«المنفيون» لجيمس جويس: هل الأعمال حقاً بالنيّات؟
نشر بواسطة: mod1
الخميس 22-01-2015
 
   
ابراهيم العريس

اشتهر جيمس جويس، الكاتب الايرلندي الشهير، الذي عاش متنقلاً بين دبلن، تريستا الإيطالية وباريس، بعدد من الروايات التي كتبها وبعض القصص القصيرة. وكان من بين رواياته ما يعتبر من قمم آداب الحداثة في القرن العشرين، ولا سيما رواية «يوليس» التي ترجمت إلى شتى لغات العالم ومن بينها العربية حيث صدر منها حتى الآن ثلاثة أجزاء، والرابع والأخير على الطريق، من ترجمة الأديب العراقي مصطفى نيازي الذي لا بد من التنويه هنا بالقيمة المرتفعة لترجمته للرواية وهوامشها وشروحها بحيث إن في الإمكان القول دون مجازفة إن هذه الترجمة التي تصدر تباعاً عن «دار المدى» تكاد في لغة نيازي العربية تعادل ما هي عليه في لغة جويس الإنكليزية ما يدفعنا إلى توقّع أن تُنصف هذه الترجمة يوماً بجائزة كبيرة تستحقها. وطبعاً ليس هذا موضوعنا هنا وإن كان السياق فرض هذه الإشارة كما يفرض علينا أن نذكر أيضاً أعمالاً أخرى لجويس نفسه في مجال الرواية مثل «يقظة فينيغان» و»صورة الفنان في شبابه» لنذكر بأن هذا الكاتب الإيرلندي الكبير إنما كان كاتب رواية في المقام الأول. كما لا بد أن نذكّر في السياق نفسه بأن معظم أعمال جويس الأدبية، حتى وإن كانت في الأصل ذات سمات روائية، تتحلق في نهاية الأمر من حول بعض سمات السيرة الذاتية. بل ثمة من بين الباحثين (ريتشارد ايلمان، في السيرة الضخمة والنموذجية التي كتبها لجويس، مثلاً) من رأى أن أدب جويس هو دائماً سيرة ذاتية مقنعة. ولكن هل كان الأدب، في القرن العشرين عموماً، وربما منذ فجر تاريخ الكتابة على أية حال، غير ذلك؟ المهم أن جويس كان قليل الكتابة في مجالات غير مجالات الرواية والقصة والسيرة الذاتية بالتالي. ومن هنا فإن كتابته لمسرحية «المنفيون» تعتبر حدثاً في حد ذاتها. لأن هذه المسرحية كانت العمل الوحيد الذي كتبه جويس للمسرح خلال حياته. وسيقول البعض إنه كتبها على شكل تجربة، فيما يقول البعض الآخر أنه كتبها كمزحة، فيما يؤكد كثر أنه كتبها على سبيل التنفيس السريع لاحتقان ساوره ذات عام، واعترى علاقته الزوجية، أي أننا نجد أنفسنا تبعاً لهذه الفرضية، ومرة أخرى، أمام نوع من السيرة الذاتية تكتب هذه المرة على شكل مسرحية ما يضعنا من جديد أمام ذلك التساؤل الذي لطالما طرحه النقاد والباحثون حول مسألة: هل يصلح المسرح للتعبير عن سيرة الكاتب الذاتية على غرار ما هو الأمر بالنسبة إلى بقية الفنون والآداب؟

> طبعاً، ومهما كان جوابنا على هذا السؤال لا بد من المسارعة إلى القول هنا إن من الصعب على المرء أن يرى في هذه المسرحية علاقة ما بحياة جويس وعلاقته بزوجته. ومع هذا، إذا اعتبرنا أن معظم أعمال جويس الروائية والقصصية إنما كانت تدور حول مسائل تتعلق بالعلاقات الزوجية، وأحياناً تعبر عما يمكن اعتباره ردود الفعل إزاء الخيانات الزوجية وتأثيراتها على حياة الزوجين، يصبح في إمكاننا وضع هذه المسرحية في مكانها الصحيح، بل أيضاً يمكن اعتبارها نوعاً من التلخيص والتمهيد لعوالم الحرية والاختيار الحر بالنسبة إلى هذه العلاقات، كما تجلت في أعمال جويس الأخرى.

> ذلك أن العنصر الأساس والظاهر أكثر من أي عنصر آخر في مسرحية «المنفيون»، هو مفهوم الحرية، وهو المفهوم نفسه الذي يحرك، أو كان يجب أن يحرك معظم الشخصيات في أعمال جويس، يحركها فتعيش حياتها، أو تخفق فنكتشف أن ما كان ينقصها لكي تنجح في حياتها إنما هو هذه الحرية التي لم تحسن التمسك بها أو التعرّف عليها حين جابهتها، أو حتى حين احتاجتها، فيما يمكن أن يبدو ترجمة عملية لواحد من أبيات إحدى قصائد الشاعر الفرنسي لويس آراغمن يقول فيه: «إن الزمن الذي نتعلم فيه كيف نعيش، هو الزمن الذي يكون الأوان قد فات فيه...».

> تدور أحداث «المنفيون» التي نشرت عام 1918 للمرة الأولى بعد أعوام من تقديمها على خشبة المسرح في ميونيخ وأثارتها ضجة فضائحية هناك، لتقدم عام 1930 من جديد- وبعد غياب شبه تام عن المسارح وحتى عن الحياة الاجتماعية والثقافية طوال السنوات التالية - في ميلانو معدلة بقلم كارلو ليناتي وتحت إشراف جويس نفسه، تدور عام 1912 في فيلا تقع غير بعيد عن مدينة دابلن حيث يعيش الكاتب ريتشارد روان وزوجته برت مع ابنهما الطفل ذي الثمانية أعوام. وتطالعنا منذ البداية حكاية غرام الصحافي روبرت هاند، ابن عم برت بابنة عمه هذه. لكننا سرعان ما سوف نكتشف أن حكاية الغرام هذه إنما كتمها روبرت في أعماقه طويلاً، تعففاً، إذ إنه في الواقع صديق حميم لريتشارد ولا يود أن يغدر به... لذلك نراه طوال الوقت يتردد ويتردد من دون التصريح لبرت بحبه. غير أن ريتشارد، ذا العقل الليبرالي، فإنه حتى وإن كان يحب هو الآخر زوجته التي قاست معه الأمرين وقاسمته سنوات المنفى الطويل حول العالم، لا يجد إذ يتنبه من تلقائه إلى ما يعانيه روبرت، وربما تعانيه زوجته في الوقت نفسه من كتمان هذا الحب، أن ثمة ما قد يكون من شأنه أن يمنعه من أن يغض الطرف عن حكاية حب صديقه لزوجته... ذلك أنه يجد نفسه بين الحين والآخر أمام تساؤل يجده هو نفسه «عقلانيّاً»، إذ نجده يسأل نفسه: لماذا لا يتركهما يمضيان في غرامهما حتى النهاية وليكن ما يكون؟. وهكذا، إذ يجرؤ روبرت أخيراً، وبدفع خفي من ريتشارد، على ضرب موعد لابنة عمه المتزوجة في منزله الخاص لكي يفاتحها بهواه، يعرف ريتشارد بأمر ذلك الموعد. ويتوجه بنفسه إلى بيت روبرت قبل ساعة من اللقاء وغايته بكل بساطة أن يقول لصديقه إنه حر في أن يفعل ما يشاء، فإذا كان يحب برت وبرت تحبه فهذا شأنهما لا شأنه هو. «إذاً... لا تأبه يا صديقي ولا تخجل ولا تهتم بي. افعل ما تراه صواباً وبكل حرية!». وإذ يخرج ريتشارد تصل برت بالفعل إلى منزل ابن عمها ويكون الوقت مساء... لكن الفصل ينتهي من دون أن ندري ما إذا كان حدث بينهما شيء. بعد ذلك، في الفصل التالي تعود برت إلى منزلها العائلي لتعترف أمام زوجها بأن أي شيء لم يحدث بينها وبين روبرت خلال تلك الليلة. لكن ريتشارد لا يبدو راغباً في معرفة الحقيقة. كل ما في الأمر أنه يبدي شكه في أن زوجته تقول الصدق.

> وهنا، وفق الدارسين، يكمن لب الموضوع. فالحقيقة أنه بعدما جرى ما جرى هل يعود حقاً من الأهمية بمكان ألا تكون برت قد سلمت نفسها لروبرت؟. فهي إذ قصدت بيته كان في وسعها أن تفعل وما توجهها إلى هناك إلا دليل على أنها كانت لديها الفرصة والنية والإمكانية لمبادلة روبرت رغباته فيها. فإذا كانت النية موجودة هل الفعل نفسه يعود ذا أهمية سواء تمّ أو لم يتمّ؟ هنا عند هذا المنعطف الخطير في علاقة الزوجين، يصل روبرت ليستأذن صديقيه بالسفر ويخبرهما أنه كتب مقالاً يمتدح فيه ريتشارد الذي كانت الحكومة في الوقت نفسه قد خصته بكرسي جامعي محترم. وإذ يؤكد له روبرت هنا أن لا شيء حدث بينه وبين برت الليلة الفائتة، سيكون في وسع ريتشارد أن يطمئن... إذاً لماذا ينخر الشك فؤاد هذا الأخير ونفسه الآن؟ الحقيقة أنه أبداً لن يعرف الحقيقة وأن الشك سيظل يأكله حتى ولو كانت المسرحية انتهت على عناق حار بينه وبين زوجته.

> إذاً، في حينه، اعتبرت هذه الرواية نوعاً من التلخيص لأفكار جيمس جويس (1882 - 1941) حول الحرية والعلاقات الزوجية والعلاقات البشرية في شكل عام... لكنها بالطبع لا تضاهي أعمال صاحبها الروائية والقصصية الكبرى والتي جعلته واحداً من كبار كتّاب القرن العشرين ومفتتحي الحداثة فيه على الإطلاق.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced