هل يصلح الرجل للعب دور الأم في الحياة ؟
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 21-02-2011
 
   
موسى الخميسي
إلى حد قريب كان عامل الجنس يقررمكانة ودور الأفراد. فالمجتمعات كانت تتطرف بصورة كبيرة في عملية التفريق بين منزلة المرأة ومنزلة الرجل في جميع المجالات ، وفي الآونة الاخيرة بدأ وكأن مسلسل التطور المساواتي يأخذ في أوروبا تحديدا، مسارا يسمح بالتماثل بين الجنسين. وإذا أخذنا إيطاليا كنموذج، فإن ثمة تحولات كبيرة تسندها تشريعات قانونية تساير التطورات العاصفة في النظرة الاجتماعية الجديدة لدور الأمومة في المجتمع، فهناك تبادل للأدوار بين الذكور والإناث، إذ لم يعد دور الأمومة مقتصرا على الأمهات، وهذا لايجد معارضة كبيرة تذكر كما كان الحال في السابق. وقبل فترة قصيرة أقرت المحكمة الدستورية الإيطالية مبدأ المساواة بين العاملين ذكورا وإناثا في ما كان يطلق عليه حتى وقت قريب ” فترة الحضانة”، ومن الآن فصاعدا سيكون للعامل والموظف ” الأب” الحق في استراحة مدفوعة الأجرة لفترة ثلاثة أشهر لرعاية المولود الجديد، وفي حالة تعذر قيام الأم بمهام رعاية طفلها الوليد.

الحقيقة أن هذه التحولات تأتي بعد ما يقارب نحو أكثر من ثلاثين عاما على ظهور الحركة النسوية ” الفيمنوميزمو” التي عرفتها أوروبا الغربية، في أعقاب نهوض الحركة الطلابية في نهاية الستينات، وامتدادها لاحقا الى أجزاء أخرى من المعمورة، ولأسباب عديدة لامجال هنا لذكرها. برزت الحركة النسوية واحتلت دورا مرموقا في كل نواحي الحياة الإجتماعية الإيطالية، بالرغم من شيوع النظرة الذكورية أو بكلمة أدق هيمنة الذكر في المجتمع بحكم الثقافة الدينية الكاثوليكية التي تجد ركائز مؤثرة هنا. ولعل السبب الأبرز لإنتشار هذه الحركة يتمثل في قوة الأفكار التي جلبتها الأحزاب والحركات اليسارية، واتساع دور النقابات العمالية ونجاحها في انتزاع حق التعليم الجامعي شبه المجاني لكل طبقات المجتمع وبالاخص الفئات الفقيرة منه.

الكثير من النساء الإيطاليات اللواتي يحتلن موقعا قياديا في المجتمع، يعبرن عن قناعتهن بأن الطريق ما زال طويلا لتحقيق أسس جديدة تستند الى تشريعات في مجال الأمومة والنظرة الإجتماعية لهذا الدور الذي يعتبر أساس رقي المجتمع او انحطاطه، حيث تقول البرفسورة الجامعية لاورا بيوتي أستاذة مادة علم الإجتماع بجامعة لاسبينسا ” المعرفة” بروما، بأن الشيء اللامعقول امتثل هذه القرارات الذي أصدرتها المحكمة الدستورية في أوقات سابقة،  اقتصرت على الحالة التي يتعذر فيها قيام الأم بأعباء رعاية ولديها( حالة موتها أو مرضها أو حين تعمل الأم في مؤسسة مستقلة)، فلماذا يحق لعاملات المؤسسات المستقلة وحدهن التمتع بحق عدم الانشغال بالحضانة؟ القرار، مؤكد، خطوة الى الامام، وهو ينتمي إلى عموم الناحية الحقوقية في البلد تعامل قوانيننا في 90 في المئة من الحالات بين الجنسين بذات الطريقة، لكن تبقى العشرة في المائة بحاجة إلى وضع حلول عملية لأجل تحقيق المساواة.

الفروق بدأت تتضاءل يوما بعد  آخر، أهمها مسألة حمل اللقب الذي كان يتمتع به المواطن الذكر ، إذ أصبح من حق الوليد حمل اسم لقب أمه أو حمل لقب الأم والأب بشكل مشترك، والفرق الآخر الذي كان يمثل عائقا في قضية المساواة هو قضية الخدمة العسكرية، إذ شرعت الحكومة الإيطالية قانونا يسمح للمرأة خوض غمار الخدمة العسكرية جنبا الى جنب مع الرجل ، وكذلك دخول سلك الشرطة وقوات الدرك وشرطة المرور.

وبحكم التطورات العاصفة التي تشهدها أوروبا، والتي تسير نحو التخصص بالدور الإجتماعي والوظيفي، نشاهد في الحياة اليومية نساء أكثر ذكورة وذكورا أكثر أنوثة، وهذا التبادل في الأدوار لم يعرف له مثيل منذ مرحلة” المجتمع الأمومي”. وبهذه التحولات يرى العديد من علماء الاجتماع العديد من المخاطر في ما يتعلق بتبادل الأدوار وانسحابها على واقع التماسك العائلي الذي تتميز به إيطاليا عن غيرها من دول الاتحاد الاوربي. إذ أن الرأي يميل إلى أنه من الضروري أن يهتم الأب الجديد بالأبناء أكثر من قبل، ولكن كقرين وليس كأم، ثم إنه بدلا من أن يصبح كالأم نراه يتحول بدوره الجديد الى ما يشبه الطفل في سلوكه، متراجعا بذلك الى مرحلة طفولية، ولهذا يروح يعامل أبناءه كأنهم رفاق لعب.ويرى بعض علماء التربية الايطالية بأن هؤلاء الآباء يفضلون في سلوكهم مع أبنائهم العودة إلى الطفولة بدلا من أن يتحولوا إلى رجال أكثر أنوثة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أيمكن لأب بمثل هذا السلوك أن يؤدي مهمة ” الأمومة” ؟ أم أن الأمر سينقلب أمام الزوجة فتجد نفسها أمام طفل آخر بحاجة إلى الرعاية؟. وثمة تساؤلات أخرى تتعلق بحاجة الطفل ذاته لإشباع حاجاته المختلفة من الأم كأم والأب كأب، ويبدو أنه من الصعب الآن تحديد مستقبل هذه الأدوار.

على أية حال لقد توجهنا إلى محاولة تلمس تجربة الأب- الأم من خلال أحد أبطالها، فالتقينا بأحد الآباء الذي كان يطمح للعب دور الأم، وهو الفنان الايطالي اوكو تنياتي وعمره 33 عاما وهو يمارس التمثيل السينمائي والتلفزيوني، وقد تزوج من زميلة له بالعمل التلفزيوني، واتفقا على إنجاب طفل، وكان جوهر الاتفاق بينهما ينص على تناوب رعاية الطفل. بعد ولادة الطفل مباشرة بدأت الأم تشعر بالتعب للحد الذي يصعب عليها العناية بالطفل، بل تبدو وكأنها ترفضه، فدورها كأم كان قصيرا جدا، بحكم طبيعة عملها، وبدأ احساسها بالضيق يزداد لأنها لا تجد وقتا كافيا للعناية بالمولود الجديد، وهكذا اتفق الطرفان أن يواصل كل منا طريقه لوحده ، وجاء الافتراق بالطلاق بعد ان ازدادت حدة المشاكل بينهما. أما بخصوص الطفل فلم يرد أي من الزوجين استخدامه كذريعة لمعاركهم، وهكذا كان قرار  العناية به بالتناوب، ولذا صار الصراع بين الطرفين، كأمين. وفي مواجهة كل هذه المشاكل، إرضاعه، إلباسه، تغذيته، حمايته… الخ وجد الرجل نفسه في موقف قلق يشبه موقف الام التقليدي ، وفي المحصلة حاول أن يجد حلولا لكل هذه المشكلات التي انعكست سلبا على عمله وعلاقاته بالرجوع إلى الطرائق التي عاشها وهو صغير مع أمه.

لايزعل بعض من الرجال إذا قلنا لهم بأن مثل هذه السلوكيات حتى في واقع اجتماعي متطور  يحكمها الفشل، مع أن تصريحات العديد من أصحاب هذه الظاهرة لازالوا يستخدمون الصحافة والإعلام المحلي، يعبرون عن الإطمئنان إلى دور الرجل الأمومي ونجاحه فيه، إلا أنهم لايخفون قلقهم ومعاناتهم واضطرابهم الذي ولده هذا الإنعطاف النوعي الذي يحرف مسار عشرات، إن لم نقل مئات القرون من الزمن.

هذا الانعطاف ما زال يضع نفسه أمام المجهول، وربما سيكون بحاجة الى اختراع علم مختص به إما لكي يبرره، وبالتالي يكرسه، وإما يبيده لمصلحة حلول أخرى، لاتنتمي قطعا وتأكيدا إلى التوزيع الكلاسيكي للأدوار الطبيعية المتعارف عليها، إذ تذكر الإحصاءات المعلنة هنا بأن نسبة الطلاق تتصاعد إلى درجات مخيفة بسبب عدم قدرة الرجل للعب دور الأم، وإن نسبة كبيرة من الأبناء ينشأون ويترعرعون في الوسط الإجتماعي وهم يعانون جملة كبيرة من العقد النفسية التي تنسحب بشكل سيء على سلوكهم وعلاقاتهم ونتائج عملهم وإبداعهم في الحياة اليومية



 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced