«زمن المتاهة» ليمنى العيد.. الحياة كرحلة ومعركة
نشر بواسطة: mod1
الأحد 25-01-2015
 
   
هدى عيد

هل يمكن لكتب السّيرة الروائية أن تكونَ أكثرَ جرأة في إنتاج المعرفة، وفي تصويرها عاريةً أكثر مما تفعلُ الأعمال الروائية؟ أيمكنُ أن تكونَ عوناً فيما بعد للباحث المتقصي في بعض حقول العلوم الإنسانية؟ وهل لذلك اختارت يُمنى العيد أن يكون كتابها زمنُ المتاهة (سيرة روائية 2) من نوع السيرة الروائية تقولُ عبرَه قراءَتها لزمنها الخاص واستقراءَها للواقع المرجعيّ اللبنانيّ خلال ثمانينيات القرن الماضي.. مُتيحةً لقارئ لهذه السيرة المكتوبة «إعادة تشكيل المشهد ضمن قناعته ومعرفته والتجارب التي عاشها هو الآخر»؟

تُعلن يمنى العيد في نهاية كتابها الجميل هذا الغاية المرجوة «هل أحكي؟ ما أهمية أن أحكي؟ وهل نحنُ نحكي كلّ الحكي حينَ نحكي؟ سأحكي كي تكونَ الحياةُ لمن حُرموا بالقتل من الحياة... للمئات بل للألوف الذين يُقتلون كلّ يوم في معظم أوطاننا العربية» ص 191، هكذا تترك يُمنى نفسها تقول بشفافية وجرأة وكأنّها «وأنا أقترب من الموت أودّ أن أشعل الحياة في موتي» ص 9.

تعاود الكاتبة كما في الجزء الأول (أرق الروح) محاكمة يمنى التي تركت (حكمت) وسجنتها عساها تنجح في رحلتها لصوغ ذاتها، ساعيةً لتغيير عالم من حولها لم يتغيّر!! بل انتقل من سيئ إلى أسوأ «فسقطنا في جبّ الاقتتال الطائفيّ والمذهبيّ، وصرنا نتذابحُ ونفجّرُ بيوتنا ومدننا فوقَ رؤوسنا» ص 11.

تنسابُ يمنى تحكي متخطية المسار الكرونولوجي للأحداث: رحلتها إلى بيروت، ورغبتها المحمومة لإثبات الذات في مدينة قاسية مسكونة بالحروب، تحكي خوفها على ابنتها على ولديها، على الأماكن الباشلارية التي فتنتها لتستحيل بعدها إلى ما يشبه جحيم دانتي... مظلم، منحرف، خال ويغصّ بالذنوب... فيختلط المرجعيّ بالمتخيّل وتتوالى الاسترجاعات التذكرية وفقاً لمنظومة الاستنساب المعياري للسيرة /الراوية، ووفقاً لفعل الانتقاء والاجتزاء مما تقتضيه روائية النصّ المسرود، وذلك ابتغاء توليد الحقيقة: زمن الحرب (عهر الزمن)، في مدينة شديدة التحول تنهض قبالتها باريس كمكان/مُشتهى، بحضورها الخجول لكن المشعّ بفعل التناقض: مدينةَ الحلم والدراسة والفن العريق، المدينة التي تحتضن أبناءها والحياةَ ببعدها الإنسانيّ تقدمه لهم، بينما بيروت مدينة الشهداء الصادمة باستمرار لحلم الإنسان فيها رغم غوايتها المستمرة له، وهي الغواية عينها التي دفعتها دائما للاستقرار فيها، رغم تعدد الأماكن التي زارتها مُدّرسة أو محاضرة فيها مستعدةً دائماً لاستقبالها. في هذا السياق يبرز استرعاجها لمسار نضالها السياسي الشيوعيّ وعلاقتها بمجلة الطريق وبالمثقفين الشيوعيين: محمد دكروب، مهدي عامل، حسين مروة... غالب هلسا، أمل دنقل ومحمود درويش... والأحداث السياسية المتسارعة التي عرفتها تلك الآونة والاغتيالات المتعاقبة للمفكري تلك الحقبة، وما أنتجت من سقوط الأصدقاء المتوالي وغيابهم تباعاً عن الساحة، لتكشتف يمنى أهمية الأصدقاء في الحياة (الأصدقاء وطن)، وأهمية صيدا المدينة الأم المطلّة دائماً على المشهد محاطة ً بمشاعر الحب والاعتزاز بالانتماء إليها، وهي تقاوم جرائم الاحتلال الإسرائيليّ رافضةً الإذعان.

تقول يمنى العيد نضالها كناقدة مُتفكرة، وكأديبة متميزة، وكإنسانة وطنية بلغة راقية منسابة تشفّ لتحاكي الشعر في وجدانيتها حين تلامس الإنسان في ألمه، الإنسان الذي أحب وطناً مَتاهةً وبيروتَ ساحرةً، فانهزم عند أعتاب صلاحه وصلاحها، وحاول عبر لعبته اللغوية بالكتابة/الوطن تشييد موطنه المُبتغى، رغم رؤيته مزيداً من علامات الفرقة فوق وجوه أبنائه، وعلى ألسنتهم، لتتركَ السؤالَ معلقاً في الصفحة الأخيرة: هل هم أبناء وطنٍ واحد؟

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced