الذكورية المُنفلتة تنهشُ خصوصية الأنوثة المحترمة بالتحرّش!
نشر بواسطة: mod1
الإثنين 29-05-2017
 
   
المدى

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر مقطع فيديو لمجموعة من النساء انتقمن من رجل حاول التحرّش بإحدى الشابات على متن حافلة ركاب للنقل العام في تركيا. الفيديو الذي التقطته كاميرا المراقبة داخل الحافلة، أظهر الشابة وهي تواجه الرجل الثلاثيني، بعد أن حاول التحرش بها، حيث بدأت الشابة بضرب الرجل والصراخ، بصوت عال، فنال نصيبه من الضرب على يدّ النساء المتواجدات داخل الحافلة. وبعد توقّف الباص، حاول الرجل جاهداً الخروج منه، لكن الشرطة حضرت سريعاً إلى المكان واعتقلت الرجل لاستجوابه. إلا أن ميساء طالبة كلية الهندسة التي تستقل سيارة (الكوستر) الذاهبة للجامعة، لم تجد من يساعدها بالتخلص من مضايقات الشاب الذي حاول بشتى الطرق استدراجها للحديث، بالتالي لم يكن امامها سوى النزول وانتظار سيارة أخرى، لكنها رغم ذلك لم تتخلص من تحرشه البذيء.

الهروب أسلم الطرق

ميساء ليست الاولى التي تجبر على الهروب من التحرش وترك مقعدها في السيارة، ان كان بسبب الخوف من تطور التحرش اللفظي أو الوقوع بموقف محرج، اذ ما استقل السيارة أحد معارفهم في المنطقة، لكنها بيّنت أن هذا الشخص تجرّد من الاخلاق التي يبدو انها اكتسبها من محيطيه البيئي والعائلي. منوهة: الى انها غالباً ما تتعرض لهكذا مضايقات من قبل بعض الشباب الطائش حسب وصفها. وعن ضعفها ولماذا اتخذت قرار النزول من السيارة دون الرد على المتحرش أوضحت طالبة كلية الهندسة: أخاف أن يتطور الامر الى ابعد من ذلك، وربما تحدث مشكلة وفضيحة لايمكن تداركها بسهولة. مستدركة: لكن ذلك لا يعني اني لازالت خائفة من وقاحة الشاب واستهتاره، ممتعضة من رد فعل السائق الذي لم يحرك ساكناً.

لماذا التحرش وانعدام القيم الأخلاقية!؟

في نهاية الستينيات حتى منتصف التسعينيات، كانت النساء تتجول في الشوارع بكل حرية، وهن يرتدين اجمل الملابس المتحررة، ولم يسمع أحد عن ظاهرة تحرش في تلك الفترة، وحتى الثمانينات كانت نسبة التحرش تعدّ على الأصابع، لكن اليوم وفي ظل انتشار التديّن والقيم المذهبية وسيطرة الأحزاب الدينية على البلاد، أصبح التحرش حالة اجتماعية طبيعية يكاد لا يخلو مكان منها تنمو وتتزايد. بشأن عوامل زيادتها يقول الباحث الاجتماعي معد هادي لـ(المدى): الكبت وعدم الاختلاط وتدني قيم المجتمع وتواطؤ قانوني يحمي المتسبّب والخوف من قبل الضحايا للكشف عنها وزيادة المطلقات والأرامل والعاطلين عن العمل وضعف الاستقرار وانتشار المخدرات والجريمة المنظمة عوامل ساعدت في زيادة حالات التحرش. معتقداً: أن هذه الممارسات هي جزء من تضييق خطير وممارسة منهجية تُمارس على المرأة وحقها في العمل والعيش بأمان والدفع بهن تدريجياً آلى الاستسلام والمكوث في البيت.

وأضاف هادي: شخصياً اعرف عوائل عراقية تضغط على وضعها الاقتصادي لتوفير وسائط نقل آمنة لتقل بناتهن، ذهاباً واياباً للجامعات أو مكان العمل لتوفر حماية جزأية لهن. متابعاً: ومنهم من يضغط عليهن التحجب بشكل كامل، لتتفادى ضريبة التحرش مستدركاً: لكن  حتى المحجبات لم يسلمن من المضايقات والتحرش، فلا زال الوجه المكشوف يثير حفيظة الكثير من اصحاب الأفكار الذكورية المنفلتة.

تحرّش حكومي وأمني

يشير البعض من الباحثين الى انخفاض حالات التحرش في الشارع (الجنسي) لكنها أخذت بالتزايد في الدوائر والمؤسسات الحكومية خاصة ضد النساء الأرامل أو المطلقات اللواتي دخلن في بورصة مسؤولي الأحزاب الدينية، اذ تقول الموظفة فاتن محسن لـ(المدى) بعد انتهاء العدّة الشرعية عاودت الدوام في دائرتي على أمل أن احاول التكيّف مع وضعي الجديد. مضيفة، الاسابيع الاولى كانت قد مرت بهدوء في ظل تعاون زميلاتي وبعض الزملاء، حتى جاءت احدى الموظفات من قسم آخر في الدائرة. مسترسلة: لم تكن علاقتي بها وطيدة، اذ كانت مقتصرة على السلام، لكني لاحظت انها تحاول التقرب مني لأسباب أجهلها.

وتستطرد فاتن بحديثها: في أحد الايام واثناء انتهاء الدوام، طلبت رقم هاتفي لأنها تريد أخذ رأيي بموضوع شخصي، اعطيتها الرقم. مستدركة: لكنها لم تتصل بعد يومين وصلتني عدّة مسجات من رقم مجهول أغلبها غرامية، سألت عن الموظفة، قالوا إنها مجازة، حاولت الاتصال بالرقم لكني تراجعت. موضحة إذ تبيّن أن الرقم يعود لمدير الدائرة، الذي عرض مساعدته لي بأي طلب أو حاجة واستعداده نقلي الى مكتبه الخاص.

وتلفت الموظفة: الى انها صدمت بادئ الأمر من الطريقة، وكيف وصل الرقم الى المدير واتصال الموظفة بعد يوم من اتصاله وحثها على القبول بالعرض. منوهة: انها عرضت الأمر على زميلاتها المقربات في القسم الذي تعمل فيه، واللاتي نصحنها بضرورة رفض الموضوع وتغيير رقم هاتفه. مشيرة: الى أن المدير تمادى بالتحرّش، وأخذ يرسل مقاطع تخدش الحياء الأمر الذي اجبرني على تغيير الرقم وإخذ اجازة لمدة شهر.

الوحدة والحرمان من الاختلاط

فاتن ليست الموظفة الوحيدة التي تشكو التحرش الحكومي، بل هناك العشرات إن لم يكن بالمئات وآلاف ربما من الارامل والمطلقات وحتّى المتزوجات، بتن عرضة لتحرش مسؤولي المحاصصة والاحزاب الدينية، الطبيب النفسي جودت كريم، بيّن أن احد اهم عوامل التحرش (الوظيفي) هو الفراغ العاطفي الذي كان يعانيه المسؤول، والحرمان من الاختلاط مع الجنس الآخر، ان كان بسبب بيئته الاجتماعية أو الدينية. لافتاً: الى أن البعض من هؤلاء المسؤولين، يستغل منصبه  بالتحرش إن كان بشكل علني أو عبر موظفات تركن عملهن الوظيفي، وأخذن يمارسن السمسرة بالدوائر.

كما بيّن كريم: أن الكثير من المسؤولين الحاليين، وبمختلف اعمارهم وبخاصة ممثلي الاحزاب الدينية، يستغلون الدين والفتاوى وأنواع الزيجات المذهبية بالتحرش بالموظفات واستدراجهن. لافتاً: الى اغلبهم يشكون الوحدة، نتيجة لترك عوائلهم في الدولة التي كانوا يقيمون بها، بالتالي يتحولون الى شباب مراهق.

وبشأن التحرش في الشارع، بيّن الطبيب النفسي، أن الكثير من الشباب الذين ادمنوا التحرش بالفتيات والنساء، كانوا عرضة أما للعنف العائلي أو المجمتعي أو للحرمان. مشيراً: الى انهم حالما يجدون فسحة من الحرية، تجدهم يمارسون شتى الأفعال بما فيها التحرش، الذي يعد بمثابة عمل بطولي عند بعضهم. مشدداً: على ضرورة توعية الشباب وحثهم على حماية الفتيات، كما دعا الى تشريع قانون يعاقب المتحرش والمعتدي على النساء.

سنة سجن أو غرامة مالية

جرأة تصل حد الوقاحة من متحرش، ضحية مقيدة بمجتمعات غالباً ما تمنعها من الاعتراض أو الحديث عما تعرضت له،  لكن ألا توجد عقوبات رادعة ضد ظاهرة التحرش للحد منها أو التقليل منها على أقل تقدير؟ بهذا الخصوص يقول المحامي قيس عمران لـ(المدى) تعد ظاهرة التحرش في العراق الجريمة المسكوت عنها. عازياً سبب ذلك الى الحياء والضوابط المجتمعية المتشددة التي تحاصر المرأة. مؤكداً: انها ظاهرة لا تقل خطورتها عن الإرهاب، حيث كشفت الوقائع أن التحرش إن كان اللفظي أو الجنسي كظاهرة، اخذت بالتفاقم بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي التي خلخلت الكثير من مفاصل المنظومة الاجتماعية العراقية حسب وجهة نظره.

وأضاف المحامي:  فضلاً عن قصور القوانين التي تحــد من الظاهرة ، كما أن دراستها في العراق تواجه صعوبات لعدم وجود إحصائيات. متابعاً: لا سيما وأن معظم ضحايا التحرش لا يقدمن بلاغات للجهات الأمنية المعنية خوفاً من محاسبة المجتمع للضحية وليس المجرم ووصمها بالقصور والعــار أو فتح باب للمشكلات.

الملامسة الجسدية

وعن الوضع القانوني لقضية التحرش الجنسي، بيّن المحامي يمكن أن نعرِّف ظاهرة التحرش الجنسي بأنها جريمة خدش الحياء من ذكر على أنثى، تقع بالقول او الفعل او الإشارة من دون أن تصل حــد الملامسة الجسدية. وهذا ما جاء في المادة 402 /1ب من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969. مردفاً: اما اذا كان الفعل المادي المكون للجريمة يتعدى للملامسة الجسدية فيكون عند ذاك جريمة منصوص عليها في المادتين 396، 397 من القانون أعلاه. وبشأن العقوبة، بيّن المحامي قيس عمران: ان القانون العراقي يعاقب الشخص المتحرش أما بالسجن لمدة عام إن ثبت ذلك أو بالغرامة المالية. موضحاً: أن هذه القانون يحتاج لتعديل كي يكون رادعاً تجاه البعض المنفلت. مشدداً: على ضرورة التثقيف والتوعية بهذا الشأن، ان كان للشباب أو الشابات اللواتي يفسح البعض منهن المجال للشباب.

القانون يترك التفاصيل للمحكمة

بسبب الأعراف المجتمعية والعشائرية تخشى الكثير من النساء على سمعتهن بسبب عرض هكذا نوع من القضايا ذات الخصوصية على المحاكم. وحسب موقع السلطة القضائية بيّن القاضي عماد الجابري، أن أغلب النساء لا يقمن بتحريك شكوى عن جرائم تحرش تطولهن، وأرجع خشيتهن إلى ارتباط الموضوع بجوانب عشائرية. وفي مقابل ذلك يقول الجابري، إن الحاح مرتكب هذه الجريمة في مضايقة المرأة قد يجعلها تخرج عن دائرة الصمت وتلجأ مباشرة إلى الإجراءات القانونية لأخذ حقها.

وأوضح الجابري: أن المشرّع العراقي تطرق إلى التحرش في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وأفرد له المواد (402،401،400) تحت عنوان بالجرائم المخلّة بالحياء، وعقوبتها الحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة مالية. مشيراً: إلى أن الواقعة بحاجة إلى أدلة لكي يتم تجريم مرتكبها وفي مقدمة تلك الأدلة الشهود، لافتاً: إلى أن التحرش يتضمن الكلام المخل بالحياء الذي لا ينسجم وطبيعة الأعراف المجتمعية.

الاختلاف من بيئة إلى أخرى

ويشدد القاضي: على وجود أفراد تابعين للشرطة ينتشرون في الأماكن العامة لرصد تلك الحالات وإلقاء القبض على المتحرش بغية اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، لافتاً: إلى أن المفرزة القابضة على المتهم تعدّ شاهدة امام القضاء على الواقعة. مبيناً: شخصية المتحرش سواء كان على علاقة عائلية بالمرأة أم لا، منوهاً:  إلى أننا أمام جريمة وننظرها وفق القانون، وبالتالي يصدر القرار من محكمة الموضوع بحسب الأدلة المتوفرة.

ويردف الجابري: أن صدور بعض الكلمات من أشخاص تجاه نساء يختلف تفسيره بين بيئة وأخرى، متابعاً، ليس كل ما يعتبر تحرشاً في الأماكن الريفية يعدّ كذلك في المدن. معرفاً: المواد القانونية المخلة بالحياء على أنها أي كلام يصدر من شخص أو فعل سواء كان ذكراً أم انثى، منبهاً إلى، أن القانون تطرق إلى العموميات وترك التفصيل إلى المحكمة وفق بيئة اطراف الدعوى.

اللجوء إلى الخبير

من جانبه، أفاد القاضي الثاني علي حسين نجم، بأن جريمة التحرش متواجدة على مستوى ضيق، منبهاً إلى، أنها لم تبلغ بعد مستوى الظاهرة"، وعدّها حالات فردية تتم بين الحين والآخر في مناطق متفرقة من العاصمة.

ولا يستبعد نجم، ارتباط انخفاض دعاوى التحرش على النساء بالأعراف المجتمعية، وخشيتهن على سمعتهن من طرح هكذا شكاوى أمام المحاكم. متحدثاً: عن دعاوى وردت إلى القضاء بهذا الشأن، في بعضها نتوصل إلى أن الرجل لم يكن يقصد فيها الإساءة أو خدش حياء المشتكية. وأكمل بالقول في حالات يتطلب منا اللجوء إلى خبير يقدر تقريره إلى المحكمة وفقاً للقانون من أجل حسم الخلاف حول الكلام الذي يعدّ خدشاً بالحياء من عدمه.

وحسب احصائية، أن اعداد النساء اللواتي يتعرضن للتحرش اللفظي والجسدي يبلغ 77% وان 12% من هذه النسبة يتعرضن (احياناً) للتحرش. وقد اظهرت الاستبانة التي اطلقتها منتدى الاعلاميات العراقيات الى أن وجود دوريات الشرطة قرب مدارس البنات يقلل من تعرض الطالبات للتحرش. وأضافت أن العادات والتقاليد أثرت في عدم الافصاح عن هذه الحالات، وإن الكثير من الموظفات والعاملات يستمرن في العمل رغم تعرضهن للتحرش خوفاً من قطع الراتب.

خبراء الاجتماع وتحليل الظواهر

معين الموسوي مختص في الشؤون المجتمعية بيّن لـ(المدى) يقول مؤسس علم الاجتماع في العراق وصاحب المشروع التنويري د. علي الوردي، إن البلدان التي تكثر فيها الكبت، والمنع، والحرمان والفواصل الكبيرة الحاجبة بين المرأة والرجل، هي نفسها البلدان التي تكثر فيها التحرش الجنسي، والشذوذ الجنسي. متابعاً: وتكثر فيها أيضاً الازواجية والتطرف، والتعصب والتطرف عازياً الأسباب، الى أن الإنسان في طبيعته الاجتماعية مكمل للآخر بين الرجل والمرأة  وإن الانسان في داخله غرائز لا يستطيع منعها. مؤكداً: أن ازدواجية الشخصية العراقية التي نوّه لها الوردي، تفاقمت في الآونة الاخيرة، حتى تجد الشخص بين لحظة واخرى يتبني رأياً وآخر. مشدداً: كذلك الامر مع التحرش الذي يرفضه الشخص، إن كان على عائلته أو في العلن أمام المجتمع بل ويدينه بشدة لكنه يمارسه في أقرب فرصة سانحة.  ودعا الموسوي: الى تبني الدراسات المجتمعية وادخال الظواهر المختلفة الى المختبر البحثي وتناول الأسباب وكيفية وضع المعالجات لها. لافتاً: الى أن ظاهرة التحرش اخذت تنتشر بالمدن الدينية بشكل لافت يدعو الى ضرورة كبحها ومحاسبة المتحرش، مع اهمية وضع الحلول المناسبة التي تدفع هذا الشخص للتحرش. مطالباً بفسح المجال امام خبراء الاجتماع للدخول الى الدوائر والمؤسسات الحكومية قاطبة، بدءاً من المدارس الابتدائية وانتهاءً بأعلى السلطات، للوقوف على ما يحدث، ويستجد من ظواهر وافرازات مرحلية تعبث بالمجتمع العراقي.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced