محلات "المشاهدة" والشيخ علي ورحمانية الكرخ.. ماضٍ سعيد وحاضرٌ مرهق
نشر بواسطة: mod1
الأربعاء 17-05-2017
 
   
طارق الجبوري- المدى

ما زالت بغداد تحتفظ بين ثناياها ببعض المحلات القديمة التي بقيت شاخصةً بالقلّة القليلة جداً من أهلها ممن لم يغادروها الى الآن.. محلات ومناطق تتناثر بين صوبي الرصافة والكرخ كواحات قيم أصيلة وسط تصاعد موج العمارات والأبنية الحديثة.. محلات عريقة ما أن تمر بإحداها حتى تشدك الى عبق الماضي وعنفوانه.. ومن هذه المحلات التراثية في الكرخ المشاهدة والشيخ علي ونسبياً الرحمانية التي تعد الأحدث بين مناطق الكرخ القديمة ..

محلات تراثية مهملة !!

في أغلب دول العالم التي تحترم تاريخها يكون الاهتمام بالمناطق التراثية استثنائياً، على عكس ما يجري في العراق حيث الإهمال واللا مبالاة نصيب مناطق ومحلات كان لها صدى في تاريخ العراق.. فبعض الدور التراثية ازيلت نهائياً وهي الآن ساحة فارغة توضع فيها العربات وترمى على تربتها النفايات كما هو حال الدار التراثية في منطقة المشاهدة المعروفة بشناشيلها والتي كانت الى وقت قريب مستوصفاً صحياً، يقدم الخدمات الصحية والعلاجية لأهالي المنطقة والمناطق المجاورة ، في ما دور تراثية أخرى تحولت الى عمارات ومحال تجارية.. أما الخدمات البلدية فشبه معدومة حيث تشاهد ركود مياه الأوساخ التي تخرج من الدور لتصب في شبكة المجاري الكونكريتية الظاهرة اضافة للأوساخ والنفايات المتجمعة هنا وهناك في أزقة (درابين) المشاهدة والشيخ علي والرحمانية..

عز الدين حميد الكببجي وأصل كلمة المشاهدة

وأنت تمر بالمشاهدة، لابد أن تلتقي بعز الدين حميد الكببجي الذي يفتخر بأن هذا اللقب جاؤه من جد والده الذي كان أول من امتهن شوي الكباب في المحلة عام 1800 وكما هو معروف فإن عدداً غير قليل من العوائل اشتهرت بألقابها من المهنة كالبزاز والصفار والحداد وغيرهم.. مررت بمقهى ابو ليث، حيث ما زال يرتادها عدد غير قليل من أهل المنطقة الاصليين سواءٌ من بقي فيها أو ممن غادرها وسكن مناطق بغداد الحديثة.. ليستعيدوا بعض ذكرياتهم، فأمسكت الورقة والقلم لأسجل بعض الملاحظات التي أثارت انتباههم.. اقترب احدهم مني وسأل بلهجة كرخية معروفة، انت غريب فهل لديك حاجة نعينك عليها؟ شكرته واخبرته انني اكتب بعض الملاحظات عن محلة المشاهدة لنشرها في صحيفة (المدى) ضمن تحقيق عن المنطقة، رحّب وهلّل الجميع وتركوا ما كانوا يمارسونه من ألعاب في المقهى، وقالوا ليس هنالك افضل من عز الدين لهذه المهمة وفعلاً خرج أحدهم برغم كبر سنه ليرشدني على محله وبيته القريب..

كان عز الدين يؤدي صلاة الظهر في الجامع عندما زرته وعند الانتهاء اصطحبني الى دكانه لبيع قيمر العرب وسرح بخياله في ماضي المحلة ليستذكر أبرز مافي هذه المحلة، ومنها ما حدّثه بها والده الذي عاصر آخر ولاة الدولة العثمانية على بغداد محمد رشاد عن خان المشاهدة الذي يرجع تسمية المنطقة اليه.. ففي هذا الخان، كانت تحط قوافل التجار الذاهبة أو الآتية من تركيا وايران وهي محمّلة بـما كانت تسمى (كلات القند) وهو سكر صلب على شكل مثلث تقريباً مغلف بورق أزرق يأخذونها معهم اضافة للشاي ليبادلوها من هناك بأقمشة وبضائع..

شخصيات ثقافية وفنية وعلمية وغيرها

نشأ وتخرج من محلة المشاهدة شخصيات منها المرحوم حمودي مهدي الزبيدي الذي شغل منصب رئيس اركان الجيش في عهد المرحوم رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف، كما أن من ابنائها المذيع المخضرم المعروف عبد الكريم عباس فاضل الجبوري، والفنانان عبد الجبار الدراجي وداود العاني  والدكتور احمد الشحاذ، الذي شغل منصب ملحقا ثقافيا في القاهرة، إبان الستينات من القرن الماضي، وشقيقه الشاعر صبيح الشحاذ مؤلف ديوان الظل، ودكتور الاقتصاد والمالية شاكر محمود الحواله، الذي شغل موقعاً مهماً في البنك المركزي، ومن هنا جاء لقب الحواله وعبد المجيد الملا، وكان معد برامج اجتماعية للإذاعة والدكتور احمد السحار، مؤلف سير تاريخية، والحافظ خليل قارئ القرآن. ومن المعروف عن سكان المحلة حبهم وولعهم بالمقام العراقي، وكانوا على قسمين، الأول يميل الى قراءة المرحوم محمد القبانجي، والثاني الى المرحوم رشيد القندرجي، ومن قرّاء المقام فيها حميد أبو مقداد.. وهنالك من اشتهر بقراءة الموشحات الدينية مثل محمد الشيخ نجم الجبوري، وكان ينتج الكبة في بيته ويبيع الصغيرة منها بعشرة فلوس، أما الكبيرة فبعشرين فلساً والملا مولود المشهداني ملا حليم وملا شكر ومحمد العواد ومحمد ياسين.

بيوتات من كل العراق في درابين قديمة

سكن محلات المشاهدة والشيخ علي والرحمانية بيوتات أصيلة تنتمي لجميع عشائر العراق تقريباً وكانت المودة والالفة والوفاء وغيرها من الصفات العراقية، هي القاسم المشترك بينها، ففي المشاهدة كانوا الجبور والمحامدة والدليم والربيعيين والعانيين والهيتيين والراويين والمشاهدة وبني زيد، أما في منطقة الشيخ علي، فبيت السهو وقدوري الحداد، وفي الرحمانية الجميلات والعزة والجبور وبني لام وفريجات وسواعد.. ومن اهالي الرحمانية بيت حمد الزركه وبيت محمد طبره وبيت طوبان المشهورين (بالباجه) الأكلة العراقية المعروفة، وفي دربونة ابو روله، بيت الحاج هادي الحديثي، وبيت علي زعيله والحاجة منيرة وبيت دبو، ومنهم الفنان علي الدبو. وفي محلة المشاهدة جامع الشيخ موسى الجبوري الذي شيّد في 1800 وكان يؤم الناس في الصلاة رفعت الحاج عبد الحميد ملا حويش وخلفه ولده نوري رحمهما الله.. وفي المنطقة ازقة (درابين) ما زالت تحتفظ بتسمياتها القديمة، اولاها المحاذية للشيخ معروف واسمها طرف بين الطواشي والآخرى طرف بيت عبدالله المهيدي والثالثى طرف ملا جميل الذي كان يقوم بالرقيه مقابل عشرين فلساً وطرف حبش.. ومن البيوتات الأخرى بيت الشماع وبيت حسن الوهيب المعروف بشناشيله سابقاً وبيت ابو القوازي وبيت مجيد ابن درع الجبوري.

مناطق بسيطة لكنها عامرةٌ بالخير

في ركن من ساحة الطلائع (سوق حمادة سابقاً) اعتاد فهد بطيخ علوان من جملة نسبه الى عشيرة جميلة، أن يتحدث  مع جالسيه عن طيبة العراقيين، ومنهم سكان الكرخ، حيث كانت ابواب بيوت أهل الرحمانية والشيخ علي والمشاهدة مفتوحة طيلة النهار لاستقبال الضيوف والمحتاجين، ونادراً ما تجد باب دار مغلقة وكان الحارس الليلي (الجرخجي) يقوم بغلق الأبواب بنفسه.. كان الجار يقوم بتجهيز جاره المحتاج والفقير بما يحتاجه من الطعام من السطح، حتّى لا يراه الناس ويسبّب الحرج لرب العائلة.. والكثير من أهل هذه المناطق غادرها وسكنوا مناطق بغداد الحديثة لكنهم يحنّون اليها ويزورنها بين فترة وأخرى.. كانت مناطق بسيطة لكنها عامرة بالخير..

العراقيون يرفضون الطائفية والتطرف بالفطرة

ولم ينفك فهد، هذا الرجل الطيب أن يتحدث عن غلبة التسامح سابقاً إبان العهد الملكي بين الناس، ويقول لم نكن نعرف العنف فقد كان من الطبيعي أن تجد في العائلة الواحدة الشيوعي والقومي الناصري أو البعثي ولم يكن للتيارات الدينية من حضور كبير، لأن العراقيين بطبيعتهم يرفضون الطائفية والتطرف، كان هنالك عدد قليل جداً من الاخوان المسلمين أو الفاطميين، لكن لم يكن لهم تأثير يذكر.. كما كان للمعلم أو المدرس دور كبير في توجيه التلاميذ والطلبة الى الاعتدال وكان للمعلم تأثير كبير في مناطقنا، لأنه مخلص ومتفانٍ في عمله كان أيام الامتحانات يعطي دروساً اضافية مجاناً من دون مقابل، وكل همّه أن ينجح التلميذ ويتفوق، ولذا حرصت الأحزاب السياسية على استقطاب عدد منهم.. ولا ندري كيف نسى البعض قيم التسامح والمحبة التي كانت سمة العراقيين ومن ضمنهم أهل الكرخ !! ويترحم فهد على أيام ماضية من تاريخ البلاد، حيث التظاهرات تخرج بصوت واحد للعراق غير اننا شهدنا أياماً سوداً بعد ضرب ثورة الرابع عشر من تموز 1958 والظلم الذي وقع على الزعيم عبد الكريم قاسم، استشهد ولم يملك لنفسه رصيداً في مصرف ولا داراً.. متجنباً الخوض في تفاصيل ما يحدث الآن، وكيف نهبت خيرات البلاد، لكنه اشار الى ذلك وباللهجة الكرخية بصراحة، ياعمي كان ماضينا سعيداً أما حاضرنا، فأنظر ماذا حصدنا غير القتل وضياع ثروات البلد!.

الزكريا والأعراس  والمحيا

من المناسبات المعروفة في تلك المناطق هي الزكريا وكان أهل الكرخ من المشاهدة يقومون بهذه المناسبة بطبخ أكلات خاصة مثل الدولمة وحلاوة الشكرية والشموع ويزيّنون الاباريق للذكور، أما (التنكه) فكانت للإناث.. وكانوا يرددون يازكريا سلّم علي كل سنة وكل عام ارجع الي.. وفي المحيا يتبارى الشباب والشابات في محلاتنا بسكب الماء ببراءة والجميع يغتسلون بالماء الذي يسكبه أحدهم على الآخر، كما تشتهر بهذه المناسبة الألعاب النارية البسيطة مثل (البوتازه) والمسدس (ابو التبدور) ومن الاهازيج المعروفة (لعنه عل اليكول عكيل خركانه والمختار ويانه) .وفي الأعراس اعتاد العريس والعروس على الذهاب الى الحمامات الشعبية مثل حمام الرحمانية ليعودوا مع الغناء ودق الطبول ومن أشهر الطبالين صالح وجبوري.

 (الربل) وتربية الخيول وأشياء أخرى

كان النقل في هذه المناطق يتم بالعربات التي تجرها الخيل وتسمى (الربل) فيذهبون من المشاهدة الى العلاوي بخمسين فلساً أو من الرحمانية الى الجعيفر أو الشيخ علي،  وكان هنالك من اشتهر بتربية الخيول الأصيلة والمتاجرة بها، ومنهم عكاب الدليمي وحسن منصور وعبدالله المهيدي. ومن المقاهي المشهورة، مقهى ابو زناد، مقهى محمود العنفوص ومقهى حسن سهيل  ومقهى شنيار ومقهى هوبي غدارة، كان يرتادها هواة تربية الطيور (المطيرجيه). ومن مختاري المشاهدة المرحوم عبد الحميد ثم ولده سلمان رحمهما الله، وبعدهما علوان الحاج أسود وكان مختار محلتي المشاهدة والشيخ علي، ثم طه الدوري وفاضل الدليمي، وما زال ابناؤه يسكنون المحلة. أما أشهر العطارين ملا شهاب وحمودي التتنجي وعبد الوهاب الملقب حلومه، وكانت توجد في المنطقة علوة للحبوب تعود الى والد المذيع عبد الكريم الجبوري.

ولابد أن نشير الى أن القابلات المأذونات (الجدة) في مناطق الكرخ ومنها المشاهدة، كن يتعففن عن أخذ الأجور ويكتفين بهدايا بسيطة عبارة عن خمس صابونات رقي أصلي وثلاث (كيلات قند سكر) ومنهن الجدة فطم وفضيلة سويدان. واشتهر من كان يقوم بختان الأطفال (المطهرجي) المرحوم هاشم المشهور بالدواح وجواد والمضمدين احمد السته وعبد الرزاق..

أخيراً.. فإن الكرخ اشتهرت ببعض الأشقياء ومنهم، محسن سهيل ومشكور وحمدي قامه وعلي ماما، وغيرهم ولهذا موضوع آخر في القريب.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced