«لعبة الحب والمصادفة» لماريفو: الحب الحقيقي هذه المرة
نشر بواسطة: mod1
الثلاثاء 25-11-2014
 
   
ابراهيم العريس

بين قائل ان هذه المسرحية هي أشبه برقصة باليه مضبوطة ضبطاً كلاسيكياً مدهشاً، الى واصف اياها بأنها أجمل مسرحية كتبت عن الحب الحقيقي، وصولاً الى من وصفها بأنها «أفضل عمل فني وأدبي وصف ولادة الحب وحياته وشجاعته في مواجهة تناقضاته الداخلية»، عاشت مسرحية «لعبة الحب والمصادفة» للكاتب الفرنسي ماريفو، حياتها التي تجاوز عمرها اليوم القرنين وثلاثة أرباع القرن، ولا تزال مع هذا «شابة طازجة تخاطب الحواس والمشاعر في كل مرة تقدم فيها». والحال ان هذه المسرحية التي عرضت للمرة الأولى في العام 1730، لا يخلو منها موسم عروض، في فرنسا أو في غيرها، حتى في أيامنا هذه. ومع هذا ليست مسرحية «لعبة الحب والمصادفة» - كما قد يكون في إمكان المرء أن يتصوّر إنطلاقاً من عنوانها أو مما كتبه النقاد والباحثون عنها -، مسرحية رومنطيقية، بل هي في الأساس مسرحية كوميدية، ومبنية بالتحديد على نمط كان كلاسيكياً في ذلك الزمن، يقوم على مخادعة البعض للبعض الآخر واستبدال الهويات والشخصيات تبعاً لاحتياجات الحبكة والسياق ومناورات الكواليس، ولعبة التقاطعات بين الخدم وسادتهم، وهي كلها العناصر التي تسم عادة الكوميديا الإيطالية المعروفة ياسم «كوميديا ديل آرتي». لقد استخدم ماريفو كل هذه العناصر، لكنه استخدمها في حقيقة الأمر كي يقدم ما أسماه هو نفسه ذات يوم، «تحية» الى الحب الحقيقي. ولعل علينا ان نلاحظ على اية حال ان هذا الكاتب توصّل في حقيقة الأمر ومن خلال هذا العمل، الى ما هو أكثر من هذا، إذ نراه يعبّر عن كل هذه العناصر في أسلوب هندسي متميز، يسيطر على المسرحية من أولها الى آخرها مزودا اياها ببعد تشويقي بالكاد يترك للمتفرج فرصة التقاط أنفاسه.

> تدور حبكة مسرحية «لعبة الحب والمصادفة» حول الشاب الثري والوسيم دورانتي الذي كان والداه خطبا له، من دون معرفته المسبقة أو رضاه، فتاة لا يعرف عنها سوى اسمها. صحيح انه لم يستسغ هذه الطريقة في «تزويجه» لكنه مع هذا قرر أن يقوم بدراسة أخلاق الفتاة المختارة وشخصيتها قبل أن يتورط في الزواج، وهكذا نجده ذات يوم يصطحب معه خادمه آرلكان، ليقوم بزيارة الى بيت أهل الشابة وقد آلى على نفسه أن ينفذ خطة في غاية البساطة: في منزل آل الفتاة سيزعم انه هو الخادم آرلكان، وأن هذا الأخير هو دورانتي. وهكذا يتاح له أن يراقب الفتاة ويدرس ردود فعلها بهدوء ليتخذ قراره في نهاية الأمر. والحقيقة ان الخطة تسير بنجاح... لكن ما لم يكن دورانتي حسب حسابه، هو أن الفتاة، واسمها سيلفي، كانت أكثر احتيالا منه. اذ انها هي الأخرى، تبادلت الشخصية - أمام دورانتي وخادمه - مع وصيفتها المدعوة ليزيث. وهكذا، منذ اللقاء بين السيد وخادمه من ناحية، والفتاة ووصيفتها من ناحية أخرى، يصبح لدينا ذلك الوضع المعقد: فالسيدان صارت لهما سمة الخادمين وهويتهما، والخادمان صارت لهما سمة السيدين: صار دورانتي آرلكان والعكس بالعكس، وصارت سيلفي ليزيث والعكس بالعكس. أما الوحيدان اللذان عرفا بخطة سيلفي فكانا شقيقها ماريو ووالدها اورغون. وهكذا راحت تنبني الأحداث وسط هذه الشخصيات وفي هذا المناخ. فما الذي سيحدث: سيلفي الحقيقية (تحت سمات الخادمة ليزيث) ستستاء من تصرفات دورانتي المزيف والذي تعتقد انه عريسها العتيد وتجده مبتذلا لا يليق بأن يكون زوجاً لها. وفي المقابل، فإن آرلكان - دورانتي المزيف - سيهتم حقا بليزيث، الخادمة، وقد اتخذت لنفسها سمات سيدتها. أما دورانتي، وله مسوح الخادم، فسيلفت على الفور نظر سيلفي فتفضله على «سيده» وتقرر انه هو الذي سيكون حبيبها من دون أن تأبه حقا لفكرة أنه «خادم» وليس «سيدا». ودورانتي نفسه يغرم بـ «الخادمة»، ولا يبدو عليه أي اهتمام بـ «السيدة»، ويقرر انه سيتخذ من هذه «الخادمة» أميرة لفؤاده، من دون أن يلقي اعتباراً للفوارق «الطبقية» بينهما. فـ «الحب» بالنسبة اليه لا علاقة له بهذه «الفوارق». للقلب ما يهوى وللمجتمع ان يخضع ويتبع خطى القلب.

> وهكذا، على هذا النحو، يختلط كل شيء بكل شيء، وتدور الأحداث وسط صراعات ونزاعات تتتابع في شكل مضحك ولكن عميق الدلالات في الوقت نفسه، فوق خشبة تتحرك عليها الشخصيات من فصل الى فصل. تتحول الخشبة الى ما يشبه ميدان القتال، كل واحد يهاجم الآخر ويحاول فضحه، من دون أن يدري في أي اتجاه يجب أن يكون هذا الفضح. ولعل اللحظات الأكثر قوة هي تلك التي يطالعنا فيها الخادمان الحقيقيان: آرلكان وليزيث، وكل منهما يتصرف كما لو أنه حقا يحب شخصا أدنى منه طبقياً: سيلفي بالنسبة الى آرلكان، دورانتي بالنسبة الى ليزيث... لكن الاثنين يرفضان هذا «الحب» المفروض عليهما، ليكتشفا انهما مغرمان ببعضهما بعضاً، هما ابنا «الطبقة العليا» اللذان ليسا في الحقيقة سوى «ابني الطبقة السفلى». وهنا في هذا الاطار بالتحديد، يمكن أن نرى العنصر الأقوى في هذه المسرحية من الناحية الكوميدية، ولكن أيضا من الناحية الفكرية.

> المهم ان سيلفي، بعد فترة، تكتشف خدعة دورانتي قبل أن يكتشف هو خدعتها. لكنها مع هذا ستواصل لعبتها موهمة حبيبها بأنها هي الوصيفة. لكن دورانتي - الذي لم يكن اكتشف حقيقة حبيبته بعد - يرى أنه يحبها، من دون اهتمام بمن تكون: ان فؤاده هو الذي اختار. ولم يعد في وسعه أن يقبل عن حبيبته هذه بديلاً. خادمة؟ فلتكن... لأنه مع هذا يريد الاقتران بها، وها هو يطلب يدها وقد فرغ صبره... وتقرر هي ان تستمر بعد في لعبتها لبعض الوقت، أملاً في أن تختبره أكثر وأكثر. وهكذا تقنع أخاها ماريو بأن يساعدها في ايصال اللعبة حتى النهاية: سيزعم امام دورانتي انه هو - أي ماريو - عشيق «ليزيث» (سيلفي في الحقيقة). وهنا أمام «انكشاف» هذه «الحقيقة» الجديدة يشعر دورانتي بأنه طُعن في غرامه وجُرح في فؤاده ويقرر الرحيل. وهنا لا يعود في وسع سيلفي إلا ان ترضى عن صدق غرامه، وتكشف له الحقيقة وقد غمرتها أعلى آيات السرور والرضا... ويتفقان حتى على موعد الزواج. وهكذا يقفل الستار أخيراً على الغرام وقد تحقق بين دورانتي وسيلفي الحقيقيين من ناحية، وآرلكان وليزيث الحقيقيين.

> مند عرضها للمرة الأولى، حيث قام بأدوارها في ذلك العرض ممثلون ايطاليون كانوا واسعي الشهرة في ذلك الحين، اعتبرت هذه المسرحية «ضربة معلم» من جانب ماريفو. اذ انه استخدم كل عناصر مسرح المقالب، لتقديم موضوع في منتهى الجدية والقوة، جاعلا الحب بطل المسرحية الأول والأخير. وتحدث النقاد وعلى مر الزمن دائما عن القوة التشكيلية لهذه المسرحية ولبعدها الهندسي، حيث ان ماريفو عرف كيف يبني تشابك احداثها وتقاطع الشخصيات من دون أن يترك مجالاً لأي وهن. وقيل دائماً ان «بساطة» موضوع المسرحية وقدرة معانيها العميقة على الوصول الى متفرجيها، احدثتا نقلة مهمة في مسار المسرح الكوميدي، ولكن أيضاً، في ظهور الحب الحقيقي محوراً أساسياً للعمل المسرحي.

> وبيار كارلي دي ماريفو، الذي عاش بين 1688 و1763، أي في ذلك الزمن الذي عاش المسرح الفرنسي واحدة من أولى حقباته الكلاسيكية الكبرى، اشتهر أيضاً كصحافيّ وروائيّ، لكن أهميته الكبرى تظل في مسرحياته الكثيرة والقوية التي كتبها لتمثل في زمنه. وقد غلب على مسرحياته الطابع الكوميدي الهادئ. إذ من بين أكثر من ثلاثين مسرحية كتبها بين 1709 و1761، هناك غالبية عظمى من المسرحيات الكوميدية، في مقابل مسرحية تراجيدية واحدة، لم تحقق أي نجاح حين عرضت. وهكذا شكل ماريفو، في المسرح الهزلي الفرنسي، ثالث زوايا مثلث ضمه مع موليير وبومارشيه. ومن بين أبرز أعمال ماريفو: «مفاجآت الحب» و «هانيبال» و «الأمير يتنكر» و «الخادمة المزيفة» و «انتصار الحب» و «اعترافات مزيفة» و «الزوجة المخلصة» وسواها من أعمال لا تزال حية حتى اليوم.

 
   
 

نور

رووووعه




 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced