عـن الرغبـة والخطيئـة..الألـم واللـذة..والملـل من السعادة..
نشر بواسطة: iwladmins
الأربعاء 29-10-2014
 
   
برهان شاوي

نظرا كل منهما إلى الآخر..أخذا يحدقان إلى بعضهما البعض للحظات..كل منهما كان يحاول أن يعرف ما يجول في خاطر الآخر..إلا أن الرجل الأشقر الوسيم واصل كلامه:

- اللذة والألم..هما وجهان للشيء نفسه..هما سر الوجود الإنساني..لكن كل لذة يجب أن تدفع مقابلها..تدفع مقابلها ألماً..فكلما عظمت اللذة عظم الألم..لكن الغريب ليس دائماً أن عظمة الألم تعني بالضرورة عظمة اللذة في ما بعد..وبرغم ذلك، أعتقد أن اللذة التي تجنى بسهولة تفقد قيمتها سريعاً..

قال الراهب وكأنه ينظر إلى مكان بعيد :

- الرغبة هي أصل الخطايا يا بني..

ارتسمت على وجه الرجل الأشقر الوسيم ابتسامة ساخرة وقال:

- الرغبة ليست أصل الخطايا أيها الأب..وإنما هي بحث محموم لمحو الألم والتوتر الداخلي والخوف من الوحدة والعزلة..حتى وهي في أشكالها المبتذلة..

- أنت تخلط الأشياء يا بني..أنت تتحدث عن الحب، بينما أنت تقصد به الرغبة..الرغبة أصل الألم .. بينما الحب سعادة الروح..

حين قال الراهب جملته الأخيرة عن السعادة، نظر الرجل الأشقر الوسيم أمامه فانتبه إلى حواء ذوالنورين. نظر كل منهما إلى الآخر نظرة خاطفة، نظرة خارقة، وكأنما يعرفان بعضهما البعض منذ الأزل، نظرة قالا فيها كل شيء. لكنها نظرة لم تستمر سوى ثوان قليلة جداً. ابتسم لها بعينيه. بينما أحست هي برجفة داخلية هزت أعماقها. كانت هي وصديقتها إيفا سميث تتنصتان إلى هذا الحديث الذي شدهما معاً، بحيث لم تتحدثا منذ جلستهما قط. شعر الرجل الأشقر الوسيم بحيوية، وقال للراهب :

- ومن قال إن الرغبة حينما تتحقق لا تمنح السعادة للروح والنفس والجسد..لكن البشر، أيها الراهب، مخلوقات تعيسة..فالإنسان يسعى إلى السعادة..بل هي هدفه في الحياة..فهو يتحمل المصاعب ويجتاز المخاطر آملاً الحصول على اللذة..ربما تكون لذة جنسية..أو لذة الحصول على المال، أو السلطة، أو نشوة الهيمنة ولذة السيطرة على الأشياء..وبالتالي فالسعادة هي إرواء الرغبة الملحة، قصيرة الأمد..لكن الإنسان كائن ملول أيها الراهب الجليل..أليس كذلك..؟

أنت تعرف من خلال الكتاب المقدس أن الإنسان كائن شقي..يمل من اللذات طويلة الأمد..وأعتقد شخصياً أن الجنة ستكون مضجرة له حقاً..سيملّ الإنسان من الجنة لأن كل شيء فيها متوفر..حينذاك، حتى اللذات تفقد طعهما..البشر كائنات لا تستطيع تحمل السعادة..لكن من جهة أخرى..عدم إرواء الرغبات الملحة يجعل الإنسان شقياً..يجعله مخلوقا تعيساً..

نظر الراهب إلى الرجل الأشقر الوسيم، وكأنه يتفحصه جيداً، وقال:

- غريب أمرك..أليست هناك من سعادة سوى التي تأتي من إرواء الرغبات الدنيئة..ألا يشعر الإنسان بالسعادة حينما يفعل الخير للآخرين..؟ ألا يشعر بالسعادة حينما يبحث عن الجمال..؟ ألا ترى في بحث الإنسان عن الجمال في البشر والطبيعة والكون هو أحد الأهداف الحقيقية للبشر في هذه الحياة..؟

قهقه الرجل الأشقر الوسيم عاليا، لكن لم تكن قهقهته ساخرة، وإنما قهقهة فيها نبرة من عدم الموافقة، ثم قال:

- أنت تدافع عن البشر..وتفترض أن الحب والخير والجمال هم هدف الإنسان..إنك تحاول أن تقرب الإنسان من الله..لكنه ليس كذلك يا أبانا..

من حوارات روايتي (متاهـة إبلـــيـس)

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced