موريسون والموقف من التابع والجندر: عالم اليوم يتميز بظاهرة الهجرات الجماعية!
نشر بواسطة: mod1
الخميس 03-08-2023
 
   
د. نادية هناوي

اهتمت الروائية الامريكية توني موريسون بالكتابة في قضايا الهوامش والأقليات والاغتراب والهوية والعولمة، وفي كتابها( مصدر النظرة إلى الذات: مقالات وخطابات وتأملات مختارة)جمعت موريسون مقالاتها وتأملاتها وشهاداتها التي كتبتها على مدى عقود مضت، وفيها عالجت مسائل معاصرة وراهنة تتعلق بالنسوية ونبذ تبعيتها لأنظمة الهيمنة الاستبدادية. ومصدر نظرتها للذات متأت من منطلق ما بعد حداثي، فيه الذات مصطلح دال على( التابع ) الذي يريد أن يتحرر من تابعيته، معتمدة في سبيل ذلك خطابا متعدداً يدحض النظرة الانغلاقية الضيقة ويستبدلها بنظرة انفتاحية تماشي سياسات الاختلاف والتنوع، لافتة النظر إلى الذوات الهامشية الواقعة تحت تأثير مركزية السلطة وما فيه من أحادية ونخبوية تستلب هويات الهوامش ناظرة لهم خدما لها إن لم يكونوا فائضين عن الحاجة.

وقد نظرت موريسون عن كثب للمشهد الثقافي العالمي عموما والافروأمريكي تحديدا، واضعة تصوراتها حول نظرة الأمريكيين البيض المتعالية للمواطنين من ذوي الأصول الأفريقية، وما يترتب على ذلك من تمييز عنصري هو امتداد لما عاناه اسلافهم من تمييز خاضوا في سبيل التخلص منه نضالات مريرة. لذا خصصت موريسون للقس الأمريكي مارتن لوثر كينغ مقالا قدمت فيه تحيتها له تثمينا لما بذله من جهود في سبيل الدفاع عن حقوق هذه الفئة البشرية.

ومن المقالات التي تطرقت فيها إلى قضية العرق واللون (الجسد المستعبد والجسد الأسود) و( العبيد والرقيق) و( أشياء لا توصف غير معلنة) و( حضور الافرو ـ امريكي في الادب الامريكي) و( وساوس أكاديمية) و(مع السلامة لكل هذا: العرق والأرحام) و( العرق وفي الاعتبار) و( العنصرية والفاشية). ووقفت باستفاضة عند شخصيات روائية اهتمت بالتهميش والغربة ومنهم جميس بالدوين الكاتب والمسرحي الامريكي من أصل أفريقي، وقد وجهت له موريسون تحية خاصة أيضا، بسبب ما تكشفه أعماله من صور التمييز العنصري والجنسي والطبقي الذي يتعرض له السود في المجتمعات الغربية وبالأخص في أمريكا الشمالية.

وخصصت للروائي النيجيري شينوا اتشيبي وقفة مستفيضة وهو صاحب رواية( الاشياء تسقط) التي تعد تحفة الادب الافريقي الحديث والذي عرف بمواقفه التحررية ضد الاستعمار والعنصرية.

وتحدثت عن الفنان الامريكي من أصل افريقي روماري بيردين الذي عمل في الجيش الامريكي وعرف عن كثب حقيقة افتقار العالم الى الانسانية فكانت كتاباته الادبية معبرة عن ذلك كله.

وناقشت موريسون أيضا مسألة الجندر متناولة شخصيات نسوية كما في مقالتها ( جيرترود شتاين والاختلاف الذي صنعته ) التي استطاعت أن تستحدث لونا أثرى الكتابة القصصية والروائية الامريكية المعاصرة، وقوامه التكرار والتجزئة والايغال في التبسيط. ومن مقالاتها التي فيها تطرقت إلى ما يطال المرأة من تمييز جنسي :( صعب وحقيقي ودائم) و( الوحش الذكر وأمه) و( الكاتب قبل الصفحة) و( مشكلة مع النخبة) و( فوكنر والنساء) و( مصدر احترام الذات) و( اخوات خطوة سندريلا) و( النساء والعرق). وتتضح عالمية موريسون في الجزء الثاني من الكتاب في تناولها لقضايا أدبية عامة تتعلق بالابداع والتخييل والكتابة كما في مقالاتها (عادة الفن/ فنان فردي/ الصحافة في الفعل/ الدعوة للفن / المتاحف الثقافة والاندماج/ لغة الرب / الأدب والحياة العامة/ هارلم في ذهني/ محاضرة نوبل في الادب/ زمن المستقبل: الادب وتضاؤل التوقعات/ حبر غير مرئي: قراءة الكتابة وكتابة القراءة/ موقع الذاكرة / إعادة التذكر / ذاكرة الابداع) وموضوعات أخرى عن الحرب حين تكون خطأ والأخلاق والثروة. ولأن العالم اليوم يتميز بظاهرة الهجرات الجماعية التي تعد تحديا من تحديات العولمة وما أخذت تستقطبه من اهتمام النقاد والمفكرين، عنيت موريسون بمناقشة هذه التحديات واقفة عند بعض من رهاناتها ومنها ( وطن الأجنبي ) مبتدئة بالحديث عن تجارة الرقيق التي كانت على أوجها في القرن التاسع عشر وكيف زالت مع تصاعد الحركات الجماهيرية والكيفية التي بها تنامت حركة التحرر لتصل إلى شكلها الأعظم من أي زمن مضى في المرحلة ما بعد الكولونيالية أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين( الكتاب ، ص5).

وشهد العالم خلال هذه المرحلة أيضا إعادة توزيع المجموعات البشرية، وكان من أسباب هذه الإعادة حركة العمال والمثقفين وهجرات اللاجئين وحملات الجيوش العابرة للمحيطات والقارات.

ولا ترى موريسون العولمة هي اتحاد عمال العالم في أجندات عالمية قديمة كما أنها ليست العالمية ولا الدولية ولا الإمبراطورية التي تبتغي السيطرة الثقافية( الكتاب ، ص6). وإنما العولمة تطور تاريخي مرحب به بنفس القوة التي كان فيها مصير الأممية قد وصل إلى مستوى عظيم في مخيلتنا.

والظاهر أن موريسون لا تنجذب كثيرا للعولمة ولا تعاديها. وتبقى العولمة التي توصف بأنها التيه في فندق ضخم؛ أهم ممثل للمرحلة ما بعد الكولونيالية التي في ظلها تغيرت كثير من المقاييس المتعلقة بالانتماء والنظرة المقاومة للثوابت الكبرى الشمولية ومركزيات العقل والتاريخ واللغة والعلم وقضايا الهامش وما يتعرض له من قمع وإبادة وعنف وحرمان. وإذا كانت العولمة تهيئ الأجواء للمطالبة بالمساواة وعدم التمييز والتعدد والتنوع في اللغات والاعتراف بثقافة الأقليات؛ فإنها يمكن أن ترتهن بالفوضى وما يرتبط بذلك من مخاطر تحددها الكاتبة في تجاهل الحدود واختراق البنى التحتية الوطنية وخلخلة البيرقراطية المحلية والرقابة على الانتريت والرسوم الجمركية والقوانين واللغات. وتشير إلى خطر آخر تمثله العولمة وهو تشويه الرأي العام وتدمير القطاع الخاص من خلال خصائصها الهائلة كمحو اللغات الأصلية والإزالة لخصوصيات التسويق وأغراضه. وهو ما يتطلب التخلي عن الكثير من متطلبات التفاعل الحكومي والسياسي والتجاري والاحتياجات الامنية عبر الخصخصة في شروط التطبيقات والسجون ومراقبة الشركات الخاصة للمنشآت العامة والمدارس العامة والقاعات والحدائق والملاعب والشواطئ.

الامر الذي يجعل حياتنا أشبه بمخازن عرض ترتب كديكورات منزلية لا يميز داخلها من خارجها. وهكذا يؤدي هذان العاملان الخصخصة والعولمة إلى طمس أو تهشيم مفهومنا للوطن. ومن ثم تتساءل موريسون لأجل أي شيء يكون ولاؤنا ؟  وهل أن ما يقلقنا ويشعرنا بعدم الارتياح من الأجنبي الذي نواجهه بمشاعر الغضب هو اللغات أو الثقافات أو الأجناس أو الدين أو الأعراق ؟ وهل نحن سنكون ببساطة متسامحين ودودين وعالميين لكي نقرر أين ننتمي ؟ وما اقتناعنا بما نفعل ؟ وبشكل آخر ما المشكلة مع الغربة؟  واختارت موريسون للتعليق على هذه الاسئلة روايات كتبت في الثلاثينيات والخمسينيات، أرادت أن تصب في تحليل هذه الروايات ما أثمرت عنه قراءتها للأدب الأفريقي مستكملة به تجوالها في أدب الغربة المعاصر وما فيه من (مشاكل الأجنبي الغريب في الفندق الكولونيالي) مبينة أنّ الكتّاب الأفارقة ليسوا وحدهم المعنيين بالعولمة والغربة لكنهم يمتلكون في مواجهتها تاريخا فريدا وطويلا فيه الفرد يوجد في وطن هو نفسه منفى.

ومن تلك الروايات رواية ( The Radiance of the King) للكاتب غيني كامارا لاييه 1928 ـ 1980 وقد كتبها بالفرنسية عام 1954 وكرس فيها موضوعة الغربة داخل الوطن وخارجه معالجا إياها معالجة مجازية وسايكولوجية ضمن أطر محلية ووطنية وإيديولوجية فيها تشتبك الثقافات بحثا عن الانتماء.

وتدور أحداثها حول رحلة يقوم بها كلارنس الرجل الأبيض المفلس في أفريقيا السوداء في محاولة للوصول إلى الحكمة العميقة التي فيها يجد البطل خلاصه ونعيمه وحريته شاعرا بالنبض في قلبه الشاب بسبب الكلمات التي ترحب به والدالة على الانتماء : ألا تعلم أنني كنت بانتظارك؟ (الكتاب ،ص13 )

ومما وجدته موريسون أن كامارا تمكن من المحاكاة باستعمال الاستعارة الأدبية التي تستنسخ تصورات أفريقية حساسة ودقيقة للغربة وقد حددتها موريسون في التهديد / الفساد/ الغموض، واجدة أنها ( كلها تضغط علينا لننكر الاجنبي في نفوسنا ونصنع مقاومة تموت بها كل القواسم البشرية المشتركة).

إن نظرة موريسون الانفتاحية للذات تتضح أكثر وهي تنظر للآخر بعيدا عن العنصرية والفاشية والاستهلاك والتابعية، مؤكدة أن مقياس قيمتنا كبشر هو إنسانيتنا.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced