لندن - عبد جعفر
قدمت فرقة ستديو الممثل، مابين 20 (كانون الثاني) الى 24 منه، مسرحية (خارج الزمن) على خشبة مسرح الكوكبيت وسط لندن ، والمسرحية معدة عن رواية " حفلة التيس" للكاتب ماريو فارغاس يوسا ، وقام بإعدادها الشاعر عواد ناصر والفنانة روناك شوقي. واشترك في التمثيل مجموعة من المسرحيين :مي شوقي، رسول الصغير، سلوى الجراح، هند الرماح، فارس شوقي و كاوا رسول وأخرجتها روناك شوقي .
يقول.. معد العمل عواد ناصر (( انه اثناء قراءتي لرواية (حفلة التيس) لماريوفارغاس يوسا كنت افتح فمي اندهاشا بعد كل فقرة أو مشهد او حوار... والسبب بسيط جدا يتلخص في أن هذا الروائي البيروي كأنه يكتب عن العراق... العراق في محنته المزمنة وابتلائه بالدكتاتور.. 9 من 10 شخصيات الرواية هي شخصيات عراقية! عندما فكرت بترويج العمل بهدف عدم احتكار المتعة اقدمت على اعداده مسرحيا.. لكن العمل كبير، واذ اقترحته على المخرجة المبدعة روناك شوقي اقترحت هي بالمقابل ان تكتفي بخط الفتاة العائدة الى وطنها بعد سقوط الدكتاتورلتحاكم الحقبة السوداء.. وهكذا شرعت على ان الكتابة هي للمخرجة على الخشبة، بل للمثل أيضا و للجمهورالذي له الحق في الكتابة على الكتابة)).
وترى مخرجة العمل روناك شوقي: ))حتى نستطيع ان نتحرر من كل كوابيس الحاضر والماضي ومن مفردات غريبة وقاسية دخلت يومنا العادي وبدأت تعشش في ذاكرتنا علينا ان نسجل وبصراحة كاملة يوميات وطننا بناسه الخيرين والظالمين حتى نستطيع ان نتحرر ونعيش حياة جميلة وكريمة كالتي عاشها اجدادنا في عصرهم الذهبي علينا ان ننظرالى عيون بعضنا البعض ونحب ونقول كلمتنا دون خوف ودون مصلحة وان نحث ذاكرتنا دون كلل وقسوة حتى لا نعيد اخطاء الماضي، وحتى نستطيع ان نسامح علينا ان نعترف بتاريخنا وبخطايانا حتى نرتقي بإنسانيتنا، هكذا علمني الكاتب "ماريو فارغاس يوسا" من خلال روايته "حفلة التيس" وهكذا علمني وطني وشخصياتي، فلا تملوا الغضب والبكاء وبمرارة على ما فاتنا، ويظل هاجس الوطن يلاحقنا في عملنا، في علاقاتنا، وفي مسرحنا الصغير)).
يبدأ العرض بالمشهد الاول حيث الدكتاتور وهو يتناقش مع رئيس مخابراته عن القمع ،وكان الضوء الخافت المسلط على الوجهين يعكس انهما بشبهان خفافيش الظلام الذين يضعون الخطط للمؤامرات لا رجالات دولة تعمل في النور. وهذا الجو يتلاءم مع الرؤية الفاشية في عقد الاجتماعات في المساء حيث يكون الانسان متعبا ويائسا ومستعدا للخضوع للارادة المتفوق. وترينا مشاهد الدكتاتور كيف يبرر سلطته ومدى وحشية أفعاله اتجاه من لا ينفذ اوامره.ثم تتوالى المشاهد حيث تتكشف الفتاة المغتربة العائدة للوطن الخراب الذي حل بالأشياء وخصوصا بيتهم، ثم تبدأ المواجهة مع أبيها الذي كان أحد رجالات السلطة وهو الان مقعد على كرسي متحرك. الرجل يحاول أن يتهرب من الاسئلة الحادة ويدعي ان كل ما قيل هو مجرد اشاعات، فلا صحة للاغتصابات أو القتل أو التعذيب، وكما يحاول ان يتهرب من طلب الصفح عما فعله، ولكنه ينهار عندما تواجه ابنته أمام عمتها وبناتها بأنه مسؤول عن ارسالها للدكتاتور من اجل اغتصابها.
وتكشف المشاهد الاخرى التي استخدمت معها الشريط السينمائي عن العذابات الاخرى للمواطنين في ظل القمع واغتصاب الارواح والاجساد. واعتمدت المخرجة كثيرا على الحركات الايمائية في التعبير عن ما يخالج الروح من مشاعر، وخصوصا مشهد الاغتصاب ولقاء المغتربة مع أبيها ، والعاشقة الخطيبة التي تنتظر فارس احلامها وهي في ملابسها البيضاء الجميلة. كما اعتمدت الاضاءة الخافتة أو الشموع حيث يعكس المشهد الحالة القاتمة للخراب الذي حصل وهو ما يدخل المتفرج في الجو المسرحي بدون استئذان. ان الفرجة قد تحققت في الكشف عن عمق الاضطهاد الحاصل الذي يعبر عن رغبة الدكتاتور في التدمير والتي تخفي حالات العزلة والعجز خصوصا مع النخبة الجيدة من الممثلين. وباعتقادي أن معد العمل أو المخرجة كان من الممكن أن يقلبا ظهر المحن لحالات كشف اضطهاد وقمع الفاشية بهذا الاسلوب البكائي، وان يتناولا موضوع الفاشية بأسلوب الكوميديا السوداء، مما يخلق نوعا من الفرجة الممتعة، وان توظف الحركات الايمائية وحركات الجسد لخدمة الفكرة وتعمل على تعميقها.
ان آلية القمع تخدر قواه الفاعلة وكل امكانياته وطاقاته الروحية، مثل هذا الانسان يشعر دوما بالخواء، ونتيجة له، ان يكون مثل هذا الانسان عاجزا عن التواصل العميق مع الاخرين، حيث يصبح الاخرون بالنسبة له مجرد ادوات يتعايش معهم، بمشاعر سطحية ، اودون مشاعر على الاطلاق، ان مثل هذا الانسان يشعر بأنه ميت، بالنسه لنفسه وللاخرين.
مرات القراءة: 3084 - التعليقات: 0
نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ،
يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث
المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ
مسرحية خارج الزمن .. وداخل الزمن ايضا
