من نتائج فوضى التوسع العشوائي..التجريف يكتسح بساتين النخيل فـي ذي قار
نشر بواسطة: mod1
الأحد 24-09-2017
 
   
حسين العامل - المدى

لم يخطر ببال الفلاح أبو حمزة، أن يأتي اليوم الذي يشهد فيه زحف الجرافات على بستان النخيل الذي غرس فسائله منذ اكثـر من 50 عاماً، عند تخوم مدينة الناصرية. فبعد أن قرر مالك البستان تقطيع أرض البستان وبيعها أراضٍ سكنية بمساحات مختلفة، عندئذ لم يتبق لأبي حمزة سوى التحسر على ضياع تعب السنين وذكريات الفلاحة وخسارة طعم الرطب وبقية فاكهة البستان. أبو حمزة ليس الفلاح الوحيد في محافظة ذي قار الذي يشكو التجريف الذي تحول الى ظاهرة مقلقة في الأوساط الزراعية والبيئة الذيقارية.

توسع عشوائي محبط للآمال

رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في ذي قار، مقداد الياسري بيّن لـ(المدى): أن مساحة البساتين المزروعة بالنخيل في محافظة ذي قار تبلغ (42) ألف دونم، وتضم تلك البساتين أصنافاً مميزة وجيدة من النخيل، أبرزها الشويثي والاستعمران والخضراوي والبريم والكنطار، وأنواع أخرى أقل تميزاً، تستخدم في صناعة الدبس والخل أو كأعلاف للحيوانات. موضحاً أن، اغلب البساتين التي تعرضت للتجريف كانت تشكل أحزمة خضراء  للمدن كونها تقع في محيطها وطالها التوسع العمراني للمدن .

ويؤكد الياسري: أن التوسع العشوائي للمدن يجري بطرق غير مدروسة وغير قانونية. لافتاً الى أن، المشرع العراقي حرص على الحفاظ على النخيل، فالفلاح الذي يزرع الأرض بالنخيل يسمح له القانون بتملك تلك الأرض حتى لو كان متجاوزاً عليها، وذلك وفق ضوابط معينة تنسجم مع تعليمات رقم 25 وقانون 117. متابعاً، كما انه وضع ضوابط تتضمن الغاء ملكية العقار الزراعي في حال تم تغيير جنس الأرض من بساتين نخيل الى دور سكنية".

ويعزو رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية أسباب لجوء الفلاحين الى التفريط ببساتين النخيل وبيعها كقطع سكنية، الى المغريات المادية الكبيرة التي توفرها عملية بيع العقارات، والى فقدان الجدوى الاقتصادية لتلك البساتين نتيجة الاهمال وانعدام الدعم الحكومي لأصحاب البساتين. مشيراً الى أن، سعر قطعة أرض سكنية صغيرة مقتطعة من بستان للنخيل، بات يتجاوز الـ 100 مليون دينار في بعض الأحيان، وهذا مبلغ كبير لا يحصل عليه الفلاح من واردات النخيل لو عمل فيها لعدّة سنين.

ذي قار بلا حزام

ويشير الياسري الى أن اتحاد الجمعيات الفلاحية، سبق وأن حذر الجهات المعنية بالحكومة المحلية من الآثار الاقتصادية والبيئية الناجمة عن تجريف بساتين النخيل، مشدداً على اهمية احترام عمّتنا النخلة التي قدستها الكتب السماوية والأنبياء والرسل. متابعاً، إن الحفاظ على بساتين النخيل واجب ومسؤولية جميع الجهات، كون بساتين النخيل واحدة من مقومات النشاط الاقتصادي في القطاع الزراعي، وكذلك لأهميتها البيئية كونها تمثل أحزمة خضراء لمدينة الناصرية التي تعاني العواصف الترابية، وتسهم في تثبيت التربة وتحافظ على المساحات الخضراء وتزيد من جمال المدن وتوفر مساحات وأماكن ترفيهية للسكان المحليين.

وعن أسباب التدهور الذي طال بساتين النخيل، قال رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية: إن من ابرز الاسباب التي أدت الى الاضرار ببساتين النخيل تتمثل في الارتفاع الكبير في نسبة الملوحة في مياه نهر الفرات المستخدمة في سقي النخيل، كون اغلب بساتين النخيل في ذي قار تقع على عمود نهر الفرات، وهذا ما ادى الى قلة انتاجها من التمور وتراجع المساحات المزروعة بالخضار ضمن تلك البساتين والتي كانت تشكل مورداً اضافياً لأصحاب البساتين. مضيفا،ً كما تفاقمت معاناة اصحاب البساتين بسبب غياب الدعم الحكومي وعدم توفير المكننة الحديثة في زراعة وادامة وحماية بساتين النخيل من الآفات الزراعية .

ويبيّن الياسري، أن الفلاحين ورغم التطور الكبير الذي شهده العالم، مازالوا يستخدمون الطرق البدائية واليدوية التي تعود لعصر السومريين في جني وتصنيع التمور ومكافحة حشرتي الدوباس والحميرة، والأمراض الأخرى التي تصيب اشجار النخيل. مردفاً كلامه بالقول، إن البقاء على استخدام الطرق البدائية يحول دون تطور زراعة النخيل والارتقاء بصناعتها. مؤكداً حاجة المحافظة الى مكننة حديثة للاهتمام بأشجار النخيل وجني محاصيل التمور ومكافحة الآفات الزراعية، فضلاً عن الحاجة الى مكبس متطور لتعليب التمور والى معمل لصناعة الخل من محاصيل التمور، والى شمول محصول التمور بالدعم الحكومي إسوة بمحاصيل الحبوب من حنطة وشعير ورز . ويوضح الياسري، إن الدولة استثنت محاصيل التمور من سياسة دعم المحاصيل الزراعية، وهو ما جعل الفلاحين يلجأون الى بيع محاصيلهم من التمور بالأسواق المحلية بأسعار واطئة لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية، حتى بلغ سعر ( 75 كيلو غراماً ) من التمور المتوسطة النوعية بـ 20 ألف دينار .

الحميرة والدوباس بخير في ظل مكافحة شكلية

ويستطرد رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في حديثه لـ(المدى) تعذر رعاية اشجار النخيل التي يزيد طولها على (3) امتار ومكافحة الحشرات والأمراض التي تصيبها بالطرق البدائية، مشيراً الى أن، اطوال النخيل قد تبلغ (15) متراً في الكثير من البساتين، وهذا ما يجعلها لا تحظى بالاهتمام اللازم ويحول حتى دون تلقيحها وجني ثمارها في موسم القطاف. منوهاً الى أن المراكز الارشادية في المحافظة تفتقر هي الأخرى للمعدات الحديثة التي من شأنها أن تشجع الفلاحين على استخدامها في ادامة ورعاية بساتين النخيل. داعياً الى انشاء مراكز زراعية متخصصة لتطوير زراعة النخيل ودعم الفلاحين بالمكننة الزراعية المتطورة، فضلاً عن توفير الدعم المالي للفلاحين عبر القروض الميسرة والتسهيلات المصرفية التي لا تثقل كاهل الفلاحين.

وبشأن مكافحة الآفات الزراعية التي تصيب النخيل، قال الياسري: إن من اخطر الحشرات التي تصيب النخيل هي حشرات الدوباس والحميرة وحفار ساق النخيل وخياس طلع النخيل، فضلاً عن عنكبوت غبار النخيل، وهذه تتطلب مكافحة جوية سنوية بالطائرات، كون اشجار النخيل من الاشجار العملاقة ويتعذر مكافحة الأمراض والحشرات التي تصيبها بالطرق اليدوية والبدائية المعتمدة حالياً. مشيراً الى أن، بساتين النخيل في ذي قار لم تحظ بالمكافحة الجوية بالطائرات سوى مرتين طيلة الـ 14 عاماً الماضية وبكميات غير كافية من المبيدات.

ويبيّن الياسري: إن آخر عملية لرش المبيدات الحشرية من خلال الطائرات كانت شكلية وغير مجدية، فالمبيدات التي استخدمتها الطائرة كانت تكفي لـ(500) دونم فقط، في حين أن المساحات المطلوب شمولها بالمكافحة تبلع (25) ألف دونم من اصل (42) الف دونم، تمثل مجمل مساحة بساتين النخيل في ذي قار. منوهاً الى اجراء المكافحة في أوقات غير مناسبة. مشيراً الى أن، الاصابات والأمراض التي تتعرض لها بساتين النخيل في المحافظة، انعكست سلباً على انتاج التمور، وجعلت منها غير ذات جدوى اقتصادية وهو ما يدفع الفلاحين الى اللجوء لبيع بساتينهم كقطع أراضٍ سكنية وعدم صمودهم أمام المغريات المادية الكبيرة.

مخاطر بيئية وتشريعات مشددة

وعن المخاطر البيئية الناجمة عن تجريف البساتين، قال مدير بيئة ذي قار المهندس محسن عزيز لـ(المدى)،   إن تجريف بساتين النخيل واحدة من المظاهر المضرّة بالبيئة، ناهيك عن اضرارها الاقتصادية. مشيراً الى أن، من اكثر المتضررين من هذه الظاهرة هم سكان المدن القريبة من تلك البساتين، كونهم سيتعرضون للعواصف الغبارية .لافتاً الى أن، الدوائر المعنية بمكافحة ظاهرة تجريف النخيل، شكلت لجنة خاصة تضمّ مديريات الزراعة والبيئة والشرطة البيئية ودوائر أخرى لمتابعة هذه الظاهرة والحدّ منها.

ونوّه عزيز الى: اقامة العديد من الدعاوى القضائية من قبل مديرية الشرطة البيئية على المتورطين بتجريف بساتين النخيل، لافتاً الى أن، مديرية البيئة واللجنة الخاصة تتواصلان باستقبال شكاوى المواطنين بهذا الصدد واتخاذ الاجراءات القانونية المطلوبة بشأنها. مشيراً الى أن، القضاء البيئي يحاسب المخالفين وفقاً للضرر البيئي الناجم عن عملية التجريف.

ودعا مدير بيئة ذي قار الحكومة المحلية الى اتخاذ المزيد من الاجراءات للحد من هذه الظاهرة التي أخذت تطول الكثير من البساتين وتهدد الحزام الأخضر المحيط بالمدن وتؤدي الى عدم تثبيت التربية. مؤكداً على اهمية اصدار تشريعات جديدة تشدد العقوبات على المتورطين بتجريف البساتين وإلزامهم بتعويض المساحة المجرفة بزراعة مساحات مماثلة تعويضاً عن المساحات التي تم تجريفها، وكذلك إلزام اصحاب المشاريع الاستثمارية التي تقام على أراضٍ كانت مزروعة بالنخيل، بمضاعفة المساحات المجرفة في أماكن أخرى وذلك لديمومة الغطاء النباتي والمحافظة على البيئة من مخاطر التلوث. محذراً، من الآثار والأضرار البيئية المستقبلية التي تخلفها ظاهرة تجريف البساتين كونها ستؤدي الى زيادة مخاطر العواصف الترابية نتيجة تعرية التربة وعدم وجود حزام أخضر يصدُّ تلك العواصف ويخفف من آثارها  المضرة بالسكان المحليين .

(40) إلى (45) ألف نخلة

وعن  استفحال مظاهر تجريف بساتين النخيل المحيطة بمراكز المدن وتحويلها الى أراضٍ سكنية، قال معاون مدير زراعة ذي قار رئيس مهندسين، فرج ناهي ثمار لـ(المدى) إن مشكلة تجريف البساتين المحيطة بمدن المحافظة باتت اليوم من المشاكل المؤثرة على الرقعة الخضراء وانحسار المساحات المزروعة بالبساتين وتحويلها الى أراضٍ سكنية. مشيراً الى أن، البساتين التي تم التجاوز عليها بصورة واسعة تقع ضمن محيط مركز مدينة الناصرية كبساتين عشائر آل أبو سوف والسديناوية وصوب الشامية، وكذلك بساتين في قضاء سوق الشيوخ وناحيتي الفضلية والعكيكة ووحدات إدارية أخرى.  ويبيّن معاون مدير زراعة ذي قار: إن مشكلة تجريف البساتين تحصل في معظمها بالبساتين المحيطة بالمدن التي تتعرض للزحف السكاني، فيما لا تتعرض البساتين البعيدة عن مراكز المدن لتلك المشاكل. لافتاً الى أن، اعداداً كبيرة من بساتين النخيل المحيطة بالمدن تحولت الى عقارات ومناطق سكنية. وبشأن اجراءات مديرية الزراعة للحد من مظاهر التجريف، أوضح ثمار، إن مديرية الزراعة عملت على تشخيص المشكلة بصورة مبكرة من خلال الشعب الزراعية التابعة لها والتي تتوزع على جميع الوحدات الإدارية في المحافظة من خلال حصر المتجاوزين ورفع أسمائهم للجهات المعنية برفع التجاوز، كون توجيهات أمانة مجلس الوزراء لعام 2016 تخوّل القائممقامين ومدراء النواحي بممارسة صلاحياتهم الجزائية برفع التجاوز الحاصل على البساتين وفقاً لقانون حماية المنتج الزراعي المرقم رقم 71 لسنة 1968. مشيراً الى أن، قانون حماية المنتج الزراعي يعتبر الاراضي الزراعية والبساتين ومناطق الأهوار ومنتجاتها ووسائل الانتاج الزراعي، ثروة قومية يتوجب على اصحابها وذوي العلاقة فيها والمسؤولين التصرف فيها وإدارتها واستغلالها بصورة صحيحة.

وينوه أيضاً، الى أن القانون فرض عقوبات تتضمن الحبس والغرامة للمخالفين، لكن المسؤولين المعنيين بتنفيذ القانون لم يستخدموا صلاحياتهم بصورة واسعة للحد من استشراء المشكلة التي أخذت تتفاقم في الأعوام الأخيرة. داعياً ادارة المحافظة ورؤساء الوحدات الإدارية الى تفعيل دورها للحد من التجاوز على بساتين النخيل ومحاسبة المتجاوزين .

وأشار معاون مدير زراعة ذي قار الى: أن مديرية الزراعة لجأت الى مخاطبة مكتب التحقيق القضائي وادارة المدعي العام في المحاكم ومكتب المفتش العام في وزارة الزراعة / قسم التحقيقات حول التجاوزات الحاصلة على المناطق الخضراء، لغرض اتخاذ الاجراءات المطلوبة للحد من هذه الظاهرة المضرّة بالاقتصاد المحلي والوطني وانتاج التمور والبيئة. موضحاً أن، مشكلة تجريف البساتين أثرت بصورة كبيرة على اعداد النخيل بالمحافظة، حيث تراجعت اعدادها وعلى انتاج التمور، فضلاً عن الآثار البيئية، كون البساتين والمناطق الخضراء تشكل حزاماً أخضر يحمي المدن من العواصف الترابية، ويعمل على خفض حدة درجات الحرارة. مضيفاً، كما اثر تجريف البساتين على السلة الغذائية وكذلك الثروة الحيوانية من خلال تقليص المساحات المزروعة بالخضروات الورقية والجت والبرسيم التي تزرع في الغالب تحت اشجار النخيل .

محاسبة المجرفين قانونياً

محافظ ذي قار يحيى الناصري، سبق وأن بحث في وقت سابق مع اللجنة العليا للمبادرة الزراعية سبل دعم الفلاحين والانتاج المحلي وآليات الاستفادة منها، موكداً إنها كانت بالفترات السابقة متدنية لأسباب عدة، أبرزها غياب العقود الزراعية. وقال الناصري، إن المبادرة الزراعية مهمة جداً وامكاناتها المالية جيدة، ولكن للأسف، إن محافظة ذي قار لم تستفد منها بالفترة الماضية إلا بمستويات متدنية ونسبة 1.5% من امكاناتها، وكان هذا أحد المعوقات الأساسية للنهوض بالواقع الزراعي في ذي قار .  كما سبق وأن أكد النائب الأول لمحافظ ذي قار، عادل الدخيلي، على احالة المتسببين بتجريف البساتين الى القضاء ومحاسبتهم لمخالفتهم القوانين الخاصة بالحفاظ على الأراضي الزراعية، خلال ترؤسه اجتماعاً للجنة الزراعية العليا بحضور مدير زرعة ذي قار وعدد من الدوائر، وبحث فيه محاسبة مجرفي البساتين والاراضي الزراعية من قبل مالكيها وتحويلها إلى قطع أراضٍ وبيعها كأسهم على المواطنين، بخلاف القانون والشروط التي وضعتها وزارة الزراعة في التعامل معها كأرضٍ زراعية غير قابلة للتغير . وشدد الدخيلي على منع إفراغ الأسهم في الطابو الزراعي وتقسيم المسطحات الخضراء والبساتين بطريقة غير قانونية الى قطع سكنية، للحيلولة دون نمو الزراعة وتطويرها، مشيراً إلى، عقد اجتماع مقبل يضمّ مدير دائرة التسجيل العقاري والمشاورين القانونيين في مديرية الزراعة، لمناقشة القرارات التي تمنع تجريف البساتين وعدم أحقية أصحابها ببيعها كأسهم زراعية . ودعا رئيس اللجنة الزراعية العليا في ذي قار، إلى عدم التفريط بالمسطحات الخضراء والحفاظ على ديمومة الزراعة وتطويرها في ظلّ المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق والحاجة الماسّة للمنتج الزراعي الوطني والاعتماد عليه بصورة رئيسة.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced