السليمانية: مهجّرون في مخيم يؤدي إلى لا مكان
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 25-05-2009
 
   
ندى بكري
ترجمة - علي الموعي
عن صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية
في إحدى ضواحي مدينة السليمانية شمال العراق، جالَ محمد جعفر ببصره، في قطعة صغيرة من أرض جرداء تحوي ما يُفترض أنه منزله، وأخذ يردّد بحسرة «لا توجد حياة هنا.. هذه ليست حياة».
محمد جعفر واحد من 400 عربي عراقي يقطنون مخيما قذرا، على قارعة طريق مؤدية إلى لا مكان، منذ أن اضطروا إلى مغادرة ديارهم، نتيجة حمّامات الدم الطائفية التي أوقعت البلاد في حالة من الفوضى العارمة العامين 2006 و2007.
ويعكس هذا المخيم حجمَ المشكلات التي يواجهها العراق، ضمن مساعيه الرامية إلى بناء مؤسسات الدولة الحديثة.
فعلى الرغم من وجود مؤشرات للسلام، مازالت البلاد تعاني حالات انقسام طائفي وعرقي، وتتعثر بسبب تصادم السلطات.
ويعيش محمد جعفر وجيرانه عند نقطة تقاطع هذه الوقائع، فلا هم قادرون على العودة إلى منازلهم، ولا على إعادة بناء حياتهم، وأكثر ما يخشونه هو احتمال أن يتحوّل هذا الوضع المأساوي المؤقت إلى دائم.
لقد شهد العراقيون الكثير من المآسي، ودفع عشرات الآلاف منهم حياتهم ثمنا للحرب الأهلية التي عصفت ببلادهم. غير أن الصعوبات التي يواجهها هؤلاء المُهجّرون، تقترن بإحساس مُرّ بانعدام الحول والقوة.. ففي هذه البقعة منزوعة السلاح الواقعة في محيط مدينة السليمانية، ضمن منطقة الحكم الذاتي الكردية شمال العراق، تعتبر الأسر نفسها ضحية للمسؤولين الأكراد الذين لا يهتمون بمساعدتهم، وللحكومة القابعة بعيدا في بغداد ولا تصل إمداداتها إليهم، وللوكالات الإنسانية التي تحول العراقيل دون حصولهم على معوناتها.
ولا يبدو أن للروائح النتنة التي تهبّ على الخيام البُنيّة والزرقاء والصفراء المنتشرة في أرجاء المكان، تأثيرا كبيرا على سكانها، ربما بسبب الأوضاع المؤلمة التي عانوها في شهر سبتمبر (آب) 2006، إثر واحدة من أكثر الحروب الطائفية دموية، وقد غامروا يومها بركوب باصات وشاحنات، سارت بهم عَبْرَ مناطق خطيرة، ليصلوا مقطوعي الأنفاس والأمل إلى ضواحي السليمانية.
كان محمد جعفر من أوائل الذين حلّوا في هذه البقعة النائية، بعد أسابيع قليلة من محاصرة مجموعة من الرجال الملثمين منزله في حي زيّونة ببغداد، وتهديده بقتل أفراد أسرته وحرق البيت بمن فيه، ما لم يغادره وعائلته خلال يومين.
لكن الأسرة لم ترحل، وبعد 3 أيام قتل مسلحون والده بينما كان متوجها إلى مسجد قريب لأداء صلاة الفجر. وقد تم العثور على جثته ملقاة على جانب الطريق عند الظهيرة، وفي رأسه 3 رصاصات.
تلا ذلك ببضعة أيام مقتل والدة محمد جعفر، بينما كانت تنتقل من غرفة إلى أخرى داخل المنزل، أثناء تبادل كثيف لإطلاق النار بين رجال الميليشيات وقوات الأمن.
هكذا قرّر محمد وشقيقه المغادرة، ودفع كل واحد منهما 10 دولارات ثمن تذكرة الباص الذي أقلهم إلى السليمانية.
وعلى الرغم من كونهم مسجلين لدى حكومة بغداد، يقول سكان هذا المخيم إن معظمهم لم يتسلم أية معونات مالية، خلافا للمُهجّرين الآخرين الذين اضطروا إلى المغادرة بسبب القتال.
ثم إن إيجاد فرصة للشغل في السليمانية يكاد يكون مستحيلا من دون كفيل محلي، ويضطر بعضهم للعمل كأجير يومي، وبعضهم الآخر إلى التسوّل في الشوارع، أو قرع أبواب البيوت طلبا للطعام أو اللباس.
والمخيم غير مزوّد بالكهرباء، ويُنقل الماء إليه بواسطة الصهاريج، وتنتشر فيه أكوام القمامة، وقد منع المسؤولون المحليون منظمات الإغاثة من وضع حاويات بين خيامه.
يقول تشارلز لينش؛ رئيس مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، إن السلطات المحلية لا تبدي ترحيبا بهم، ويؤيد المسؤولون الأكراد هذا الرأي، إذ يقول الناطق باسم الحكومة الكردية في السليمانية هيوا الجاف، إنها مسألة سياسية وإنه يجب على الحكومة المركزية، التي لا تريد أن تساعدهم، أن توفر لهم الرعاية اللازمة.
هذا الشعور بالإهمال الذي تعزّزه الحقائق القاسية للعوامل الجغرافية والسياسية، هو السائد في المخيم الآن. ويقول الشاب نشوان حسن (20 عاما) «لا نحصل على شيء من حكومة كردستان ولا من حكومة بغداد. وقد فقدنا 8 من أقربائنا أثناء الحرب الطائفية».
وفي خيمة مجاورة، تشعل انتصار سعدو الحطب، في صفيحة معدنية كانت تستخدم لنقل الوقود، وتضع فوقها وعاء فيه زيت، لتقلي به سمك جرى اصطياده من نهر قريب، وهي تردّد بلهجة الواثق «الوضع أفضل بكثير هنا، إني سعيدة بشظف العيش هذا، وقانعة بالبقاء بدلا من العودة والتعرّض للقتل».
ويروي زوجها ياس خضيّر؛ وهو رجل شرطة سابق، أنه في العام 2007 طلب منه مسلحون في إحدى قرى محافظة ديالى مبلغ 15 ألف دولار، وهدّدوه بقتل أفراد أسرته ما لم يدفع لهم، فطلب منهم أن يمهلوه يومين، ريثما يجمع المال.
وفي صبيحة اليوم التالي، غادر منزله ومعه زوجته انتصار وابنتهما هدى (عامان). أمّا ابنهما محمد، فقد وُلد في المخيّم. ويعمل ياس حاليا في البناء، ويكسب 15 دولارا يوميا، ينفق نصفها على الطعام والسجائر.
ومع أن وضعا طبيعيا هشا يسود بغداد وأجزاء أخرى من العراق الآن، فإن ذكريات الماضي القريب، مازالت حية في ذهن خضيّر، ومازال الخوف يعتريه كلما استعاد صُوره القاتمة.
وفي ذلك يقول خضيّر «لو أيقنت أن الوضع أصبح آمنا، وأن الحكومة باتت قوية بما يكفي، لعدتُ إلى دياري الآن. لكننا سنبقى محاصرين هنا في الوقت الحاضر، فليس ثمة مكان نأوي إليه، وما من أحد سيساعدنا».

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced