“تشجينا جيتا” مصنع الاحلام الايطالية
نشر بواسطة: Adminstrator
السبت 23-04-2011
 
   
موسى الخميسي
في صالات مدينة السينما التي يطلق عليها اسم ” تشينا جيتا” في العاصمة الايطالية ، افتتح هذه الايام معرضا كبيرا مكرسا لتاريخ هذه المؤسسة العريقة .انها هولويود السينما الايطالية” ، افتتحها بتينو موسوليني في 28 ابريل عام 1937، وبدأ العمل السينمائي الفعلي سنة 1939 .يعتبرها  الايطاليون بمثابة معمل كبير لصناعة الاحلام الايطالية. وبمناسبة مرور  80 عام على ذكرى البدايات الاولىللانتاج السينمائي داخل استديوهات هذه المؤسسسة الكبيرة، تقام في ايطاليا احتفالات بهذه المناسبة التي يقدسها الطليان.

في عام 1934 تأسس اول معهد تجريبي للسينما في مدينة روما وبدأ بانتاج مجموعة من الافلام مكرسة لخدمة التوجهات الفاشية. وقد سعت المؤسسات الفاشية آنذاك من خلال ” جينا جيتا” ومنذ بداية التأسيس الى الاستيلاء على مجمل النتاج السينمائي لتوظيفه في خدمة اغراضها، اذ اكتشفت فيه الوسيلة الناجعة التي بامكانها الامتداد الى اي مكان لعرض افكارها واهدافها، ومجابهة ما تنتجه القوى اليسارية المعارضة لها التي سعت ان تكون البديل الذي يفك الحصار الفاشي من خلال التعبير عن الحاجات الوجدانية الحقيقية للناس، وان تكون الوسيلة الفنية التي تساعد على الانعتاق والتثقيف والمعرفة. وقد اشتهر عدد من المخرجين الطليان الذين واكبوا فترة الولادة والنهوض الاولى ومنهم المخرج الايطالي” الكساندرو بلازيتي” الذي اخرج مجموعة من الافلام وعلى رأسها  فيلم “كاليباردي” وفيلم” طاولة الفقراء” فيلم” 1860″ وغيرها من الافلام المتميزة، كما اشتهر المخرج ” كاميرتي” والمخرج ” ماريو ماتيولي”  وعشرات غيرهم، حيث تناولت هذه الافلام الظروف الاقتصادية والاخلاقية الصعبة في هذا البلد في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولى، وقد عكست التغيرات في المزاج الايطالي وفي ظروف الحياة اليومية كالشعور بالهزيمة والفقر والكآبة.

وقد ازدهرت صناعة السينما الايطالية في الفترة الفاشية بصورة منقطعة النظير، مقارنة بزميلاتها في الدول الاوربية الاخرى،  من خلال ثراء بالغ في وحداتها التعبيرية وتعدد صورها الفكرية التي مجدت قيمة الانسان فأكدت حقه في الحياة الشريفة . ففي عام 1939 بيعت اكثر من 359 مليون بطاقة دخول الى دور السينما في عموم البلاد، وفي عام 1940 بيعت اكثر من 386 مليون بطاقة. في عام 1938 انتجت”تشينا شيتا” 58 فيلم روائي طويل وفي عام 1939 حققت مدينة صناعة الاحلام 88 فيلم روائي طويل وعام 1940 انتجت 82 فيلما روائيا، وفي عام 1941 انتجت 90 فيلما روائيا. اما اثناء فترة الحرب العالمية الثانية فقد هبط الانتاج السينمائي بشكل خطير وصل الى حدود الصفر بسبب نقل الالمان عام 1943 لكل المعدات والاجهزة التي كانت متواجدة في استديوهات تشينا شيتا، الى المانيا، فقد اضطر العديد من السينمائيين الايطاليين مخرجين وممثلين وعاملين الى اخفاء اكبر عدد ممكن من هذه المعدات التي صدرت اوامر صريحة من قوات الاحتلال الالماني بالاستيلاء عليها لتسفيرها الى مدينة البندقية( فينسيا) ومن ثم وضعها تحت رقابة جمهورية ” سالو” القزم التي اقامها الالمان لموسوليني في الشمال الايطالي بحجة الحفاظ عليها من  آثار الحرب، وكان دي سيكا مع عدد آخر من العاملين في معامل واستديوهات السينما في” تشينا جيتا” ، قد سارع الى عقد اتفاق سري مع الفاتيكان يتضمن انتاج فيلم” ابواب السماء” بتمويل من حاضرة الفاتيكان، ليكون مبررا لبقاء بعض المعدات وطاقم من الممثلين والمخرجين والتقنيين داخل مدينة روما لانجاز المهمة، الامر الذي حال دون تدخل القوات الالمانية في فيلم ينتج بأمر من الفاتيكان مباشرة، وهكذا انقذ هذا الفنان العديد من العاملين والكثير من المعدات السينمائية في ايطاليا بعيدا عن ايادي النازية التي كانت تنوي الاستيلاء عليها ، كم نقل المخرج ” فريدي” هو الآخر مجموعة من المعدات والالات التصوير خفية في مدينة روما داخل عدد من البيوت والمقرات السرية التي كانت تابعة لقوات الانصار لحمايتها بعيدا عن عيون القوات الالمانية.

وبعد القضاء على الفاشية، دعت القوى الديمقراطية الى انتزاع السينما من احتكار المؤسسات الفاشية، لادراكها ان هذا الفن هو اداة تعبيرية حيوية مهمة، وهي وسيط حيوي يمكن من خلاله المساهمة في انعتاق الطبقات الفقيرة من براثن الفاشية ومؤسساتها التي سخرت الفيلم السينمائي لمخازي النظام وافكاره، ودافعت عنه زمنا طويلا،

فدعت هذه القوى الى خلق سينما تعبر عن حاجات هذه الفئات الشعبية المسحوقة، لاجل المعرفة وتقديم الواقع الثقافي والاجتماعي والتاريخي، وقد اسس الشيوعيون الايطاليون تعاونيات سينمائية اخذت تنتشر في عموم البلاد، حيث برز من هذه التعاونيات كبار مخرجي الواقعية الايطالية، الذين استطاعوا وبسنوات قليلة خلق سينما تتوغل في جوانب مهمة من حياة الناس، الامر الذي ادى الى دفع المسيرة السينمائية الى الامام شكلا ومضمونا.

لقد كانت اطروحة رائد الواقعية الايطالية روسلليني تقول” قبل كل شيء علينا ان نعرف الناس كما هم.. اذ يجب ان نحمل الكاميرا وننطلق الى الشوارع والطرقات وندخل البيوت، يكفي ان نخرج الى اي منعطف ونقف في اي مكان ونلاحظ ما يدور بعيون يقظة لكي نخرج فيلما سينمائيا ايطاليا حقيقيا” وكانت تلك الاطروحة بمثابة استنهاض لكل السينمائيين الايطاليين من اجل تحطيم الحواجز ما بين الفن والحياة، وبالتالي نقل الناس الى الشاشة في ظل ضغوط الحياة واشكالاتها القاهرة في زمن كانت فيه الفاشية وافكارها واساليبها ومفاهيمها لاتزال تسيطر على الواقع  الفني وتجرده من محتوياته الاصيلة كرؤية جميلة للعالم والاشياء، موازية لوجود الانسان على  الارض, ولم يكتف الفنانون الايطاليون بحمل كاميراتهم السينمائية للانطلاق في الطرقات والشوارع والبيوت حيث مثل ذلك الخروج الكبير والجريء الى الحياة الجديدة، بل اصبح هدفهم المشترك هو الشعب البسيط الذي كان يعاني الفاقة والانكسار والتسلط، فكان هذا الشعب هو اساس واقعيتهم، فبرز : روسلليني ، زفانتيني، دي سيكا،… وعشرات غيرهم لترتبط السينما بتقاليدهم الجديدة، وتتابع الواقعية الايطالية دورتها منذ منتصف الاربعينات من القرن الماضي باطلاق الطاقات الابداعية في مجال العمل السينمائي بعد ان ركزت نفسها وبدأت تأثيراتها في الظهور على مستوى السينما العالمية والتي نذرت بثورة سينمائية تعبيرية تقودها ” تشينا شيتا” تحاول اعادة خلق هذا الفن من جديد في ضوء ما افرزته السينما الهوليودية من افلام الغرب ورعاة البقر وقطاع    الطرق    والجاسوسية والافلام الموسيقية.  لايحتوي النمط الجديد من هذه الواقعية اي رسالة سياسية متأصلة، الا ان الخاصية التي تميزت بها تتمثل في مواقع التصوير وصقل الحوار، وتقديم الشخصيات الاساسية في الفيلم من غير الممثلين المحترفين بل من عامة الناس، لخلق احساس بواقعية الفيلم ، وهذا جعل السينما الجديدة اكثر من مجرد حركة فنية، بل انها صارت تجسد وجهة نظر تجاه الحياة بروح ديمقراطية تعكس قيمة الانسان الجديد.

ظهرت في ايطاليا الموجة الثانية الجديدة في الواقعية لتحمل على متنها موجة ثانية من المخرجين الذين خلقوا اساليب متميزة ذات تقاليد عريقة تبلورت في مجرى معارك الاستقلال والبناء، فبرز فيريري، فرنشيسكو  روزي، فلليني، فيسكونتي، اليو بيتري، بونتكورفو ودامياني وايتور سكولا وبازوليني وانطونيوني وبيترولوتشي.. الخ ليعطوا السينما الايطالية الجديدة سلاحها الفعال والمؤثر، الا ان حركة الواقعية الجديدة هذه سرعان ما اصطدمت بالبنى الاقتصادية التي تسارع نموها وازدهارها لتحتضن في طريقها السينما الجديدة بما يلائم اغراضها ومصالحها. كما ان المؤسسات السينمائية الامريكية بدأت تخاف على صناعتها السينمائية من المنافسة  القوية لنهضة السينما الايطالية فعمدت الى توظيف رؤوس اموالها لتنتج افلاما تاريخية مثيرة على الساحة الايطالية، وبنت داخل ” تشينا شيتا” استديوهات كبيرة لتنتج افلام رعاة البقر والافلام التاريخية الشهيرة وافلام الصفراء وافلام الرعب ، كما قامت بتقديم اموالا سخية واغراءات خيالية اضعفت السينما الايطالية ابداعيا شانها اي جهاز ثقافي حساس يسقط في سوق الرأسمال، وما ظل منها هو ما يسمى بالسينما الثقافية التي تمثل رموزا قليلة جدا ضمن المجرى العام الانتاجي التجاري الكبير الذي يغرق الاسواق ، وهو لايعدو ان يكون الوريث الرديء لما انتجته سنوات الخمسينات والستينات الايطالية. كما ان ” تشينا شيتا” تحولت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي الى معامل لانتاج افلام الكوميديا التي اطلق عليها” اسلوب الكوميديا الايطالية”، وهو اسلوب فكاهي ترافق مع التحدث بجدية حول المواضيع الاجتماعية، فحل هذا الاتجاه  محل افلام الواقعية.

الشيء الذي يفخر به الايطاليون هو صناعتهم السينمائية، فهم يفاخرون بانهم انتجوا مبدعين مثل ليونادردو دافنشي وميخائيل انجلو ودانتى الكيري وبيرانديللو ويفخرون بانهم انتجوا فلاسفة في فن السينما امثال انطونيوني وفلليني ودي سيكا وبازوليني وسكولا وروسلليني وفسكونتي وروزي.. الخ باعتبارهم جانبا اساسيا من ثقافة عصرنا الراهن وينبوعا من ينابيع الابداع تخرجوا من  مدينة السينما ، وهو المركز الاكثر سخونة في عموم اوربا الذي يبهر العالم بافلام مثل ” روما مدينة مفتوحة” لروسلليني و” الارض تهتز” لفسكونتي” و” سارق الدراجات” لدي سيكاو” قضية ماتي” لروزي” و” انتهى التحقيق المبدئي” لداميانيو” كيمادا الارض المحترقة” لبونتكورفو” و” الطبقة العاملة تذهب الى الجنة” لاليو بيتري ” و” اماركورد” لفيلليني” و” الموت في البندقية” لفسكونتي” وغيرها من الروائع التي خرجت من معطف ” تشينا شيتا” التي لاتزال الى يومن هذا تنتج الراوئع الايطالية والاجنبية، بعد ان خصصت استديوهات كبيرة منها لانتاج المسلسلات التلفزيونية الامريكية الشهيرة .

وظهرت شركات عالمية كبرى تخصصت في صناعة الافلام والمسلسلات التلفزيونية، الامر الذي استلزم تأجير الاستوديوهات والمعدات وتمويل الانتاج، بعدها اصبحت بنوك عالمية المصادر الرئيسية لتمويل الانتاج، وما لبث رجالها ان اصبحوا اعضاء في مجالس شركات السينما، وفي النهاية اصبحوا يوجهون هذه الصناعة الحيوية، واقتضى مثل هذا الامر توسيع” تشينا شيتا”، وشراء قطع اراض شاسعة خارج روما لمواجهة الطلبات الغربية المتزايدة.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced