زها حديد ... ظاهرة فذة تفرض فكرها لتستقر في صلب الحضارة العالمية
نشر بواسطة: Adminstrator
الأربعاء 27-07-2011
 
   
عبد الصاحب ناصر

لا تحدث مثل هذه الظواهر كما نريد و نشتهي بين يوم و آخر او بين عقد من الزمن و آخر لأنها ظاهرة تحمل ثقل وبعد كل حضارات العالم.كنت اتحاشى خشوعا و احتراما ان اكتب عن السيدة زها حديد وعن هذا الفكر المستقبلي المتطور ابدا الذي يفرض نفسه قبل حدوثه وقبل ان يصبح جزءاً من تاريخه.اذا فهي من يصنع التاريخ في مجال عملها الابداعي،لانها لا تقود حركة في تطوير العمارة العالمية وتفرض نفسها كمبدع مجدد تضع الخطوات لغيرها ليتبعها بكل حب وارادة واصرار بل هي من تقود حركة الابداع في كل مفاصل ومجالات الفن والصناعة،ولها / الحركة / ديناميكية تفرض نفسها حتى على مواد البناء فتسحبها بتوسع وتستخلص اقصى امكاناتها وطاقاتها ومجال تحملها الانشائي وتستخدم مواد البناء فتصنع منها مواد ابداع،اكثر من كونها وحدة انشاء صلبة جامدة.تعطي هذه السيدة الكريمة من رحيقها لتسقي مواد البناء كلها فتصنع منها الابداع ذاته لترقص برشاقة مع هذه المواد في فضاءاتها الجديدة!
  بعد مطالعات كثيرة، ومنذ مدة طويلة،عن ما كتب عن السيدة حديد من الكتابات من انشراح وبهجة ودهشة واستحسان ونقد،وجدت فرقا شاسعا بين الكتابات العالمية وبين الكتابات العربية من نقاد او مستحسنين عرب،وجدت فرقا في فهم اعمال وتصاميم السيدة المبدعة وقلة في الادراك لعمق وروح ابداعها كمن يمسها من الغلاف بدون قراءة لعمق ابداعها!
  الأمر الذي شجعني بان ادلو بدلوي واكتب معبرا عن رأيي المتواضع في فهم اعمال السيدة المبدعة، اننا نحن / العرب / ننظر الى السيدة زها حديد ونستحسن اعمالها وكأنها السيدة جميلة بوحيرد الثائرة الجزائرية ايامها وتأخذنا النشوة الوطنية او العروبية،ونرتاح لوجود مبدع بين مبدعي العالم من عندنا وننتمي لها ونكتب عنها كأي من كتاباتنا عن بطل سياسي او مفكر عربي او عن اي قائد وطني بهرتنا فتوحاته،اي اننا تغرينا فكرة الانتماء الى حركة ومسيرة الدول المتطورة،بينما يجب ان ننظر الى السيدة زها والى بعد نظرها وسلاسة دخول اعمالها الى الحاضر من سيل المستقبل على اقل تقدير،لو اردنا انصافها مثلا،اي ان ننظر الى بعد نظرها الابداعي وتعمقه كقائد في بناء مستقبل الحضارة بصورة عامة!
  تقود السيدة حديد حركة ابداعية تسبق غيرها بمقدار عشرين سنة على الأقل،وتتجسد هذه الحركة بأنها متجددة دائما وليس لها حدود،ولا تغير في الشكل فقط بل في الوظيفة وفي استعمالات المادة وتتلاعب لتدغدغ الفضاءات المجاورة لابنيتها!لا تخشى الحدود المستقرة تاريخيا ولا تؤثر على شخصية تلك الابنية واسلوبها التصميمي بل على العكس انها تنفخ الروح في الابنية القديمة المجاورة للابنية التي تبنيها السيدة حديد،فتجدد من اناقتها وتحترم لغة(Accent)تصميمها وتخلق من الفضاء الذي يجمع تلك الابنية..تخلق فضاء جديدا يتكلم لغة وابجدية(New Vocabulary)جديدة بغض النظر على تاريخ واجواء الابنية المجاورة القديمة.
  وتتدخل في كل مجالات الابداع من صناعة البرغي والحديد والزجاج الى اغلفة الابنية الخارجية،وفي كل جزء من مواد البناء،فتخلطه مع الضوء في ذلك الفضاء والمحيط وتداخله في خلق الفضاء الجديد،وهذا هو الابداع.انها قائد مجدد ومبدع في مجال عملها،يتبعها كل من قد انبهر بهذا الابداع ويتبعها كل من يرغب في التقليد ومن يرغب بأن يشمّل ضمن تلك الحركة،وهذه حالة لم تحصل من قبل،منذ ابداع ميخائيل انجلو في العصر Renaissance الرنزانسي!
  لقد مر وقت هدوء وكسل،وربما جمود على مسيرة العمارة العالمية كانت مهنة المعماري في المؤخرة بالمقارنة مع الابداع العالمي في المجال الصناعي وتطور المعلومات وسرعة المواصلات،وفي مجال الانطلاق الى الفضاء الواسع خارج كرتنا الارضية في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات.لكن وبدءا من اعمال المعماري الاسكتلندي جيمس ستلرلنغ في متحف شتوتكارد وثم ريخارد روجرز في بناية بومبيدو سنتر في باريس واعمال اللورد فوستر وأ م بيي في بناية له لوفر الجديدة / الهرم / و غاري في امريكا وغيرهم من المبدعين المعماريين في العالم J. Sterling, R. Rogers , C. ,...كلهم لم يشكلوا حركة جديدة ابداعية شاملة قائدة دائمة التوسع والابداع،الا انها بقيت محاولات منفردة،تبهرنا طبعا ابداعاتهم،لكنها لم تزل تبحث عن ان تكون حركة شمولية واسعة المجال بلا حدود وبلا جوازات وبدون ارتباط جغرافي!
  لقد فتحت السيدة حديد باب جديدة في مجال استكشاف الفضاء والاستكشاف العضوي والطاقي للمادة وفي مجال الخلق والابداع الفني بصورة عامة حيث نجد تأثير حركة السيدة زها قد شمل كل مجلات الصناعة من ناحية المادة ومن ناحية التصميم ولبنايات صناعية في اساسها،في وقت كان الابداع محدود في مجال البنايات الصناعية ولها تأثير في مجال تصميم الازياء / لاحظ تصاميم مكويين  لصيف 2007 وتصميم الأثاث في معرض نابولي 2005،وفي مجال تصميم الانارة والتصاميم الداخلية حيث حدث تكامل تداخل عجيب خلاق بين الداخل والخارج في شمولية باهرة تتعدى جغرافية المكان و المحيط المباشر!
  اجدني هنا اربط ولو بدون وعي بين التطوير الذي حصل على صناعة الحاسوب بعد نهضة شركة ابيل للحاسوب في انتاجهم الجديد آنذاك ل(iMac)من ناحية البرنامج اي السوفتوير والمظهر واللون والتصميم العام،وبين حركة الابداع الشاملة للسيدة زها.لقد فتحت السيدة حديد امام الناس مجالا واسعا لفهم الابداع يبهرنا ويدهشنا قبل ان ندخل في تفاصيله.ومن نظرة ابداع خلاقة نرغب كلنا ان ننتمي لها / نحن البشر،وهذا هو الابداع الفكري حينما يكون عاما وعالميا،وبالتالي شاملا!
  ليس لخيال السيدة حديد حدود،لا يخيفها الشكل مهما تحرر عندها من ناحية علاقته بالوظيفة اي استعمالات الوحدة المكانية،ليس لانها تعرف كل تفاصيل الوحدات الوظيفية،فهي لا تهتم بالوظيفة لتحدد طروحاتها الابداعية بل ولأنها مبدعة وتعتمد على قدرتها في حل اي تناقض قد يحصل بين الوظيفة والشكل،ولأن Garry , N. Foster , I.M.Pei  حل هذه المشكلة ان وجدت فهي متواجدة في وعيها الباطني ضمن زاوية الخلق في رأسها ودماغها..فلا تقيد ابداعها مسبقا بمثل هذه المشاكل!وهذه هي صفات المبدع الفطري،كما هو الحال في ابداع الموسيقار موتسارت.الا ان موتسارت لم تكن عنده خلفية ثقافية عالية لأنه قد تحرر منها بالرغم من قساوة والده الذي علمه كل شيء عن العزف والموسيقى،كانت الالحان تنسكب من وعيه ومن فكره جاهزة كاملة ولا تحتاج الى اي صقل لتصب في دفتر النوتات بدون حاجة لاعادة كتابتها ولا حتى تصحيح كمبوسزتها،بل سيهدم كل صرحها لو حذفت نوته واحدة او جملة من الهيكل في سجل السكور.
    يجب النظر الى اعمال السيدة حديد على انه ابداع خلاق متحرر من الشكل والفضاء الذي يسبح فيه،ومن المحيط الذي سينشأ فيه،ومتحرر من كل القيود الهندسية او الانشائية لأنه ابداع يفرض مكانه بسرعة فائقة وتتقبله مواد البناء قبل الناس برحابة صدر غير مسبوقة.وتصاميم السيدة حديد تبدو وكأنها في بداية المسيرة على الرغم من تواجدها اليوم لأكثر من ثلاثون عاما،انه كالابداع الفطري الذي يحمل في طياته كل التراث وكل التاريخ وكل علم البناء،ولكنه لا يعترف بضرورة الحدود او القيود!
  اذاً السيدة حديد تقود حركة ابداع هي اكبر من مجرد تصاميم معمارية واكبر من بناء هياكل جديدة او اشكال تسبح في الفضاء.انها حركة خلق تقود الاتجاه التريند الجديد trend العالمي،وتقود مسيرة شاملة للفن والحضارة والصناعة كملهم،ولكن ليس كقائد بالمعني الحرفي للكلمة بل الملهم لغيره.سوف لن يكفي ما كتبته لشرح حالة خاصة على شكل ظاهرة ابداع شاملة،ويحتاج الانسان الراغب في الخوض في هذه الحركة الى كل الوقت ليدرس وان يعود الى مرحلة الدراسة ليدخل في حركة تطور تاريخ العمارة وعلاقته بالصناعة وبقية العلوم ليتعلم ما تقوم به السيدة حديد!
طريق الشعب / عدد 229

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced