إحداهن تحوَّلت إلى مول تجاري...سينمات البصرة البكاء على أطلال هيثم جبار عباس
نشر بواسطة: mod1
الأحد 23-07-2017
 
   
المدى

فتحت عينيَّ على دور السينما، وانا ابن ثماني سنوات، حين كان ابي يصطحبني معه الى العشار ، كنت انظر الى صور الممثلين المعلقة والكبيرة بدهشة وانبهار، وكنت اسأل ابي عن كل شيء أراه أمامي، وحدثني عن السينما بأنها مثل تلفاز كبير لعرض الأفلام، يخرج الرجل الممثل بحجمنا أو أكبر . فمنذ نعومة اظفاري، وأنا احلم بالسينما، اخذني ابي مرة ومرتين ومن ثم عرفت جميع الدروب التي تؤدي إليها . ذات يوم وأنا أمام تمثال العامل، وعلى بعد خطوات من قِدر أم البروم الحديث، رأيت  ركاماً، وبقية من ماضٍ مازال عالقاً في ذاكرة البصـريين، إلا أن الصدفة شاءت أن تلعب لعبتها، فشعّ نور أحمر من بين ذلك الركام، والسقف المهدوم، وأكوام الطابوق، بكلمة مشطورة إلى نصفين (الكـر/ نك). لا يوجد بصـري يرى صورة سـينما الكرنك  إلا وتلتهمه الحسـرات عَلَى تلك الأيام التي كانت تعجّ بالسـينما وروّادها.

السينما في المدينة

تقسّم دور السـينما شتائية وصيفية، ولم يقتصر وجودها في مركز المدينة (العشار) فحسب، بل كانت في البصـرة القديمة وفي الجمهورية والأبلة وبريهة، وكان الفلم الذي يعرض في احدى دور السـينما في العشار، يتم عرضه في اليوم الثاني في احدى دور السـينما الأخرى في الأبلة أو في الجمهورية وهكذا، ومن دور السـينما التي ما زال يذكرها البصـريون، هي سـينما شط العرب الصيفي التي كان موقعها المجمع التسويقي الآن في العشار، وسـينما الوطني، والرشـيد واطلس، وهوليود (سـينما غازي) في شارع الوطن، وسـينما السندباد خلف سـينما الوطني الصيفي، وسـينما البصـرة حالياً مجمع حجي جاسب، وسـينما النصـر مقابل سـينما البصـرة، وسـينما الحمراء الجديدة الشتوية موقعها في مدخل بريهة، سـينما الحمراء الجديدة الصيفي شمال منطقة بريهة قرب ساحة عبد الكريم قاسم في شارع الإطفاء، سـينما الحمراء القديمة الشتوية فيما بعد سمّيت الكرنك في ساحة أم البروم، سـينما الحمراء القديمة الصيفية شمال مرآب المربد قرب بريد البصـرة، سـينما السـياب، سـينما بورت كلوب خلف مستشفى الموانئ، سـينما الميناء الشتوي وسـينما الميناء الصيفي في المعقل، سـينما الرافدين في البصـرة القديمة شارع السـيف، سـينما رويل قرب سوق العطارين في العشار، هكذا كانت البصـرة تعجّ بدور السـينما، واليوم كل من يمر بساحة أم البروم  مول العشار الذي شيّد بدلاً عن سينما الكرنك، ويرى سـينما الكرنك  في ذاكرته وهي خاوية عَلَى عروشها في الأمس القريب، عبارة عن كومة من الأنقاض فلا يسترق النظر اليها حتى تخنقه العبرة وتأكله الحسـرة، وحسب المعلومات المتداولة أن أول دار سينما  افتتحت في البصـرة هي سـينما (الحمراء) عام 1933، ثم سـينما الوطني عام 1935، وبعدها سـينما الرشـيد عام 1936، لتستمر بعد ذلك رحلة افتتاح دور السينما في شتى ارجاء المدينة لكنها انتهت مع تغيير النظام السياسي عام 2003.

ضربة موجعة للتمدن والتحضر

كثير من عشاق السـينما من يحفظ مصطلحات باللغة الإنكليزية، يعجز عن حفظها اليوم طالب جامعي، وأن الذي لفت انتباهي هو إبان سقوط النظام المباد، رأيت رجلا يبلغ من العمر اكثر من ستين عاما يتحدث مع جندي بريطاني، وحينما تحريت عن هذا الرجل وجدته أميّاً، وهذه المصطلحات تعلمها من السـينما، حيث قال لي: حينما أشاهد الفيلم انظر إلى الصورة وأصغي إلى اللغة الإنكليزية ولم اشغل فكري بقراءة الترجمة لأنني لا اعرف القراءة والكتابة، هذه هي السـينما وهذا عطاؤها وهؤلاء عشّاقها، واكثر الناس عشقاً للسـينما هم البصـريون، حيث عرف البصـريون السـينما في ثلاثينيات القرن الماضي. عن تحول سينما الكرنك الى مول تجاري يقول المدرس المتقاعد محمد فيحان لـ(المدى) إن من أهم الظواهر الحضارية والثقافية في جميع البلدان هي دور السـينما، فالسـينما لها تأثير مباشـر وفعّال عَلَى جميع المجتمعات العربية والغربية، وهذا التأثير له القدرة عَلَى التغيير والارتقاء بالمجتمع، إذ أن السـينما هي رافد ثقافي ترفيهي ومعرفي في آن معاً. مضيفاً: الكثير من الأميين الذين لم يقرأوا كتاباً واحداً في حياتهم، كانت السـينما منهلهم الثقافي الوحيد في الحياة، لذا نرى المدمنين عَلَى السـينما والذين هم علَى وشك الانقراض يحملون قيماً إنسانية وأخلاقية استلهموها من شخوص وأبطال السـينما، فمشاهدة الفيلم عبارة عن قراءة قصة طويلة أو رواية. مبيناً: أن تحويل سينما الكرنك التي تعد من أهم دور السينما في مدينة البصرة يعد بمثابة ضربة موجعة للتحضر والتمدن في المدينة، كما يعد بمثابة اعلان موت لميزة ترفيهية اشتهرت بها البصرة ..

فيما بيّن كريم هادي لـ(المدى) أحد رواد دور السينما في الثمانينات، كلما مررت قرب احدى دور السينما تعصرني الذكريات ويأخذ من الوجع مأخذه. متسائلاً: بماذا تؤذيهم هذه الدور كي يتآمروا عليها بهذا الشكل. مشدداً: نعم تآمروا وإلا ماذا تسمي اختفاء قرابة (20) دار سينما دفعة واحدة.

واستطرد هادي: الخراب بدأ مع التسعينات والحملة الايمانية وتحولت واجهة بعض الدور الى محال تبيع شتى البضائع. موضحاً: انه بعد نيسان 2003 تحولت بعض دور السينما الى مخازن للبضائع المستوردة. مشدداً: على ضرورة اعادة الروح لهذه المرافق الترفيهية التثقيفية التوعوية التي نحتاجها كثيراً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلاد.

السينما بيت الشيطان ؟

لا أدري ما هو السبب الذي يجعل المسؤول يرى السـينما على انها بيت الشـيطان والدخول إلى السـينما حرام، لماذا ينظرون إلى السـينما عَلَى أنها عارضة أزياء للملابس القصيرة أو الصور نصف العارية، لماذا لا ينظرون إلى الجانب الأخلاقي من السـينما، إلى الدرس الإنساني الذي تتعلمه الناس من ثيمة الفيلم، لماذا لا ينظرون إلى التضحية والكفاح والإيثار الذي يستلهمه المشاهد من الفيلم السـينمائي، لماذا يركزون أحداقهم في أشياء تافهة ويتركون غاية السـينما التي أنشأت من أجلها. نظراتهم القاصـرة جعلت السـينما في البصـرة عبارة عن مخازن لبضائع التجار، وآخر سينما اغلقت في البصرة هي سـينما اطلس، التقيت بمدير سـينما اطلس في البصـرة محمد محمود شاكر، فقال لي: تم افتتاح سـينما اطلس أول يوم عيد الفطر المبارك سنة 2009 وقد واجهنا صعوبات كثيرة بسبب غلق السـينما بما يقارب 5 أو 4 سنوات، وحينما تكون السـينما مغلقة تصبح ظاهرة افتتاحها شـيئاً غريباً بالنسبة للجيل الجديد، حين يأتي شخص يتفرج عَلَى صور السـينما يتفاجأ وعند دخوله ومشاهدته شاشة كبيرة فكأنه يرى شـيئاً غير مألوف، للأسف الشديد وصل جيلنا إلى هذه المرحلة.

السـينما ترتبط معها ثلاث دوائر حكومية، والحديث ما زال لصاحب سينما اطلس: دائرة السـياحة والسفر ومديرية البلدية ودائرة الصحة. مضيفاً: دائرة السـياحة وقفت معنا في كثير من الأمور وقدمت لنا الدعم المعنوي، أما مديرية البلدية فقد واجهنا منها معاناة كثيرة ووقفت حائلاً دون افتتاح السـينما بسبب القانون المطبق في زمن النظام السابق والذي مازال فعالاً. متابعاً: اذ ينص أن لمديرية البلدية 30% من نسبة التذاكر، فكيف استطيع أن ادفع للبلدية نسبة 30% اذا كان عدد الإقبال عَلَى السـينما أقل من عشـرين شخصاً.

وأضاف شاكر: اتصلنا بمدير البلدية في وقتها واخبرته خسـرنا أموالاً بما فيه الكفاية بدون أيّ ربح نحن فقط نريد أن نعيد نشاط السـينما في البصـرة. مسترسلاً: حاولنا الاستنجاد بالمحافظ ولكن استغاثتنا ذهبت أدراج الرياح، لم نرَ أيّ مساعدة لا معنوية ولا مادية من قبل المحافظة، فمديرية البلدية تقول: لا استطيع أن اسقط هذه النسبة الـ(30%) فقدمنا كتاباً للمحافظ علَى أن يتحمل هذه النسبة أو تؤجل لمدة سنة عَلَى سبيل المثال، لكي تستطيع السـينما الوقوف عَلَى أقدامها، ولكن للأسف الشديد لم يدعمنا حتّى بهذا الكتاب.

وأوضح مدير سينما اطلس في البصرة: هذا بالنسبة لمديرية البلدية والمحافظة، أما دائرة الصحة فقد قامت بغلق السـينما لمدة سبعة أيام والسبب هو عدم تجديد الإجازة، فهل تجديد ورقة معلقة عَلَى الحائط يستوجب إغلاق دار عرض ثقافية لم تمارس عملها منذ أكثر من خمس سنوات؟.

وحين التقيت بمدير الصحة قال: هذا ليس عملي ولا مسؤوليتي هناك جهات أعلى مني تطبق القانون، وكأن القانون مطبق بجميع حذافيره، عدا سـينما أطلس لا تطبق القانون، فغلقت لمدة سبعة أيام مع غرامة (50) الف دينار عراقي وتم تجديد الإجازة.

تظاهرة وطنية وحمامات السلام

يقول الاستاذ غريب دوحي: دور العرض السينمائي في البصرة أو غيرها من المحافظات لم تصمد أمام التحديات الجديدة وأبرزها انتشار الستلايت والقنوات الفضائية المتعددة التي احتلت البيوت كما أن للأوضاع الأمنية دوراً مهماً’ في تقليص نفوذ هذه الوسيلة الترفيهية والثقافية. مضيفاً: لا نزال نذكر فترة الستينات من القرن الماضي، وزحام هذا المكان بالشباب وخاصة في أيام الأعياد والمناسبات، حين يتزاحم الشباب للحصول على مقعد في هذه السينما أو تلك عندما تعرض الأفلام المغرية العربية منها والأجنبية وخصوصاً الهندية التي كانت تغري الناس بالدخول إلى السينما، وتبقى هذه الدور إلى وقت متأخر من الليل (الدور الثاني). متابعاً: في الرصيف المقابل لسينما الوطني الشتوي ثمة رجل يقوم ببيع لفات (الأبيض والبيض) وهي عبارة عن خبز أبيض ملفوف بالبيض المسلوق، كما لا يمكن أن ننسى (تومان) ذلك الرجل الأسمر ذو المنخرين العريضين الذي كان يعلن عن اسم الفيلم ومحتواه كدعاية مرحة وهو يجوب شوارع العشار بلافتة كبيرة تحوي موضوع الفيلم المعروض.

وعن الذكريات وبعض الاحداث ذكر دوحي: ومن بين ذكريات التي لا تزال عالقة في الذهن، إن إحدى هذه السينمات عرضت فيلم (الأم) المأخوذ من رواية (الأم) لمكسيم غوركي، كان ذلك عام 1959. مبيناً: أن عرض الفيلم تحول إلى تظاهرة وطنية، فأطلق المشاهدون الحمام الأبيض ((حمامات السلام)) داخل قاعة العرض وتعالت الهتافات بحياة الزعيم عبد الكريم قاسم، وبعد انتهاء العرض استحال جمهور المشاهدين إلى تظاهرة سلمية جابت شارع الوطني وهم يرددون الأناشيد الوطنية التي تمجد الصداقة العراقية السوفييتية. مردفاً: وهكذا كان الفيلم السينمائي أداة لإظهار المشاعر الوطنية وأداة لتحريض الجماهير الشعبية.

5 قاعات جديدة ولكن؟!

في بداية العام الحالي شهدت البصرة  افتتاح 5 قاعات للسينما ضمن منتدى البصرة للسينما في البصرة تايمز سكوير، القاعات الخمس حملت كل واحدة منها اسماً من اسماء دور العرض السينمائية التي كانت في البصرة قديماً ( الكرّنَك والوطني والرشيد والحمراء والأطلس).

اربع من قاعات العرض السينمائي الجديدة بسعة 100 مقعد، عدا القاعة الكبرى التي تحمل اسم "سينما الوطني" حيث تحتوي على 300 مقعد.

عن تلك القاعات وهل ستأخذ مكان دور السينما التي اخذت اسماءها، يقول الفنان حبيب حسين لـ(المدى) لابأس هي خطوة تحسب لمن اقدم عليها. مستدركاً: لكن ماهية الافلام التي سيتم عرضها في السينمات، وهل تخضع للرقابة (الفكرية) أم مسموح بعرض ايّ فيلم. مردفاً: الأمر الآخر هل المجمتع البصري الحالي مستعد لتقبّل فكرة السينما والجلوس امام شاشة كبيرة من دون أن يمسك بالهاتف النقال أو أن يضعه على الصامت؟.

وأضاف حسين: قبل كل ذلك، علينا اشاعة ثقافة السينما وتقاليد دخولها والجلوس والاستمتاع بالفيلم، منوهاً: الى أن الجيل الحالي لاعلاقة له بتقاليد السينما، فهو جيل مواقع التواصل الاجتماعي والسرعة والحركة. مبيناً: أن السينما لها طقوس خاصة لايمكن التخلي عنها.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced