الوجهـــــة الأخيـــــرة
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 05-07-2011
 
   
انتصار الميالي
كانت تجمعنا سيارة واحدة ، ونسير نحو وجهة واحدة ، كانت تجلس بجواري، هادئة رقيقة الملامح ،شاردة الذهن.
وكان صوت مذياع السيارة يحمل لمسامعنا الكثير، الأخبار والأغاني والإعلانات ، يكسر الصمت القاتل.
وما ان لاحت أمامنا حدود الوطن، حتى ارتسمت ابتسامة هادئة حائرة على وجهها النحيل، اغرورقت عيناها بالدموع.
لكن كبرياءها كان يمنعها من أن تنهمر على مساحات وجهها.
فتحت نافذة السيارة ، وأغمضت عينيها وهي تحاول أن تملأ جوفها بالهواء، كانت تستنشقه بطريقة مذهلة، حتى امتلأ صدرها بآلاف التنهدات العميقة التي تكاد أن تتفجر في أعماقها.
كم أدهشني ذلك الإحساس المرسوم على ملامح وجهها مرة باللهفة والحنين وأخرى ممزوجا بدموع الفرح والحزن معاً.
وجه نحيل، وجسد أنثوي مليء بالبراءة، وشفاه مبتلة بالفرح والحزن معاً.
بدأ القلق يملأ عينيها الصغيرتين..
فيما كسرت حاجز الصمت بسؤال انبرى من شفتيها وهي تدير بنظرها نحوي،
كم بقي من الوقت ونصل إلى بغداد...؟
لقد أذهلني ذلك الارتجاف في شفتيها المتسائلة ، لم أتمكن من النطق، لقد تصلب لساني.
شيئا ما جمد أوصالي وأنا أرى ذلك اللهف والقلق المخيف في عينيها.
فيما بقيت هي تنتظر إجابتي.
كانت تنظر في عيني ، كانت تقلقني تلك النظرة التي سرقت مني صوتي.
فيما أجابها صوت امرأة عجوز كانت تجلس أمامنا:
لم يبق الكثير يا ابنتي ،أننا نقترب من بغداد...لا تخافي الطريق آمنة.
وبلهفة اكبر سألت مرة أخرى: كم تبقى من الوقت؟
أجبتها: نعم.. لقد تمكنت أن أتفوه أخيرا، وأجبتها دون أن اشعر...(ساعتان لا أكثر).
وأدارت وجهها نحو نافذة السيارة وهي تتمتم بشيء ما.
كان وجهها يتلون بألوان كثيرة تارة يحمر وتملأه ابتسامة ترتسم على شفتيها وعينيها،
وأخرى تراه يزداد شحوبا وقلقا.
أدهشني ذلك المزيج من الألوان الذي يرتسم على ملامح وجهها البريء.
في أعماقي تثار التساؤلات ويزداد الفضول......
لم اعتد أن أكون فضوليا يوما ما..
سؤال وسؤال يدوران في رأسي،أنا نفسي لا اعرف لماذا؟؟؟؟
إلى أين تتوجه؟
من ينتظرها هناك؟
ولماذا كل هذه الألوان المتغيرة التي تغطي ملامح وجهها.
وفجأة...
قطع أفكاري صوت شرطي المفرزة وهو يحدثني: هويتك أخي؟؟
أدركت حينها أننا نقترب من مداخل بغداد.
وثمة شيء يتولد في أعماقي، يتمنى أن لا نصل، إن لا تنتهي رحلتنا، إن لا تغيب ملامحها عن ناظري.
كنت أتمنى إن تطول المسافة ، أن نعود لرحلتنا منذ البداية.
هانحن نصل إلى وسط العاصمة.
ابتسمت وهمست هذه ساحة التحرير، نعم أنا في بغداد الآن.
أجبتها : نعم لقد وصلنا، وأنا احترق في أعماقي، هناك ما يدفعني للجنون بأن امنع رحلتنا من الوقوف.
وعندما وصلنا ساحة كهرمانة، قالت للسائق أرجوك أنزلني هنا.
وتوقفت السيارة..
نزلت...كانت مرتبكة، فرحة، قلقة، شاحبة، جميلة، كانت مزيجا غريبا يتكون في عيني.
لم امنع نفسي من النزول معها، كنت أتصيد الحجج كي اتبعها، كي اعرف وجهتها، ساعدتها في حمل حقائبها...
وسرنا قليلاً..كنت أتوق لمعرفة مكان سكنها. وأين تعيش؟
لم نتحدث سوى ببعض الجمل القليلة.
قالت وكأنها تتحدث إلى نفسها :انك جميلة مهما حدث ستبقين جميلة.
كانت تتحدث إلى بغداد، كانت تتمتم بأشياء وأشياء.
أجبتها : نعم أنها جميلة بما فيها وبما تحمله من ألوان مختلفة، حتى دخان الإنفجارات كان يزيد ها جمالاً.
كانت هناك فسحة من الأمل لأتعرف إليها أكثر،لكنني خشيت أن افقدها، لا اعرف سببا لما أفعله؟
لكنني أدرك أن شعورا تولد في أعماقي وهو يركض خلفها، يتبعها.
وأخيرا.
توقفت، والتفتت نحوي قائلة، شكراً لقد وصلت إلى المكان الذي أريد، يمكنك أن تذهب،
كان صوتها ممزوجا بالألم وهي تشكرني وتودعني.
لم نتعرف على بعضنا، حتى أننا لم نتبادل الأسماء.
لم أشأ أن ارحل بعيداً...
بقيت أراقبها من بعيد، تحت ظل شجرة.
وهي اختارت أن تجلس تحت افياء شجرة أخرى.
لم يكن هناك من ينتظرها.
كانت تنظر يمينا وشمالا والى ساعتها بين الحين والأخر.
وانحنت لتفتح حقيبتها الكبيرة، وأخرجت شيئا مغلفا ينم عن ذوق رفيع في اختيار الألوان والأشرطة التي غلفته.
كانت تنظر إلى ذلك المغلف كأنه هدية للذي تنتظره ..؟
وضعتها في حجرها وهي تداعب أشرطتها الملونة بأناملها الصغيرة المرتجفة.
لقد انتظرت لساعات ولم يأت إليها احد.
لم تبال بأشعة الشمس وهي تلفح وجهها،ولا بصوت الطائرات الأمريكية التي تملأ سماء بغداد، ولا بنظرات المارة وهم يرمقونها.
وفجأة لمحتها ترفع رأسها للسماء وهي تغمض عينيها، وتبكي وتتنهد وتختنق آلاف الحسرات في أعماقها.
زمت شفتيها، ومسحت سيل الدموع من فوق خديها،
وأخفت عينيها خلف نظارتها السوداء.
وأعادت ذلك المغلف  ليستقر في حقيبتها.
ونفضت ملابسها،ولملمت نفسها وبقايا كبريائها،وحملت حقائبها واستدارت تغادر المكان،
وظل السؤال يدور في رأسي:
من كانت تنتظر؟
ولماذا لم يأت إليها؟
من يكون..؟ هل هو رجل أم امرأة..؟
وهل ستعود إلى هذا المكان، وهل سأراها مرة أخرى.
أسئلة.....وأسئلة......وأسئلة
لم أصح منها إلا وقد اختفى طيفها بين مساحات المكان دون إن اعرف وجهتها الأخيرة.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced