فايزة أحمد .. الصوت الملائكي
نشر بواسطة: Adminstrator
الجمعة 18-06-2010
 
   
مازن لطيف
من منا لم يطربه صوت فايزة احمد ، ذلك الصوتٌ الدافئ الشجي،و الرخيم والواسع والعذب. لقد صدح ذلك الصوت باجمل الأغاني وقدم الخالد منها : بتسأل ليه عليا – مال عليا مال – حمال الآسية – رسالة من امرأة حاقدة – من الباب للشباك – تمر حنة – بيت العز_ حبيب الاربعاء _ يما القمر عالباب_ 3 ايام _ اسمر ياسمراني_ خلينا ننسى _ ياحبيبي واحشني وغيرها من الاغاني.

لقد حفظت ذاكرة الأجيال بعد الأجيال ذلك الشجن الملون بالشكوى والحنان، ورسم ملامح جمالية لحقبة امتدت ثلاثة عقود وأثر في صلب الذائقة والإدراك الجمالي وترك الأثر الذي لم يمحى ويعوض بعد الغياب السرمدي. لقد جسدت فائزة صوتاً مؤثراً بموهبة فطرية هذبتها التجارب والإنتقالات بين المدارس الفنية العربية.

ولم تدخر موهبة في المساهمة بالسينما على سنة سرى عليها فنانو مصر في تلك العقود ولم يكن يهم مقدرتهم في تقمص الشخصية بقدر مشاركة لأسماع الطرب الشجي في سياق الحبكة الدرامية، كما فريد الاطرش وعبدالحليم حافظ وسبقهم محمد عبدالوهاب منذ وردته البيضاء ، او ما اقتضاه الحال في غناء محتشم لممثلين وممثلات . لقد شاركت فايزة في بطولة ستة أفلام كانت: (تمر حنة) مع نعيمة عاكف إخراج حسين فوزي، و(بنت الشاطيء) مع محمد فوزي من إخراج حسين فوزي، و(المليونير الفقير) و(إمسك حرامي) مع إسماعيل ياسين ومن إخراج فطين عبدالوهاب، و(أنا وبناتي) مع زكي رستم من إخراج حسين حلمي المهندس وأخيراً فيلم «منتهي الفرح» من إخراج محمد سالم. وسجلت ما يزيد علي 320 أغنية لإذاعة القاهرة إلي جانب 80 أغنية في التليفزيون، وبطولة أوبريت «مصر بلدنا» علي مسرح البالون في السبعينيات من ألحان محمد سلطان، وعمل إذاعي غنائي علي حلقات هو «خضرة الشريفة».

وكان للفن العراقي لمسات في تشذيب ذلك الصوت وإضفاء سطوة المقام عليهن ولابد ان نعرج إلى مساهمة فناننا العراقي الكبير رضا علي الذي يعد باعتداد المكتشف الحقيقي لصوت فائزة احمد . وما يحز بالنفس وبسبب لا نريد أن نلج به السياسة والحساسية العنصرية لبعض وجوه الفن المصري وموقفهم من غير المصريين في كنفه، كما كانت المعاملة التفاضلية والفرز الذي مورس ضد القمة الفنية فريد الأطرش مثلا. ولهذه الأسباب خشيت فائزة دائما أن تذكر في اي يوماً من الايام هذا الامر لا في الصحافة ولا غيرها ، بعدما تنكرت بان رضا علي هو من أكتشفها في الخمسينيات من القرن الماضي ، بعدما قدمت من سوريا الى العراق تلك المغنية المغمورة التي تريد ان تجرب حضها مع الشهرة والجاه، في بلد صاعد وقريب من الذائقة الغنائية الشامية. فطفقت فائزة احمد تغني بملاهي بغداد التي كانت ساحة للتباري والتباهي والاسترزاق للفنانين ، في زمن لم يبدأ فيه التلفزيون العراقي بثه بعد ، بالرغم من انه يعد أول تلفزيون عربي تأسس عام 1956 وسبق كثيرا من دول أوروبا إلى ذلك.

وفي إحدى المرات استمع الفنان رضا علي إلى صوتها فشعرَ بآفاق صوتية واسعة وواعدة ، فقدم لها أغانيه وهو في ذروة شهرته ،ومنها (شبيك يا قلبي) وأغنية (خي لا تدك الباب) و أخرى التي مطلعها (ما يكفي دمع العين يا بويه) وهذه الاغنية جعلت الكل يتكلم عن فائزة احمد و يبشر بظهور فنانة بدأت شهرتها من بغداد وتوسعت دائرته للجميع.

اسم فايزة أحمد الحقيقي هو فايزة بيكو، أبوها أحمد بيكو غير أنها عرفت باسم عائلة زوج أمها الثاني (فايزة أحمد الرواس). ولدت فايزة أحمد عام 1930 في صيدا بلبنان من أب سوري وأم لبنانية، عاشت طفولتها في دمشق، وبدأت حياتها الفنية وهي في السادسة من عُمرها حيث كانت تقلد أصوات وأغنيات أسمهان وليلي مراد، وكانت والدتها التي انفصلت عن أبيها في هذه السن المبكرة لفايزة أحمد ـ تشجعها وأحضرت لها والدتها مدرساً لتعليمها الموسيقي وهي في الحادية عشرة من عمرها..

في عام 1954 شرعت فايزة أحمد مشوارها حينما اعتمدتها الإذاعة المصرية ، وتبناها فنياً الملحن محمد الموجي، فكانت باكورتها أغان باللهجة المصرية وأول انتاجها في مصر كانت رائعة «أنا قلبي إليك ميال» التي لم تكن قد جذبت لها الأنظار والإعجاب بسبب ازدحام الأسماء والمواهب في مصر تلك الأيام. ثم توالت الأعمال بين محمد الموجي وفايزة أحمد حتي آخر حياتها ونذكر من هذه الأعمال: (غلطة واحدة، حبيبي واحشني، حيران، يامه القمر ع الباب، قلبي عليك يا خي، تمر حنة.. وغيرها)، ثم لحن لها العديد من ملحني الدول العربية، أبرزهم الموسيقار محمد عبدالوهاب حيث شدا صوتها بألحانه في خالدتها المؤثرة (ست الحبايب) ثم تلتها( تهجرني بحكاية، حمال الأسية.. وغيرها».

تزوجت فايزة أحمد خمس مرات. زواجها الأول من عمر نعامي لم يدم سوى ليلة واحدة، ثم تزوجت من مختار العابد وبعد طلاقها منه تزوجت من عازف الكمان عبد الفتاح خيري ثم من الفنان محمد سلطان، فضابط المرور عادل عبد الرحمن.

وقصتها مع محمد سلطان لها دلالات وشجن، حيث أحبته حينما كان ملحنا مبتدأ فتزوجته، وكرست صوتها لألحانه.. يقول النقاد عن فايزة أحمد بعد بلوغها القمة ، إن عيب فايزة أحمد يكمن في ناحيتين: الأولى فنية، والثانية تجارية. الناحية الفنية إصرارها على غناء ألحان زوجها دون غيره من الملحنين الذين يفوقونه قوة وتمرسا ويفهمون صوتها وأبعاده أكثر منه كالسنباطي وعبد الوهاب والموجي والطويل. والتجارية تنحصر في احتكار كل شيء لنفسها وبخاصة بعد وفاة أم كلثوم، إذ ظنت متمادية بأنها المطربة الأولى بعد رحيل أم كلثوم، وكان الفنان عبد الحليم حافظ كما هي سليقته وخبثه المعهود أول من حاربها، ثم وردة الجزائرية حتى بعد تركها لمصر وهروبها إلى فرنسا بعد فضيحة حزيران 1967.

وفي إحدى الحفلات التي كان يقيمها الملك الحسن الثاني في المغرب في عيد توليه العرش، وكان معتادا على دعوة جمهرة من الفنانين لإحيائها. فقد طالب عبد الحليم حينها استثناء فايزة من الحفلة. وفي حفلة مشتركة في القاهرة قطع عنها التيار الكهربائي، لكنها رغم ذلك استمرت وكان صوتها القوي يعلو في الصالة. وبقيت فترة طويلة لا تغني في حفلة فيها عبد الحليم، وهو أيضاً كان يرفض أي حفلة فيها فايزة أحمد. إلا أن فايزة كانت لديها طيبة وصفح غير عادي، ورغم معرفتها بغيرة وردة منها إلا أنها في إحدى المرات التقتها في الشيراتون في حفل رأس السنة الذي كان يضم فنانين من لبنان ومصر. وجلست معها إلى طاولة واحدة، وفي اليوم التالي أصرت فايزة على تكريم وردة وعزمتها على حفلة في مناسبة عيد ميلادها في أول السنة الجديدة.

ومن أجمل وأروع أغانيها الباقية تصدح وتطرب الناس حتى اليوم: أنا قلبي إليك ميال (ألحان محمد الموجي) رسالة من امرأة)كلمات نزار قباني، ألحان محمد سلطان(يمّه القمر عالباب)ألحان محمد الموجي(ست الحبايب) كلمات حسين السيد، ألحان محمد عبد الوهاب(بيت العز(ألحان محمد الموجي)ما تحبنيش بالشكل ده) (بليغ حمدي)

<>ست الحبايب يا حبيبة .....يا أغلى من روحي ودمي

يا حنينة وكلك طيبة........ يا رب يخليك يا أمي

ست الحبايب يا حبيبة

أيام بتسهري وتباتي تفكري

وتصحي من الآذان وتقومي تشقري

يا رب يخليك يا امي يا ست الحبايب يا حبيبة.. يا حبيبة>>

وكانت الإذاعة المصرية قد أذاعتها أول مرة صباح يوم 21 آذار ( عيد الربيع ورأس السنة العراقية) بلحن على العود وبصوت محمد عبدالوهاب.. وقبل ان ينتهي اليوم قامت فايزة احمد بغنائها بلحن كامل.

وقد غنت أغنية»صوت السهارى» التي نعرفها بصوت الكويتي المرحوم عوض دوخي صاحب الصوت الرخيم، والقريب جدا من الذائقة العراقية، مثلما هو جل الطرب الكويتي ، والعكس صحيح، حينما يتغنى الكويتون بشجي المنتج الغنائي العراقي. وربما لم يعبأ العراقيون بذلك الأداء وفضل عوض دوخي عليه. لكن صوت فايزة أحمد أمتاز عن الجميع بالرقة إلى جانب القوة، والدفء إلى جانب الجزالة والعذوبة.

كانت رحمها الله طيبة القلب ، وكريمة النفس بشكل لا يوصف مثل فريد الأطرش وعكس محمد عبدالوهاب مثلا. و أجمل شيء فيها طرافتها وحضور النكتة والتجمل في طبعها.،ومن مثالبها إنها كانت شديدة الغيرة، وشكت دائما من النحافة. ومن أجل ان تظهر أجمل ، فقد أجرت جراحة تجميل لخديها عن طريق نفخهما في أول عملية من نوعها في مصر ، فأصيبت بالسرطان وماتت بعد معاناة مع المرض، فوطأ وزنها حد 40 كيلو غراماً فقط في تلك الفترة، حتى أنها كانت تلف القماش على خصرها لتبدو أكثر وزناً مما هي عليه.

قال عنها محمد عبد الوهاب بعد أن سمعها تغني (أن صوتها كالكريستال المكسور). وقالت عنها أم كلثوم في حديث صحفي: أن صوت فائزة هو الصوت النسائي الوحيد الذي تطرب له وتسمعه بنشوة ما بعدها نشوة بل ذهبت أم كلثوم ابعد من ذلك إذ قالت أن التي ستخلفها على عرش الأغنية هي بلا شك فائزة احمد . حصلت على عدة جوائز وأوسمة منها: درع الجيش الثاني في 1/5/1974 .كما حصلت على وسام من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة.

وبعد رحلة علاجها في أمريكا عادت وأصرت علي تسجيل أغنية (لا يا روح قلبي أنا) ألحان رياض السنباطي وسجلت الأغنية وهي جالسة على كرسي في استوديو 4 بالإذاعة علي مدى أسبوع كامل. وتدهورت حالتها الصحية والمالية أيضاً حتى راحـــــت في غيبوبة في غرفة الإنعــــاش ودون أن يدري أحد، انتقلت إلي رحمة الله في 21 سبتمـــــبر 1983 بعد فتـــرة قصيرة من منحهـــا الجنسية المصرية.


مازن لطيف -كاتب عراقي

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced