من ظواهر القراءة في بلادنا وفي الغرب
نشر بواسطة: Adminstrator
الأربعاء 21-04-2010
 
   
شكيب كاظم
مرة قرأت في كتاب (نقد النقد) لتزفتان تودوروف، أن الشعب الفرنسي من أقل شعوب اوربا قراءة، فعلقتُ على ذلك وكتبته: لعل ذلك هو السبب في وعورة اساليب الكتّاب الفرنسيين، والنقاد خاصة، والذين جاءوا بنظريات النقد الحديثة: البنيوية والتفكيكية، وكأنهم يرومون من وراء ذلك إيقاظ هذا القارئ النائم؛ إنهم يدقون على صفحات الكتب، عَلَّ هذا القارئ الافتراضي يستيقظ ويعود الى عالم الحرف، عالم الكتاب والمجلة والصحيفة، مثلما حاول الماسيدوني الكسي زوربا، الانسان المدهش المملوء بحب الحياة وبهجتها؟  النساء، بطل  رواية (زوربا) رائعة الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكي (1885- 1957) برقصته ودقه على الأرض بكعب حذائه، إيقاظ النيام وقول ما عجز عن قوله لسانه، كانت رقصة تحدٍ وعنادٍ وتمرد، وغضب على واقع الحياة، وهو ما استلهمه الروائي السوري الكبير، سناً وفناً (حنا مينه) في رائعته (الشمس في يوم غائم) حيث كان الخياط، يعلم الراوي كلا العلم، الرقص ودق الأرض عَلَّ ابنة الكلبة تستيقظ؛ أرضنا النائمة ايقظوها، وستستيقظ في نص روائي جميل متخوم بالمرموزات السياسية اليسارية التي يمررها حنا مينة بانسياب وهدوء. اقول: فاذا كان القارئ الفرنسي، قارئاً كسولاً إفتراضياً فأين سنجد القارئ العراقي وقد سحقته ألازمات  ومتطلبات الحياة المتسارعة؟ او العربي الذي تضربه الأمية الأبجدية، فضلاً عن الأمية الثقافية، فحتى الذي يعرف القراءة والكتابة، عطل هذه النعمة، التي جاء بها الزمن عليه، وتركها تحت جليد الحياة وصقيعها، وصخبها المتسارع المدَوِّم، دون ان يفكر وقتاً باستخراج هذه النعمة؛ الهبة والنهل من أفضالها، وقد طفق العزوف عن القراءة، حتى على من يمارسون الكتابة، واكثر واحد اباح لي بأنه قد بارح زمن القراءة، وهذا هو زمان الكتابة!! فقلت له: كتابة من دون قراءة، ليست كتابة، بل تسطير حروف على رملٍ سافٍ، لا بل طال حتى الجامعة، ولا أقصد طلابها، فهذا أمر مفروغ منه، بل الكثير من اساتذتها!! استذكر هذا وأنا اطالع شذرات موحية من حياة الشعوب، ولقد التقطت إحداها، وأنا اقرأ الكتاب المهم (يوميات القراءة. تأملات قارئ شغوف في عام من القراءة) للكاتب الأرجنتيني البرتو مانغويل، ونقله الى العربية، المترجم العراقي المغترب عباس المفرجي، واصدرته (دار المدى) سنة 2008، هذه الشذرة الجميلة المحملة بالمعاني، التي ترد في ضمن حديث مانغويل عن عالم القراءة والمكتبات في دنيا الله، إذ يذكر أنه سأل احد اصحاب المكتبات في كوفنت كاردن بلندن، بدافع الفضول والبَطَر، وليس بدافع الرغبة واللهفة على اقتناء كتاب عنوانه (جزيرة دكتور مورو) فسأله البائع عن اسم مؤلفه، فذكر له اسمه أج. جي. ويلز، الكاتب الايرلندي الذي اشتهر بكتابه (طعام الآلهة) مؤلف قديم، ويأتي الجواب الصاعقة الذي يحمل الف معنى، ومعنى، والذي يؤكد من جانب آخر تخلفنا وبؤسنا المعرفي، وبأننا نحيا خارج حركة التأريخ والجغرافية. البائع، صاحب المكتبة يجيب مانغويل، اذا كان مضى على الكتاب الذي تطلبه شهر واحد، فإنه يكون قد نفد من مكتبتنا، وهو غير متوفر لدينا الآن، لكن بامكاننا ان نطلبه إليك!! إذ بحث عن عنوان الكتاب في الكومبيوتر، ولم يجده، اضاف قائلاً لمانغويل: - ربما نَفِذَت نسخُهُ!! بعد إن يكون قد مضى على صدور الكتاب شهر واحد، يصبح الكتاب قديماً في نظر صاحب هذه المكتبة اللندنية، فما هو حال مكتباتنا التي لا يكاد يؤمها شخص واحد في اليوم؟ وهذا الأمر لا ينطبق على العراق، بل على كل دول المنطقة، او اغلبها، وأتذكر يوم مررت على إحدى المكتبات العامرة في مدينة حمص، يوم كنت أعيش في قرية من قراها الضاحية العمالية قرب مصفاة حمص النفطية عامي 2007-2008، ان قال لي صاحبها بلهجة حمصية سورية محببة: - ما في حدا بيقرا!! لماذا ما في حدا بيقرا في البلاد العربية، وفي اوربا والغرب ليصبح الكتاب قديماً بعد شهر من زمان صدوره؟ وتطبع رولينغ، الروائية البريطانية ملايين النسخ من روايتها (هاري بوتر) ولاتكاد كتبنا تتجاوز العد على اصابع اليدين، او اليد الواحدة!! واغلب المطبوع او كله ينام في المخازن لعدم وجود من يسوقه، بعد إلغاء الشركة العامة للتوزيع والإعلان عندنا؟!! وبودي ان انقل صورة جميلة، عن عالم الكتب والمكتبات، التي بقدر ما تبهجنا وتفرحنا، لوصول الناس في دنيا الله الواسعة، الى هذا المستوى الراقي من احترام العلم والكتاب، فانها تثير في نفوسنا الأسى والألم ونحن نقارنها بحالنا. الدكتور يحيى الجمل، احد الوجوه الثقافية الحقوقية البارزة في مصر، يذهب يوماً الى هولندا لغرض اكمال دراسته والحصول على درجة الدكتوراه في موضوع (الأعتراف)، اعتراف الدول ببعضها بعضاً، يتوجه الى مبنى اكاديمية القانون الدولي، وهي تشغل جزءاً جانبياً من مبنى محكمة العدل الدولية - قصر السلام- في لاهاي، وكانت مكتبة العدل هي مكانه الأثير في البحث عن مصادره ومراجعه الدراسية، وإذ كانت قلة المراجع معضلة فان كثرتها اشد اعضالاً لأنها توقع الباحث في الحيرة والإرباك، وماذا عساه ان يقول او ان يأتي بجديد مع هذه الكثرة الكاثرة من الدراسات والأبحاث؟ وإذ كان موضوع الأستاذ يحيى الجمل -وهو ما فصله في كتابه الممتع والمفيد والمعنون (قصة حياة عادية) ونشر في ضمن سلسلة (كتاب الهلال) الصادر عن دار الهلال في شهر تموز/ يوليو من عام 2000 ويحمل الرقم 595- الاعتراف، فانه يعثر على مرجع فيه دراسة عن (الاعتراف بثورة الجزائر) فيطلبه ويأتيه الجواب من سكرتارية المكتبة بان المرجع غير موجود، فأعاد الطلب بعد يومين، وجاء الجواب نفسه، غير متوفر، وأعاد طلبه بعد يومين آخرين، فإذا بمديرة قاعة المطالعة، وكانت سيدة كبيرة السن، رقيقة الجسم، مهيبة الطلعة بيضاء الشعر، تأتي اليه بنفسها لتقول للطالب المصري يحيى الجمل: - يبدو انك في حاجة ماسة الى هذا المرجع، لأنك طلبته ثلاث مرات، فاخبرها انه يكتب في موضوع الاعتراف وانه عربي، وان بحثاً عن ثورة الجزائر يعنيه، فهزت رأسها موافقة لكنها أجابته بأن المرجع قد أعير الى أحد قضاة المحكمة الدولية، ولا توجد نسخة ثانية منه لأنه بحث مكتوب في دورية، وان هذا القاضي يمضي إجازته في بلده لذا يتعذر عليها تزويده بما يطلب!! هذا الجواب اشعره بالأسى والألم، لكن المديرة الحضارية الوقور، وقد رأت  سيماء الأسى على وجهه، قررت إجتراع ما لن يستطيع احد في بلداننا إجتراعه لقلة الشعور بالمسؤولية إن لم اقل بانعدامها. اطرقت برهة لتقول: إصبر سأجد لك حلاً!! ولم يمض غير يومين حتى كانت السيدة الوقور التي تعرف مسؤولياتها وواجباتها وتنفذها على أحسن وجه، لا بل تتجاوز الصلاحيات خدمة لصالح الناس والمجتمع. تأتي السيدة مديرة قاعة المطالعة اليه وهو جالس في مقعده ذاك، يبحث ويقرأ في مكتبة محكمة العدل الدولية بلاهاي في هولندا، التي هي اصغر من جانب الكرخ ببغداد والتي وسعت مساحتها بطمر أجزاء من البحر المحيط بها، جاءته هي وما استدعته إليها وفي يدها كتاب، قائلة له مبتسمة، لا متجهمة كحال اكثر موظفينا يتصنعون الوقار والأنفة، ويتصاغرون أمام أدنى الأسعار!قالت له: هذا هو المصدر الذي طلبته، أرسلنا طلباً الى جامعة ليدن بهولندا كذلك واستعرناه منها، لما علمنا و شعرنا بحاجتك إليه!! إذ وصلتُ الى هذه الخاتمة التي تقترب من اليوتوبيات وحياة أهل المدن الفاضلة التي بشر بها الفارابي والفابيات -نسبة الى المفكر الاشتراكي الطوباوي فابيوس- عَلَّقَ العبد الفقير، قارئ هذا النص: الله أكبر.. هل هم ملائكة أم ماذا؟ ولماذا لا نصبح مثلهم؟!! في حين علق الدكتور يحيى الجمل كاتب هذا النص: يا سبحان الله. الى هذا المدى الإحساس بالمسؤولية، والى هذا المدى الجدية، والى هذا المدى الرغبة في مساعدة الجادين؟ والى هنا نسكت عن الكلام المباح، كما سكتت جدتنا شهرزاد قبل، فهذا الذي سقناه من وقائع يخرس جهيزة كل مقال، وما عسانا أن نقول اضافة الى ما ذكر وقيل؟!!

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced