"ضريح السرو" للقاص العراقي محمود يعقوب ...
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 10-10-2011
 
   
خلدون جاويد

تُذكـّرُنا المجموعة القصصية " ضريح السرو " بما دبّجَهُ الأديب ميلان كونديرا من تنظير ٍفي كتابه " فن الرواية" ودعوته الى البحث عن جذور المآسي والمشكلات في عمق المجتمع . المآسي التي لاتحصيها السلطات وتخافها الرقابة وتمنع ظهورها صالونات مرتزقة السلطة . فلا إحصاء حقيقي عن الدمار اللآحق بالشعوب ولا إصدار لقصص ورويات تحكي عن الحاضر ولا سماح بالنقد الشجاع الجريء .
السياسة الثقافية تقريرية في الغالب والنتائج المعلنة لصالح السلطة ومنجزاتها ، أما النص الفاضح فهو المطمور والمقبور .
في كتابه الصادر عن " منشورات مجلة الشرارة ـ النجف ـ العراق " يحكي لنا الأديب محمود يعقوب قصصا من واقعنا العراقي المظلوم ويُماهي ما يذهب اليه النقاد العالميون من أن دور القصة والرواية بخاصة ليعتبر تحديا للتسجيل الوثائقي السلطوي المزوّر . ففي الرواية تجد الحكاية الحقيقية للشعوب ومشاعرها الإنسانية وبوحها النفسي الحقيقي وتفصيلاتها التي يرويها فنانٌ ميدانيّ ُ الرؤيةِ .
في " ضريح السرو " وهي أول القصص ،التي حمل عنوانها الكتاب ، تعود بنا الذاكرة الى الحرب . إنها رصد لأحوال نادرة وغريبة . لها دور مسؤول مثل سواها من المصنفات الابداعية عن اي حدث يقع في السر في الظلام خلف الكواليس في اللامتخيل في اللامتوقع في الغامض في الدفين . ان قصة حفر الانسان لقبره واستخراج بديله المُزوّ َر هي من أغرب القصص التي لم تخطر على بال ! . لقوة هذه القصة يُفضل ترك التعليق عليها فروعتها تكمن في ذهاب القارئ اليها وتحرّيه عن غرائبيتها .
الحسي مع الطبيعة وتراجيدية الحدث في " رشقة ماء " . وغرابة تغشيش ! استاذ لتلميذ في الإمتحان دلالة على المستوى الحضاري المتدني لبعض مناحي الحياة وهذا ماحدث في قصة " حكاية ابن علي بابا " . أما " كَرابيت " فهي رصد نادر وجميل لصدفة ٍ ما ، اجترحت الحكمة العميقة . أما " إسطورة الجندي شيبوب " فهي لقطة من اللقطات النادرة جدا ، يحصل فيها جندي على وسام الشرف الرفيع وهو نائم ! ... وإذا كان ولابد من تعليق على ماهو عام في هذه المقتنيات الواقعية ـ شبه السحرية أحيانا ، فان قصة شيبوب تشعرك بروعة الروي بدون تكلف وفي جمل بليغة مؤثرة . ان الحدث مؤثر والوصف مؤثر وهذا لوحده تجسيد لروح البلاغة الجديدة المعاصرة .
توحي " مُختطفات" أي مايختطفه محمود يعقوب بما يحرضنا على اقتناص الغريب والنادر والشاذ من الأحداث . وإنه ـ في الحقيقة ـ لاقيمة عموما لوصف العادي . لابد من رصد المشاكس واللآقاعدي والتصرف الملتوي والحالات اللآمعقولة والساحرة . إن روح الرواية والقصة تكمن في الغور العُمْـقي الى القاع ، قاع المجتمع المثخن والمبتلى بالأسرار بالأمراض بالشذوذ بالإستغلال بالعهر بالإغتصاب بالقهر بالتمييز . إن أديبا يُدجّن قلمه للسطح دون العمق مثل أزلام السلطة والصالونات لايقدمون لنا سوى الأناقات والتزويقات . إن محمود يعقوب هو أحد زهاد الدنيا والمنذورين لمحبة البسطاء وإلقاء الضوء على غوامض حيَواتهم ومواجعها وفواجعها . إنه أي محمود يعقوب : " قاموس الفقراء والمظلومين والغرباء " .
إن "أسرار النجم الغجري" هي القصة التي تتوغل الى حفير عميق الغور . ولو كانت قد انعطفت الى أبعاد نفسية وتحليل شخصية " نجم حسره" بأكثر تفصيل لاستحالت الى رواية . ولابد من الإشارة الى أن " الراوي " قد اتخذ في الخاتمة موقفا محافظا انتقاديا لما آل اليه الوضع الأخلاقي " للبطل " . لو ترك الأمر بلا رؤية مبدأية للأشياء لكان الأمر أدعى الى المتابعة ربما الفنطازية والى تعقب عوالم جديدة " في الخليج " هي مادة دسمة من أحداث وصور . إن زماننا الحالي بحاجة الى وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر والأوبة لوردة عبد المالك ومدام بوفاري لجوستاف فلوبير ولكل ماهو كاشف . ولكم يتمنى القارئ على محمود يعقوب أن يعيد تقديم " نجم حسره " في وظيفته الجديدة !!!!! .
ترقى أسرار النجم الغجري كثيرا كثيرا على قصة " القافز بعصا الزانة " حدثا وتشويقا وذلك لما شاب هذه القصة من اسهاب وتقريرية وكذلك الأمر مع " الرجاء الصالح " وحكاية عائدية العقار والقاضي و " المظروف الذي كُتب عليه ـ لست ممن يُنسى ـ .
إن أسرار النجم الغجري قصة قابلة للتطوير والخيال الفني المُضاف وهي جديرة بالأسنمة وعرض حال " السوق " في البصرة آنذاك ! . أي أننا بشوق الى يوميات فضائحية في بيوتات الهوى ولمعرفة الشخصيات البطولية والثانوية وكيف كانت التفصيلات التي هي لوحدها تركيبة شاهقة لكنها مطمورة تحت الآثار لم يكشف عنها الكثير من الرواة احتشاما بينما الإحتشام خنجر في قلب الحقيقة المطلوبة للقياس عليها ولتخريج سماتها وحتى أدنى دونيّاتها من أجل معرفة الذات والوضع الإقتصادي والمعالجات الموجبة . إن الإديب الجريء يخدم التحولات الكبرى لأنه ينير البقع المظلمة من الدنيا .
يظل كتاب "ضريح السرو" بكامله جديرا بالتثمين أما " أسرار النجم الغجري " فهي الجديرة بأن نقف للكاتب بقاماتنا ونحييه بل نجزي أحر وأطيب التحايا على ما اشتملت قدراته الفنية من باع طويل في مجال الروي المتناسق والتشويق وصدق لحظة الإبداع والوهج المصاحب للحبكة وجمالية اللآتوقع الذي أخذنا اليها .
مثل ذلك هي قصة "بائع الصور المقدسة" التي لو امتد بها محمود يعقوب بخيال افتراضي لحوّلها الى رواية والى عمل تلفزيوني غاية بالتشويق .
لايشعر قاريء محمود يعقوب أنه يضيع وقته مع " ضريح السرو " فلا يدخل المرء في طقوس أية قصة حتى يتلذذ بجُملها وانعطافاتها ومصائر أشخاصها .
أما خاتمة الكتاب فهي قصة حول "نوح " المندائي الجميل المضطهَد . وهي كما يقولون "خاتمتها مِسك ٌ" .
إن الأدب العراقي ليَحتفي وسيحتفي بل سيفخر بمحمود يعقوب قاصا جديرا بالقراءة والمتابعة .

*******
ـ 6/10/2011
ـ صدر الكتاب ضريح السرو بألف نسخة كطبعة اولى في عام 2010 عن دار الضياء للطباعة والتصميم ـ النجف الأشرف ـ وهو من منشورات مجلة الشرارة . باشراف السيد محمد حموزي ورئيس التحرير كاظم السيد علي . المراسلات :
Kadum_alsayidali_(at)_yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف . رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1867 لسنة 2010 .
ـ إقتباس عن غلاف الكتاب : " مواليد قضاء الشطرة 1951. نشر العديد من قصصه في الصحف العراقية والمواقع الألكترونية . يرى النقاد أنه صاحب اسلوب مميز وطريقة خاصة في كتابة القصة . يتهيأ حاليا لإصدار مجموعة قصصية جديدة بعنوان " أثناء الحمّى ".
ـ صدرت "أثناء الحمى " في 2011 .
ـ نحن بشوق كبير لمتابعة الجديد والجديد مما يخطه كاتبنا المبدع محمود يعقوب . الف مبروك ومبروك لنتاجات تتوالى .

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced