ابجدية حب في مدرسة العصافير 5 – 9
نشر بواسطة: Adminstrator
الأحد 07-08-2011
 
   
علي عرمش شوكت
ومرت بضعة ايام على تلك الحادثة. خلالها كان قلب كليلة يعاني من سخونة غرام جامح، ارست مفاعيله هياكل شك كبيرة لديها، امتزج في اعتمالها تزايد اعجاب الاخريات به ، من جانب، وكثرة هفواتها التي كانت تثير عدم رضا بلاسم، من جانب اخر، مما دعاه  للتعبيرعنها في اكثرة من مناسبة وذلك  بمصارحتها، على ان يكف عن تقديم النصح لها. ومن جانبها صار شاغلها هو التقصي والبحث بهدف الارساء على احد جانبي ما يجول بذهنها. بمعنى من المعان، اما تلمس شكوكها بتداعي حبه لها، واما ابقاء يقينها بثبات وخلود حبهما مهما حصل من كبوات غير مقصودة. وعلى هذا كانت تمني نفسها، ولا تتمنى الاحتمال الاول. فدفعتها ذات الاسباب الى ان تستغل اقرب فرصة لتسفر عن ما تريد الافصاح عنه  في اول لقاء بينهما، اذ  بدأت بخبر مع انها غير متيقنة منه:
- سمعتُ ان اكثر من تلميذة من الشعبة الاخرى للصف السادس قد طلبن الانتقال الى شعبة صفنا.
- انا لم اسمع بذلك... وما هو الذي يدعو للتساؤل.
- نفس التلميذات قد سبق ان وجهن اليّ اكثر من سؤال حولك.
- وكيف كانت وجهة الاسئلة ؟
- شعرت من خلالها بان ثمة اعجاب فوق العادة بشخصك.
- الا  يسعدكِ ذلك ..؟
- كلا ...
- ولماذا .. !؟
- ربما سيكون وراء هذا الاعجاب اعجاب متبادل.
قالتها في غياب لافت لابتسامتها المعهودة، وكما لاحت علامات التأزم  على محياها. حينها ادرك بلاسم تصاعد الغيرة عليه لدى حبيبته. مما بعث به اعلى درجات السرور، لان ذلك يترجم مدى تعلق كليلة به. غير انه وبفطنته العالية راح يعالج الامر بروية.
- اذا ما كنتِ شبه ليلى العامرية، فانا الشافي اكثر من شبه قيس ابن الملوّح، يعني اكثر من مجنون بحبك، فهل يخطر ببالك ان اُعجب انا بغيركِ ..؟.
- ان قلبي الذي لم ولن يفتح لغيركَ ... ، يقول لي كلا،  ولكن عقلي في هذه الايام غدا لا يحسن تفسير ما تحوم حولك من غيوم اعجاب ملبدة.
- ان وهج وجهك وطيب انفاسك كفيلان بتبديد تلك الغيوم، لا بل حتى اذا ما تحولت الى زوابع خريفية.
كان وقع كلمات بلاسم عليها بمثابة اطفاء لمرجل يغلي في حُشاشة روحها، التي كادت ان تكون على وشك الاحتضار. هذه حالها، كلما غاب بلاسم. اضحى عقلها يدنو من الغياب في العدم، وتصبح عائمة، وكأنها قطعة خشب تتقاذفها امواج بحر لاقرار له. واذا ما عاد، سرعان ما تنسى ذلك الهم وتنتقل الى عالمها الجميل مع احب الناس على قلبها.
ولم يتعدى الزمن مسافة طويلة حتى حصل وغاب الشافي ذات مرة عن المدرسة لمدة يومين وكالعادة اوصى زملاءه المقربين، بعدم كشف حقيقة غيابه، والادعاء بأنه متوعك صحياً، خشية من اجراءات المدرسة. ومداراة للحبيبة التي لا تحسب زمن غيابه من عمرها.
  كان احياناً يذهب الى الاشتغال في اعمال البناء كلما اعتصره ضنك العيش،  بغية الحصول على بعض النقود لمساعدة عائلته. ولكن كان ذلك الغياب عبارة عن غمامة سوداء تشل بصيرة كليلة، وتضيّق على انفاسها لحد الازهاق المر، وتجعلها مهمومة ومتعكرة المزاج، وتؤدي بها الى الميل نحو تفسيرات سوداوية لكونها تجهل الاسباب الحقيقية لغيابات بلاسم، و في الاغلب تنطلق تلك التفسيرات من امتداد زعل سابق بهذا القدر او ذاك، ارتباطاً بما جرى فيما سبق، وغدت تاخذ  بالحسبان ميل البعض من التلميذات نحوه، وهذا لم يكن قد حصل في الماضي، ان اية صفحة يكتنفها الغموض من صفحات دفاتر الحب، تصبح حمالة اوجه ومعرضة للتأويل. وربما تترك حزة في القلب لا تنتهي الا بالكشف عن اسبابها.
  غياب بلاسم عن (قلبه الذي يمشي على الارض) كما يسميها، لا يعني له سوى الاكراه، الذي يلقيه عليه الفقر، الذي يخيم على احواله المعيشية. ولكن ما  يخفف من ثقل يوم عمله المضني، هي اعادة صور لقاءاتهما الحميمة في مخيلته، وهنا يتمالكه شعور مزدوج بين المعاناة من قساوة العمل وبين صورتها التي لا تغادره لحظة واحدة. وفي بعض الساعات يصاب بهوس الحب، فيلجأ الى ترك العمل ويعود الى منزله، ليعد نفسه ويتوجه الى اللقاء بها. وفي هذه المرة، خطر في بالها، انه قد اخبرها ذات لحظة انفعال. سوف يكف عن تقديم الملاحظات والنصح لها، لانه شعر بانه غدا لحوحاً بذلك، وهو لا يريد ان يكون ثقيل الظل عليها. ادت بها تلك الالتفاتة الى الانطواء على نفسها، وصارت تفضل العزلة في البيت، مما اثار احساس اهلها بحالتها المضطربة، فراحت والدتها تسأل ابا كليلة :
      - هل لفت انتباهك حال ابنتك اليوم ... ؟
    _  نعم لقد لفت انتباهي خفوت حيويتها ... وهذا على غير طبعها.
      فما كان منه الا ان توجه الى ابنته متسائلاً عن سبب تلك الحالة الانطوائية غير المعهودة لديها:
- ماذا بك اليوم يا كليلة .
وجدت كليلة سؤال ابيها بمثابة هدماً لسد تراكمت خلفه مياه سيول دافقة وصل عنانها حد الانفجار. فلم تتوان عن ان تفصح عن همها بدون تحفظ :
- بلاسم ، مصاب بوعكة صحية ويرقد في بيته منذ يومين ، ولم يأت الى المدرسة، ولدينا امتحانات قريبة، وفي عبارتها الاخيرة حاولت ان تبعد حاجتها الحقيقية للقاء الحبيب الغائب. ومع احساس ابيها بهذا الارتباط الروحي بين ابنته وبلاسم، وما يشكل ذلك من امر ينبغي التوقف عنده، الا انه قد عالج الامر بمنتهى السلوك الحضاري والانساني، وراح يحدثها:
- يا أبنتي العزيزة في مثل هذه الحالة  تتوجب زيارة المريض.
كانت كلمة والدها وكأنها الحصول على مفتاح لفك اسرها، فقفزت الى صدر ابيها واحتضنته وقبلته بفرح غامر. وقالت له :
- هل استطيع ان ازوره في بيته ..؟
- طبعاً ولكن مع زملائك الاخرين ولا تنسي استئذان ادارة المدرسة حول هذه الزيارة.
- شكراً أبي العزيز.
مرت عليها ليلة صاخبة بالاحلام والارق عاشتها كليلة، وغدت تتصور بان الزمن اخذ يراوح في مكانه، وحسبت تلك الليلة اثقل ليلة في حياتها، كانت تنتظر اليوم التالي بشغف وشوق بلا حدود، رسمت في ذهنها صور عديدة لذلك اللقاء الموعود مع الحبيب الشافي، كما راحت تعد " بروفات " للحوار معه عندما تلتقيه، وتساءلت، بماذا ستبدأ، بالشكوى ام بالعتب عما يلقي عليها غيابه من تعاسة وعذاب جهنمي لا يطاق. اما الشوق فهو بركان السعير الذي يعم كيانها، للحد الذي يجعلها تشعر وكأنها باتت اوراقاً خريفية محترقة تعبث بها رياح خماسينية ( رياح جوريد ).
                             
يتبع

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced