على رغم أضرار الزواج المبكر للفتيات، وتدخّل التشريعات للحدّ منه، تسجّل هذه الظاهرة ارتفاعاً متصاعداً في الأردن، توثقه إحصاءات رسمية، ويعزوه خبراء إلى عوامل عدة أبرزها الوضع الاقتصادي لأسر، والذي يحول دون قدرتها على الاستمرار في الإنفاق على بناتها من غذاء وعلاج وتكاليف دراسة جامعية. وتؤكّد الأرقام الواردة في التقرير الإحصائي الصادر عن دائرة الإحصاءات (دائرة حكومية) ارتفاعاً في عدد حالات الزواج المبكر للفتيات خلال الأعوام الأخيرة، إذ سجّلت أخيراً 10907 حالات، تقل أعمار الفتيات فيها عن الـ18 سنة، في مقابل 10866 حالة خلال عام 2015.
ووفق دراسة للمعهد الدولي للنساء الأردنيات «تضامن»، فإن نسبة الزواج المبكر إلى إجمالي الحالات ارتفعت 13.4 في المئة خلال العامين الأخيرين، وذلك على رغم جهود التوعية والإرشاد التي تبذلها الجهات والمؤسسات المختلفة.
ولا تقتصر حالات الزواج المبكر على الفتيات، إذ سجلت 334 حالة لذكور، علماً أن غالبية حالات الزواج التي يكون فيها عمر الزوج دون الـ18 سنة تكون فيها الزوجة «قاصراً» أيضاً، استناداً إلى الثقافة المجتمعية السائدة التي لا تتقبل أن تكون الزوجة أكبر سناً من الزوج (مع غياب تفصيلات حول الموضوع في التقرير المشار إليه).
ووفق «تضامن»، فإن الأسر التي يقل فيها عمر الزوجين عن الـ18 سنة، تتمتع بالأهلية الكاملة بكل ما يتعلّق بالزواج والفرقة وآثارهما، في حين لا تتمتع بالأهلية لمباشرة الحقوق المدنية والسياسية كالانتخاب وفتح الحسابات المصرفية والاقتراض والتملّك، أو الحصول على رخصة قيادة أو دفتر عائلة أو تسجيل حالات الولادة أو الحصول على جواز سفر أو تسجيل الشركات أو مزاولة المهن الحرة أو إقامة الدعاوى المدنية. كما لا يمكنها استئجار منزل الزوجية أو ترتيب التزامات مالية، إلا بوجود ولي أمر أحد الزوجين أو كليهما. ولا يمكن الزوجين التقدّم إلى الوظائف العامة أو العمل في القطاع الخاص بطريقة قانونية.
وتؤكّد «تضامن» أن تدخّل أولياء الأمور في غالبية تفاصيل الحياة الأسرية لهذه الزيجات يشكّل سبباً إضافياً ورئيساً للطلاق المبكر، وغالباً قبل الدخول، كما يشكل سبباً للتفكك والمشكلات الأسرية ما يهدد كيان الأسرة ويؤدّي بها إلى الانهيار.
ويكشف كاظم الكفيري، رئيس «جمعية حماية الأسرة والطفولة» في إربد، أنها سجلت في الأعوام الماضية حالات عدة لأطفال كانت أمهاتهن تزوجن وهن قاصرات وتطلقن بعد ذلك، وقليلة هي الزيجات التي صمدت، بالتالي فإن الأرقام المسجلة مؤشر إلى وجود مشكلة يجب التوقّف عندها.
ويعزو الكفيري أسباب زواج القاصرات لعوامل عدة، في مقدمها الوضع الاقتصادي لبعض الأسر، مؤكداً أن غالبية حالات زواج القاصرات وفق الدراسات، تشير إلى أنها تقتصر على الأسر الفقيرة التي تعاني من أوضاع معيشية صعبة.
وأجازت تعلیمات منح الإذن بالزواج وفقاً لما نشر في الجریدة الرسمیة، لمن أكمل 15 سنة شمسية من عمره، ولم یكمل الـ18 إذا كان زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة وفقاً لأحكام هذه التعلیمات، التي اشترطت بموجب الفقرة (ب) من المادة (10) من قانون الأحوال الشخصیة الرقم (36 ) لعام 2010، منح إذن الزواج بأن لا یتجاوز فارق السن بین الطرفین 15 سنة، وأن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنها من تحقیق منفعة أو درء مفسدة، وبما تراه مناسباً من وسائل التحقق، إضافة إلى أن یتحقّق القاضي من الرضا والاختیار والتأمین.
وتتفق رئيسة اتحاد الجمعيات الخيرية في إربد، رئيسة «جمعية الأسرة البيضاء» فايزة الزعبي، مع الكفيري في أن الزواج المبكر للفتيات سببه الرئيسي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها أسر خصوصاً في الأرياف، مؤكدة أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر. وطالبت بأن يعدّل القانون الذي يسمح بتزويج القاصرات لما لهذا الزواج من أخطار أسرية واجتماعية، من شأنها العمل على تفكيك الأسرة وانحرافها في حال تعرّض الفتاة القاصر للطلاق، كما أن «هذا الزواج عادة ما يحرم الفتاة من التعليم الجامعي لانشغالها بأمور الأسرة أو رفض الزوج أن تستكمل دراستها».
إسلام الزعبي، إحدى اللواتي أرغمهن ذويهن على الزواج المبكر وهي لا تزال في السادسة عشرة ومطلقة حالياً، بعد أربعة أعوام من زواجها، تشير إلى أنها وزوجها الذي يكبرها بعامين، دخلا في دوامة مشكلات من أسبابها تدخل الأهل في علاقتهما. وأوضحت أن أمها كثيراً ما كانت تفرض عليها تصرّفات مع زوجها وذويه، بحجة أنها جاهلة ولا تعرف شيئاً عن التعامل مع الناس، ما تسبب بحدوث مشكلات مستمرة مع زوجها الذي لم يجد حلاً إلا أن يطلّقها.
وتشرح فاطمة التي أرغمها ذووها على الزواج المبكر، الصعوبات التي واجهتها عندما اقترنت وهي في الرابعة عشره من عمرها، مشيرة إلى أنها تزوجت برجل يكبرها بـ15 سنة، وسافرت معه للعمل في بلد عربي، وهناك وجدت نفسها تدخل في مشكلات معه نظراً إلى خبرتها القليلة في الطهو وإدارة المنزل. ولعل أكبر مشكلة واجهتها كما توضح، هي عندما وضعت طفلها الأول بعد عام من زواجها، إذ كانت لا تعرف كيف تتعامل مع الوضع الجديد في ظل بُعدها من والدتها، جازمة بأنها تسببت لطفلها في مشكلات صحية كثيرة، نتيجة جهلها في التعامل مع حديثي الولادة.