شارلوت برونتي والمربّية اليتيمة جين آير والسينما
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 17-10-2011
 
   
سلوى الجراح
لا شك في أن اسم شارلوت برونتي (1816- 1855) ارتبط بأهم أعمالها، "جين آير"،  التي يعتبرها الكثير من النقاد روايتها الوحيدة،لأن كل ما كتبت لا يرقى إلى مستوى هذه الرواية، بل إن بعض ما كتبت واجه الكثير من الصعوبات مع ناشري العصر الفكتوري وتم رفضه.  رواية "جين آير" هي في الواقع التي صنعت اسم شارلوت برونتي كروائية، وحققت النجاح منذ نشرها عام 1847 لتصبح على مر السنين من عيون الأدب الإنكليزي.



وحتى من لم يقرأ رواية "جين آير" لا بد من أن يكون قد شاهد أحداثها على الشاشة الفضية، فقد أنتجت الرواية سينمائياً اثنتين وأربعين مرة وكان أول تلك الأفلام فيلم إيطالي صامت عام 1910 ثم توالت الأفلام في هوليوود واسبانيا واليونان وانكلترا وحتى السينما المصرية لم تغفلها فقدمت عام 1962 فيلماً من بطولة ماجدة ويحيى شاهين. أما آخر تلك الأفلام وقد لا يكون أخيرها فهو الفيلم الذي يعرض في لندن حالياً ويحمل اسم الرواية، من بطولة ميا فاشيكوفسكا بدور جين آير، والتي أثارت اهتمام الجمهور في العام الماضي في فيلم "أليس في بلاد العجائب" ثم فيلم " الأولاد بخير"، وقام بدور المستر روشيستر الرجل الغني الوسيم الغامض، مايكل فاسيندر الذي أحبه عشاق السينما في فيلم "سينتوريون" التي تعني قائد المئة جندي عند الرومان.  مخرج الفيلم، كاي فوكوناجا، شاب يقدم فيلمه الثاني لجمهور السينما، ورغم ترحيب النقاد بنظرته المعاصرة لرواية من القرن التاسع عشر، إلا أن الكثيرين منهم تساءلوا، لم يعاد تقديم رواية شارلوت برونتي في السينما للمرة  الثالثة والأربعين؟  ولم يختار مخرج شاب لفيلمه الثاني في قائمة أعماله السينمائية هذه الرواية التي مرت قبله على عشرات المخرجين؟ 
لعل الجواب يكمن في طبيعة رواية شارلوت برونتي، فهي تتحدث عن فتاة لاقت الأمرّين من قسوة الحياة، خاصة في الملجأ أو المدرسة الداخلية للفتيات، التي كانت في العصر الفكتوري سجناً للأطفال يجبرهم على اعتياد الحرمان.  وهي تجربة عاشتها شارلوت برونتي بكل تفاصيلها القاسية.  فبعد وفاة أمها وهي لم تزل في الخامسة من عمرها، جاءت خالتها للعيش معهم لتعتني بهم، ثم بدأت تشكو من حجم مسؤولياتها فاضطر والدها القس باتريك برونتي، لإدخالها هي وثلاثة من شقيقاتها، ماريا وإليزابيث وإميلي، التي كتبت فيما بعد رواية شهيرة أخرى هي "مرتفعات ويذرينغ"، إلى دار للأيتام مخصصة لبنات رجال الدين، بعد ثلاث سنوات من موت أمهم.  في دار الأيتام تلك التي تصفها شارلوت برونتي بكل دقة في روايتها "جين آير"، بل إن شخصية جين آير في مجملها، مستوحاة من تجربة شارلوت برونتي الشخصية.  في ملجأ الأيتام لاقت الشقيقات العذاب من القسوة والحرمان على مدى أكثر من عام كامل، بل كان من نصيب شارلوت أن ترقب إحدى صديقاتها الصغيرات وهي تموت من الجوع والبرد في ليلة مظلمة.  كان لحياة الملجأ القاسية تأثير سيئ على صحة شارلوت، فبقيت طوال حياتها القصيرة تعاني من الأمراض، كما عجلت في وفاة اثنتين من شقيقاتها إليزابيث وماريا وهما لم تتجاوزا العاشرة من العمر بعد إصابتهما بالسل.  وحين أخرجهما أبوها من دار الأيتام هي وشقيقتها إميلي، عاشت الشقيقات الثلاث إميلي وآن وشارلوت مع شقيقهما الوحيد برانويل، في بيت في مقاطعة يوركشاير مخصص لراعي الكنيسة هناك، يشرف على مقبرة وتصفر فيه الريح.  لكنه رغم ذلك كان المكان الذي فجر المواهب الأدبية لدى الشقيقات الثلاث والأخ الوحيد.
كانت البداية مع كتابة يوميات عن مملكة من صنع الخيال وعن الشخصيات التي تحيا فيها.  كانت شارلوت وشقيقها برانويل يكتبان نصوصاً مستوحاة من أشعار لورد بايرون (1788-1824) والتي أسمياها "أنغريا" فيما كانت إيميلي وآن تكتبان عن مملكة مشابهة اسمها "غوندال".  وما زالت بعض تفاصيل ما كتبتاه موجودة في بقايا مخطوطات.  وقد أمدتهما تلك الكتابات بما يشغل طفولتهما وصباهما المبكر.  ولكن مع حلول عام 1849 توفي برانويل وإميلي وآن وظلت شارلوت تعيش وحدها مع والدها ومع الشهرة والنجاح اللذين دخلا حياتها مع نشر روايتها "جين آير" رغم أنها نشرتها أصلاً تحت اسم مستعار "كيورر بيل" لكنها بعد كل ما أثير من تساؤلات حول حقيقة شخصية الكاتب، كشفت عن اسمها الحقيقي وتوطدت علاقتها مع العديد من كبار كتاب عصرها مثل الروائي الفكتوري الساخر وليام ثاكري (1811-1863) والناقد والمؤرخ جي أتش لويس (1817-1876) والروائية والقاصة إليزابيث كاسكيل (1810-1865) والباحثة الاجتماعية هارييت مارتينيو (1802-1876).  واعتبرت روايتها فاتحة لعصر جديد للأدب النسائي فبطلتها جين آير امرأة تعرف ما تريد وتسعى للحصول عليه وتفوز بحب الرجل الذي غير معالم حياتها.  بل يعتقد الكثيرون أن شارلوت تزوجت رجلاً يشبه إلى حد كبير المستر روشستر لكن الحياة لم تمهلها وماتت هي وجنينها وهي في التاسعة والثلاثين من عمرها. 
السينما أحبت هذه الرواية وقدمتها في أعمال كبيرة لعل أهمها الفيلم الذي عرض عام 1944 من بطولة نجم هوليود الشهير أورسون ويلز والحسناء جين فونتين  وأخرجه روبرت ستيفنسون وشارك في كتابة النص الكاتب الشهير الدوس هكسلي وأثار مثل العديد من أفلام ويلز ضجة فنية.  ولا ننسى الفيلم الذي أخرجه الايطالي فرانكو زفاريللي عام 1969 وقام بأدوار البطولة فيه شارلوت غينسبرا ووليام هيرت. كما قدمت هيئة الإذاعة البريطانية عام 1983 مسلسلاً ناجحاً ضمن أهم الأعمال الأدبية التي تندرج في مناهج الدراسة قام ببطولته الممثل البريطاني المعروف تيموثي دالتون أمام زيلا كلارك.  كما قدم التلفزيون البريطاني مسلسلاً تلفزيونياً ثانياً في 2006 من بطولة رووث ويلسون وتوبي ستيفنز وسجل نسبة مشاهدة عالية. واليوم يلاقي الفيلم الجديد النجاح ويظل السؤال قائماً ما هو سر هذا السحر الذي يكتنف حكاية جين آير رغم كل بؤس وعذاب مبدعتها شارلوت برونتي.
المدى

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced