراهن،

وربما اعد نفسي من النجارين المتقاعدين.

*حرفيون آخرون لم تنته قضيتهم بعد

ثمة حرفيون كبار في هذا الوطن ايضا سحب بساط عملهم منذ وقت طويل بعد ان سادت مهنهم لعمر طويل، ثم بادت لاسباب متعددة،

كصناعة الذهب والفضة والطارقين على النحاس والندافين والبزازين واصحاب الاقفال وصناع المفاتيح وسالخو الجلود في المدابغ والنساجين والزعرتية من الحلاقين القدامى، الذين فضلوا الطبابة وختان الاولاد على قص الشعر او تزيين العريس.

انها مهن سادت ثم بادت في عراقنا الجديد، وعلى من يدرك هذه الحقيقة من اصحاب الديمقراطية الراهنة التي لا ينتفع بها الا المتنفعون من اصحاب الصدفة السياسية الراهنة، بان اصحاب هذه المهن اصبحوا في عطالة حقا او في تقاعد مجبر ،

الامر الذي يتطلب من اصحاب الحكومة والبرلمان التطلع الحقيقي لمآلهم المحزن الراهن في اجتراح قانون يخص مظلوميتهم المعلنة.

انهم يأملون ويتأملون وينتظرون ومن المعيب تكرار القول المهين السخيف: لا حياة لمن تنادي!

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced