قراءة في رواية شارع إبليس ...
نشر بواسطة: Adminstrator
الجمعة 27-05-2011
 
   
خلدون جاويد
لدى الأديب الجزائري أمين الزاوي قابلية على أخذك من رسغك برفق واستدراج ، لترى الواقعية الفاتنة وليس السحرية . والواقعية الفاتنة ـ وهي ربما تعريف من عندياتي ـ قفشة تقترب من فضاءآت الحلم أو السحر . فمثلا " حوتٌ على شجرة " لغابرييل غارسيا ماركيز مدعاة ٌ للتفكـّر! كيف يمكن أن يكون هناك حوت على أغصان الشجر . والمسألة باختصار ، هي أن هذا الحوت السيء الطالع قد عـَـلـِـق بين غصنين جبارين لشجرة أثناء الطوفان وظل عالقا بعد انسحابه . هنا أعطتنا الطبيعة صورة من صورها الواقعية السحرية . أما الواقعية الفاتنة ـ برأيي ـ تكمن في العلاقات الإستثنائية مابين الانسان والاشياء ومن هذه القفشات التاريخية علاقة اسحاق بزبيدة . وهي علاقة جهنمية حدثت لشخص ما. بل هي كثيرة الحدوث ولولا الخوف والنفاق الاجتماعي في منطقتنا الدموية لظهر لدينا أدب فضائحي يهز ضريح سبعين ألف فرويد . من هو اسحاق ؟ باختصار هو ابن شهيد مغدور أرسله القائد لمهمة وطنية ضد الفرنسيين أثناء الحرب التحررية الجزائرية وقام بقتله ، والسبب هو رغبته الهستيرية بالاقتران بزوجته اُم اسحاق وقد حدث له ذلك . لكن مع مرور الوقت عاد وتزوج من شابة جميلة تدعى زبيدة التي دخلت في غياب القائد في علاقة مع ابن الشهيد . كانت الاُم تكره زبيدة وكان اسحق مع الاُم يكرهان القائد وعندما كان يذهب لصلاة التراويح في ليالي رمضان . كانت الاُم تراقب وتمهّد بعيون الثعالب مايجب أن يجري في حجرة دافئة سوف تتركها بعد قليل لشاب وشابة بعمر الورد وبوقيد الجمر . وعلى لهاثهما وصرخات زبيدة الجنسية كانت الام ترفع صوت الراديو حيث الأدعية والتلاوات القرآنية . هنا واقعية فاتنة بالمفهوم الرغائبي والغرائبي !
كان التشويق مؤثرا لولا إنه سريع عابر فيه روي أكثر مما فيه تصوير . ولو اُعزز هذا الرأي بافتراض أن الزاوي لم يكن تصويريا كفاية ً مع التشويق الذي هو عليه ، فإني أقول : ان الشرح أعلاه وبسطر واحد عن حوت على شجرة ممكن ان يتحول الى فصل وصفي مشوّق .
أضرب مثلا آخر ممكن تحويله الى رواية لكني سارويه تقريريا : هناك مجموعة طيور تبني لها أكوازا وتضع فيها حبات كرم وتغلق الأكواز وتغادر في سفر بعيد ومن ثم تعود في أبريل من كل عام لتفتح الأكواز وتسكر وتغني وتبدأ تتساقط بالمئآت والآلاف على ممرات الغابة تتساقط مرحة سكرى غافية حالمة . هذه الطيور تشكل وحدها واقعية سحرية جادت علينا الطبيعة بها . لكني كما ورد أعلاه ، قمت أنا بتلخيصها بخمسة سطور واطالب الروائي أن يؤسنم المشهد بالتلاويين وضربات الريشة السحرية ويزركش الضوء الموّار ويغندره بفيوض الأسحار ويحيل المشهد الى بناء روائي مارسيلي ـ بروستي !. وأعني ضمنا أني كنت أتمنى على الزاوي أن يرسم بتفصيل شيق روعة اللقاء بين اسحاق وزبيدة خصوصا في قبو مليئ بقناني النبيذ الفرنسي القبو الصامت البارد المسكر الذي يشبه ثلاجة الموتى التي مارس أيضا فيه اسحاق مع " نيللا " مارس الجحيم الجنسي وزمهريره ! . وقد كان ـ الزاوي ـ في كلا الحالتين راويا لاتصويريا بما فيه الكفاية أي انه كان ينث سطورا تقريرية . الرواية ناجحة تقريريا وتصويريا نوعما لكنها تفتقد الى المزيد من الثبات والتفاصيل والسايكولوجيا والدخول الى ذوات النساء الجزائريات في فندق قرطاجنة . وصاحب الفندق الرجل الذي أحبه اسحاق حد البكاء لماذا لـُخص موته بسطور وألقي به خارج الصورة . أين حرقة دموع نيلي في رواية "مهانون مذلولون" التي نحسها على وجناتنا في حياة أية فتاة من سكان الفندق من رفيقات سونيا "الجريمة والعقاب" ! . أين أحوال مدام بوفاري التي ارتقى بها الهوس الداخلي بالرغبة الى حالة حمى حقيقية في أي شخصية من شخصيات "شارع ابليس" خاصة "نيللا" التي هي الأجدر بالتحليل . أين ارنست همنغواي في تفصيلات القروش والسمكة وهو وحيد في عرض البحر من روايتنا هذه ، أقصد أين المحنة في السايكولوجيا ـ النصية الخاصة بأمين الزاوي .
يبقى العمل راقيا لكنه يشتمل على نوع من السرعة . إنه شهادة رائعة على مايجري في العمق . العمق الذي تكشفه الرواية وهذا هو دورها ومسؤليتها التاريخية بأن تذهب الى القاع وتعري كل العواهر والقوادين الذين يتجلببون بمسوح الوقار بينما هم نتن الحياة وقذارتها . طوبى لأديب كبير مثل أمين الزاوي الذي استطاع في ظروف الزمن المحافظ والنفاق الاجتماعي أن يكشف لنا المستور كما تكشف لجان النزاهة صفقات الزور .
أما الذين يضعون أيديهم على سيوفهم عندما يقرؤون روايات من هذا النوع فاقول ان عرض الحالة الاستثنائية الغريبة الشاذة المرضية أو أية حالة اضطهاد ، هي كشف عن الواقع المخفي عما هو تحت الطاولة والعباءة وفي القبو ولايجدر ان نمنع التحدث عنه . من الأفضل معرفة امراضنا لنضع لها العلاج . لايجب ان نمنع فيكتور هيجو آخر عن كتابة البؤساء الاخرى ولا وردة عبد المالك عن الأوبة ولاحسين مردان عن قصائد عارية وهلم جرا. إن الذي يطلع على كتاب فن الرواية لكونديرا يعلم علم اليقين كم هي الرواية مسؤولة وخطيرة وكم يعاديها الرقيب الرجعي لأنه يخاف أن نحك قشرة الحياة كما يقول شاعر بلغاري فتنبعث الجيفة .
جورية عبقة لامين الزاوي واحتفاء مرموق بشارع ابليس!.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced