بين الوعود والأمـل... الموصل القديمة "تستغيث" فهل من مُجيب؟
نشر بواسطة: mod1
الأربعاء 06-12-2017
 
   
الموصل / أحمد محمد غصوب- المدى

تُصنّف الموصل القديمة ضمن أقدم التجمعات السكانية في العالم المتواصلة الحياة فيها، إذ يرجّح البعض الى أنه يرجع إلى الألف الخامس قبل الميلاد، وأصبحت بعد اندثار الإمبراطورية الآشورية سنة 612 ق.م المركز الحضاري للموصل، وحكمت من قبل عدّة دول وإمارات أهمها الاتابكية والزنكية والتي استلهمت منها أبرز معالمها، حيث بدأت تتكون بصمتها الثقافية والمعمارية والاقتصادية بسبب موقعها المهم، حيث يحدها من الشرق نهر دجلة، وقد بنى الآشوريون عدداً من القلاع للدفاع عن أنفسهم الواقعة فوق التل المسمّى "تل قليعات" على شاطئ دجلة مقابل مدينة نينوى والتي سمّيت بالحصن العبوري.

سمات المدينة القديمة وخصائصها

أما عن خصائصها فهي عبارة عن أحياء سكنية تتميز بأزقتها الضيّقة، ويصل عرضها في بعض المناطق إلى أقل من متر ولا يتجاوز عرضها الثلاثة أمتار، كما أنها تتوسع في بعض المناطق لتصل الى خمسة أمتار، وهي شوارع متعرجة تسمّى باللهجة الموصلية " العوجات “، ولهذا السبب يكون سير العجلات مستحيلاً فيها وعملية إدخال مواد البناء أو الأثاث تكون بواسطة عربات تجرها الخيول أو الإنسان. ومنازلها المبنية منذ قرون تصطف جنباً إلى جنب على جانبي الأزقة، ولكل منزل باب حديدي أو خشبي، ويتوسطه ساحة وربما حديقة صغيرة تسمّى "الحوش"، وفيها سرداب اوسردابان ويحيط الحوش باقي مكونات المنزل وهي غرف المعيشة والنوم وتفصل عن بعضها مساحات مفتوحة للحوش تسمّى " ايوان" والمطبخ والحمام، وغالباً ما تنشأ الحمامات في السطح لإبعاد الروائح الكريهة عن السكان. وتمتاز هذه الدور بخصائص معمارية وإنشائية تعطي بصمة للمنزل الموصلي، بالرغم من عمليات هدم الكثير من المنازل في العقدين الأخيرين من قبل أصحابها وتشييد منازل بدلاً منها، لكن المدينة القديمة حافظت على طابعها التراثي سواء في تشييد المنازل الحديثة أو بصمات التاريخ على واجهات ومداخل المنازل القديمة. وتنتشر بين الأزقة بعض الدكاكين الصغيرة ومحال بيع الخضار التي توفّر للأهالي احتياجاتهم اليومية، كما تتميز أزقة الموصل القديمة بوجود القناطر. وتحوي المدينة القديمة عدداً من الدوائر الحكومية المهمّة، مثل مبنى المحافظة وبعض المصارف ومراكز شرطة ومراكز صحية. أبرز سمات المدينة القديمة الاثرية، هي السور والبوابات التي صنعت تأريخها وأعطتها ملامحها وارتبطت بالعديد من موروثها الثقافي والتراثي والشعبي، ويذكر، شمس الدين سامي، في كتابه "قاموس الأعلام"، أنه "كان في سور الموصل ثماني عشرة قلعة – أي برج – وعليه فقد كان في القسم المشرف على النهر ستة بروج". ويوجد جزء من السور، داخل مرآب لتوقف العربات التي تجرها الحيوانات أو الإنسان في منطقة باب الطوب. وبالنسبة لأبواب الموصل التي كانت تربط المدينة بالعالم الخارجي عبر السور، فهي ثلاثة عشر باباً، كما يذكر المؤرخون، ولم يعد لها أيّ اثر حالياً وهي" باب الجسر، باب الشط، باب العمادي، باب سنجار، باب لكش، باب البيض، باب الجديد، باب الطوب، باب السر، باب العراق، باب كندة، باب السراي وباب الوباء"، وكل تسمية للأبواب اخذت من المكان التي تؤدي اليها أو الوظيفة التي تقوم بها.

أبرز مناطق المدينة القديمة

تضم أكثر من ٣٥ حياً سكنياً متداخلة مع بعضها، ونادراً ما يفصلها شارع أو أزقة ضيّقة، وأخذت تسميتها إما من معلم فيها مثل جامع أو كنيسة أو الى القبيلة التي سكنتها أو الى السوق المحاذي لها، وأبرزها" باب لكش، الساعة، خزرج، تغلب، الميدان، النبي جرجيس، حضيرة السادة، جامع خزام، السرجخانة، القطانين، المكاوي، محلة اليهود".

وبالنسبة لمكوناتها، فقد سكن المدينة القديمة منذ القدم خليط من المسلمين والمسيحيين، قبل أن يفرض داعش عليهم مغادرة المدينة.

تتميز الموصل وخصوصاً المدينة القديمة منها بنشاطها الاقتصادي الكبير، حتى أن الكثير من العوائل المرتبطة بقبائل أوعشائر أخذت تسمية العائلة من المهنة التي توارثتها أباً عن جد أو مهنة الجد الكبير للعائلة مثل "العلاف، الدباغ، الملاح، التوتونجي، الخباز، الحداد، الصائغ، البزاز"، وقد تجد هذه التسمية لأكثر من عائلة واحدة ومن مختلف الانتماءات العرقية أو الدينية.

وهذه الأسواق عرفت بتخصصها حسب نوع الحرفة أو المهنة أو التجارة وأبرزها سوق الصاغة المختص ببيع وصياغة الذهب، وسوق باب الطوب، وسوق باب السراي، سوق الشعارين، سوق العطارين، سوق القطانين سوق السرجخانة، سوق العتمي، سوق الجام (بيع الزجاج) شارع النجفي مختص ببيع الكتب القرطاسية ، سوق هرج، خان المفتي.الجدير بالذكر، أن مدينة الموصل كانت قلعة صغيرة، نشأت قديماً على الساحل الأيمن من دجلة، في المكان الذي يُعرف بمحلة القلعة، وبحسب روايات تاريخية عُرفت هذه المحلة في السريانية باسم "حصنا عبرايا"، أي الحصن العبوري، وفيما بعد توسع هذا الحصن في العصر الإسلامي وباتت الموصل المعبر الذي يمر به كل قاصد، وهي حلقة الوصل بين بلاد الرافدين ومحيطها تجارياً واقتصادياً واجتماعياً، ومن هنا جاء اسمها "موصل".

تحرير الموصل القديمة

رغم مرور عدّة اشهر على تحرير الموصل القديمة من قبل القوات العراقية التي خاضت معارك ضارية مع تنظيم داعش الارهابي، لاتزال البلدة القديمة خطرة ويمنع الدخول إليها، إلا أنه بالرغم من ذلك أخذت الحياة تدب تدريجياً في بعض الأحياء الغربية من الموصل رغم انقطاع الكهرباء ومياه الشرب وانتشار الألغام. (المدى) التقت عدداً من الذين اختاروا العودة إلى بيوتهم بالرغم من كل شيء، والذين مازال المواطن يعاني من الكثير من أساسيات الحياة الكريمة خصوصاً في أيمن الموصل الأكثر تضرراً.

حيث طالب أهالي الجانب الأيمن لمدينة الموصل الجهات الحكومية بإعادتهم إلى مناطقهم وإنهاء معاناتهم في المناطق التي نزحوا اليها، حيث يعيش أغلب أهالي تلك المناطق في منازل مؤجرة في الجانب الأيسر من المدينة. كما دعوا السماح لهم بالعودة الى مناطقهم المستعادة، على الرغم من الدمار الذي طال مناطقهم نتيجة معارك الاستعادة وتمكينهم من إعادة إعمار منازلهم المدمّرة. ونظم مواطنون من أهالي الجانب الأيمن تجمعاً للمطالبة بإعادتهم إلى مناطقهم، حيث تسير عملية إعادة الحياة إلى الجانب الأيمن الذي تضرر كثيراً بشكل بطيء، نتيجة محدودية وضعف إمكانيات الحكومة المحلية أو عدم نزاهة أغلب من بيدهم السلطة المحلية للموصل.

محمد علي ناشط مدني من محافظة نينوى تحدث لـ(المدى) أن هناك عزوفاً كبيراً عن عودة أهالي أيمن مدينة الموصل، كون أكثر مناطق الجانب الأيمن، خصوصاً المدينة القديمة، لا يوجد بها مأوىٍ للسكان وهي مدمّرة بشكل كامل. مضيفاً: أن بعض المناطق وصل فيها حجم الدمار الى نسبة 95% والبعض الآخر إلى 90% والتي ممكن العودة إليها هي منطقة الموصل الجديدة وبعض أماكن وادي حجر، أما باقي المناطق لا يمكن العودة إليها لأن الدمار يستبيحها بالكامل. مبيناً: أن اغلب سكنة المدينة القديمة العاملين في القطاعات التجارية والصناعية مازالوا في الخيام لا يستطيعوا الرجوع لعدم وجود مأوٍ لهم.

بشار عبد السلام، وهو مواطن من سكان المدينة القديمة بيّن لـ(المدى) لانريد العودة إلا بعد توفير بعض الخدمات هم لا يعلمون كم هو حجم الدمار هناك، مشيراً الى أننا تخلصنا من داعش الإرهابي على يد القوات الأمنية، لكن بودّنا العودة إلى بيوتنا وهي مزدانة ومشمولة بالعمل والإعمار.

فيما بيّن محمد وليد، من سكنة منطقة البورصة التجارية في أيمن الموصل، أن بعض القوات الأمنية يمانع عودتهم الى بيوتهم، حيث طالب عبر (المدى) سماح الجهات الأمنية له بالعودة، معللاً السبب، أنه لا يقوى على إيجار المنازل المرتفع، وإن سكنه في بيته المدمّر أهون من دفع بدل الإيجار المرتفع، خصوصاً أنه بلا عمل.

البقاء في المخيّمات أرحم ؟!

بين رافض وقانع بالعودة، يتبادر الى الذهن التساؤل التالي، أين هم من اطلقوا عند بدء عمليات استعادة الموصل خطط الإعمار، بخاصة أنه قبل أيام، مرّت الذكرى السنوية الأولى لانطلاق عمليات استعادة الموصل، فها هو عام يمر، ولا نلحظ وجوداً لأيّ إعمار يذكر. عشرات الآلاف من العائلات العراقية تركت مخيّمات النزوح التي كانت قد لجأت إليها، وعادت إلى مناطقها في الساحل الأيسر (الشرقي) لمدينة الموصل (شمال)، بعد تحريره من سيطرة (داعش). وعلى الرغم من أنّ تلك المناطق المحررة غير مؤهلة لاستقبال أهل الموصل العائدين مع انعدام الخدمات والأمن فيها، إلا أنّ العائلات تعود إليها آملة ببدء الإعمار والخلاص من المخيّمات وعودة الأبناء إلى الدراسة.

يقول منسّق حملة "نينوى أولاً" لإغاثة النازحين، أحمد الملاح، إنّ عودة النازحين في الوقت الحاضر صعبة جداً لأسباب عدّة، لعلّ أوّلها يتعلق بتدمير عدد كبير من البيوت نتيجة القصف، بالتالي فإنّ عودة أصحابها ترتبط بإعادة الإعمار. مضيفا: فإنّ كثيرين من سكّان الجانب الأيمن نزحوا إلى الأيسر، وعند بدء الهجمات تحوّلوا من الأيسر إلى المخيّمات. ويشير الملاح إلى الخدمات شبه المعدومة في الجانب الأيمن، فالماء غير متوفّر وكذلك الكهرباء ووسائل النقل والعمل عموماً. متابعاً: وهذه كلّها أسباب تجبر النازحين على السكن في المخيّمات ، وهو ما اختاره عشرات الآلاف منهم. إذ إنّ الحدّ الأدنى من الخدمات متوفّر فيها، في حين أنّه مفقود في مناطقهم الأصلية داخل الموصل بحسب ما يؤكد الملاح.

بناءً على متابعته لمجريات الأحداث في الموصل وأحوال النازحين، يوضّح الملاح، أنّ انتهاء النزوح خلال فترة قصيرة كلام غير دقيق، ما زالت المخيمات تأوي نازحين، فيما يسكن آخرون من هؤلاء خارجها في مدن مختلفة. مضيفاً: أنّ المخيمات ما زالت حتى الآن في حاجة إلى دعم. المشكلة الصحية لم تحلّ بالنسبة إلى الجرحى والمرضى، والاعتماد في الجانب الصحي ما زال على مراكز صحية صغيرة لا تمتلك إمكانات لإجراء عمليات صغيرة ولا لتقديم العلاج لحالات طارئة.

منوهاً الى عدم وجود أيّ دعم يشجّع النازحين على العودة إلى مدنهم. وعن خدمات الماء والكهرباء، يؤكّد الملاح أنّها ضعيفة جداً في مناطق الموصل المحررة، التي عاد إليها أهلها في ايمن الموصل القديمة. موضحاً: آخر ما سمعته من مدير البلدية في الموصل، أنّهم لا يملكون أيّ ميزانية، فالعمّال يعملون من دون أجر بدافع حبّهم لمدينتهم، فيما البلدية غير قادرة على شراء الوقود لتشغيل الآليات وغير ذلك. مشيرا: إلى أنّ الأكل كذلك يعتمد على المساعدات، لكنّ بعض الدوائر الحكومية تمكّنت من تسلم الرواتب من الحكومة، فسلّمتها لموظفيها، وهذا ما جعل الحركة الاقتصادية تدور في مناطق الجانب الأيسر وبعض أماكن الأيمن.

حجم الدمار لايُقارن

ولعلّ الخلاص من المخيمات هو ما يحرّك رغبة هؤلاء في العودة إلى مناطقهم وبيوتهم على الرغم من أنّها مهدّمة وغير صالحة للسكن بغالبيتها، إلى جانب شبه انعدام للخدمات مع شحّ في العلاجات وتوقف المدارس عن التدريس. ويؤكّد نازحون عادوا إلى بيوتهم في الساحل الأيمن من الموصل، أنّهم يعانون كثيراً ويعيشون واقعاً سيئاً نتيجة انعدام أبسط الخدمات. وهؤلاء يرون أنّ توفيرها سهل التنفيذ، في حال أرادت الحكومة إيلاءها الاهتمام.

طه العجيلي، على سبيل المثال، كان يريد ترميم بيته تدريجياً، وهذا ما دفع به إلى ترك المخيّم والعودة إلى منطقته في الساحل الأيمن.

أمّا حسن الطائي، فيقول: إنّه عاد وسكن في بيته على الرغم من تعرّضه لقصف دمّر أكثر من نصفه، مشدداً على أنّ ذلك يبقى أفضل من مخيمات النزوح وحتى مشكلة ارتفاع الايجارات في الجانب الايسر للموصل. مضيفاً: كلّ ما ننتظره هو الانتهاء من تنظيف الجانب الأيمن من الموصل من النفايات وغلق كل الطرق بسبب الركام المتواجد في الشوارع والطرق الرئيسة والفرعية لكل مناطق الموصل القديمة.

بالنسبة إلى أبي خالد ، فإنّ العيش وأسرته في الساحل الايسر أو العودة، سيئ للغاية، ويقول: في الساحل الأيسر الأسعار غالية بكل شيء، من ناحية ايجارات المحال والمنازل، لذا نحن تركنا محالنا ومنازلنا في الموصل القديمة، معرباً عن أمله بأن تقوم الحكومة المحلية وعبر مؤسساتها الخدمية، في اعادة الروح والحياة الى أسواق باب الطوب وسوق السراي ومحال الصاغة والسرجخانة وباب الجديد والميدان والبيوتات، وهذا يعتبر القلب النابض لمدينة الموصل.

الى ذلك قال معاون محافظ نينوى، أمين ألفنش، إنّ الخسائر المادية كبيرة جداً في عدّة مناطق من الموصل، خاصة في المدينة القديمة، موضحاً: أن الكلفة الأولية لإعادة إعمار المدينة تتراوح بين 30 إلى 40 مليار دولار. مبيناً: أنّ أعمال إعادة الإعمار لكل الدوائر الخدمية جارية منذ تحرير الساحل الأيسر.

فيما أكد مدير بلدية نينوى عبد الستار الحبو، إن حجم الأضرار التي لحقت بالجانب الأيسر يصل الى 70%، فيما بلغت الأضرار في الجانب الايمن 90%، ولكن سنعمل على إعادة الحياة الى الجانب الأيمن مثلما فعلنا في الأيسر، من خلال خطة أعدّتها إدارة المحافظة بهذا الشأن.

سبق وأن اعلنت المنسّقة الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، ليز غراندي، أنه بحسب التقدير الحالي، فستكلف إعادة إعمار شبكات المياه والمجاري والكهرباء وإعادة افتتاح المدارس والمستشفيات في الموصل، مبلغاً يتجاوز التقديرات الأولية بأكثر من ضعفين. مؤكدة: أنّ حجم الدمار في الجانب الأيمن من الموصل، الذي شهد أشرس المعارك ضد داعش، لا يُقارن بالدمار في أية منطقة أخرى بالعراق.

النائبة عن الموصل فرح السراج، بيّنت في تصريح صحفي، أنه حسب تقديرات اليونسكو، فإنّ مقدار الأنقاض الموجودة في المدينة القديمة تكبر حجم برج إيفل بأربع مرات، وحجم الأهرامات بثلاث مرات، أمّا عدد الجثث الموجودة تحت الأنقاض فتُقدّر بأربعة آلاف جثة.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced