دور المنظورية فـي تضخيم الرعب.. هاملت والملك لير مثالاً
نشر بواسطة: Adminstrator
السبت 19-11-2011
 
   
صلاح نيازي
ارتعب هاملت.وما كان أشدّ  ارتباكَهُ! حين رأى شبح والده، فخاطبه:"أخبرْني لماذا نزعتْ عظامُكَ أكفانها وقد دُفِنتْ حسب الطقوس، لماذا فتح القبر شدقيه الرخامييْن الثقيليْن
ليلفظكَ مرّة أخرى، وقد رأينا تابوتكَ يوضع فيه،

ماذا تعني عودتك؟"
أثار هاملت بجملة: "ماذا تعني عودتك؟"، فضول السامع اوّلاً، وإدخال الخوف في النفوس، خاصة حينما طلب الشبح من هاملت أن يتبعه إلى" مكانٍ أكثر عزلة"، وهاملت لا يعرف  هل نوايا الشبح خبيثةً أمْ خيّرة.
قد يكون من المفيد أن نتتبع تقنيات شيكسبير في تكبير الخوف مرحلة بعد أخرى.
استنجد هاملت  حين رأى الشبح، "بملائكة  السماء ورُسِلها أن تحميه". كذا تهالك كلية مما رأى، فلم يسعفْه عقله في تفسير هذه الظاهرة الغريبة، ولا اسْتُنفرتْ  قواه الجسمانية للذود عنه، خزينه في العقل الباطن عن الأشباح جعله يجفل كردّ فعلٍ انعكاسي. المعتقدات الإليزابيثية المتفشية آنذاك، تقول:"إنّ الذين يرون الأشباح يجدون شفاههم في كثير من الأحيان تتفطّر، ووجوههم تنتفخ كأنما ضربتهم ريح فاسدة"، بالإضافة الى إن شبح الميت قد يتجوّل هنا وهناك، إذا لم تُقَمْ له طقوس الدفن  حسب الأصول المرعية. لذا كان على هاملت أن يفتش عن تفسير آخر، خاصة وأنّه  متأكد من أن طقوس دفن والده جرت على ما يرام.
إذنْ ماذا تعني عودتك؟
وحتى يزيد شيكسبير من الغموض الذي يكتنف ظهور الشبح، جعله يأتي من منطقة لا يصلها ضوء القمر: "أنتَ الجثة الهامدة، بكامل سلاحك مرّة أخرى  لتسير هكذا في ضوء القمر المتقطّع".
يوحي ضوء القمر هنا، إلى أنّه كان "شاحباً ومتقطعا في هذه الليلة المنذرة بالشؤم".
يضفي وجود هوراشيو ، وهو صوت العقل في المسرحية، بتعليلاته الحكيمة بعداً آخر للخوف، حيث أشار إلى معتقد كان شائعاً في العصر الإليزابيثي، "ذلك أن الشياطين كثيراً ما تغري  الأرواح المضطربة (وقد اضطربت الآن روح هاملت) إلى قنّة جبل (خارجة منه وداخلة في البحر) حيث تستطيع أن تجمّل في عيونهم اليأس، فينتحرون"، طريق المنتحرين إلى الجحيم طريق واحد لا غير.
وزيادة في غموض المشهد نحت شيكسبير  كلمة جديدة هي: Cermens  وهي منحوتة من :Cerecloth (قماش مشمّع يُلَفّ به الموتى)، وكلمة :Cermonies (أيْ: شعائر).

كانت روح هاملت تلوب. لا يثنيها شيء. لا بدّ من معرفة سرّ الشبح. هذا بحدّ ذاته عاملُ شدّ آخر. قال هاملت:" إنّ حياتي لا تساوي شروى نقير":Pin’s  fee.  ثُمّ تبع الشبح حاملاً روحه على كفّه، "إلى حيث ألقتْ رحلها أمُّ قشعم"..
لم يكفّ هوراشيو عن ثني هاملت، بل استعان هذه المرة بالطبيعة:
"ماذا لو أغراك صوب البحر، يا سيّدي اللورد
أو إلى قمّة المنحدر الصخري المرعبة
تلك المعلّقة على قاعدتها في البحر
وهناك ينتحل شكلاً مخيفاً آخر،
قد يجرّدك من السيطرة على عقلك
ويسحبك قريباً من الجنون، فكّرْ في ذلك.
المكان وحده دون باعث آخر،
يضع في كلّ دماغ حوافز للانتحار
إذا هو نظر إلى مسافات بعيدة في البحر
وسمع هديره من الأسفل".

(الفصل الأوّل- المشهد الرابع)
***

ظهرت مثل هذه المنظورية الجوية، في مسرحية الملك لير، ولها ما لتلك من تضخيم للخوف، إلاّ أنها هنا أكثر تعقيداً. تدور هذه المنظورية بين أدغار الابن المتنكر صوتاً ولهجة، وأبيه غلوستر الذي فقأت ابنتا الملك عينيه، وهو يريد الآن أن ينتحر.
غلوستر شخصية على طبيعتها، متفانياً في حبّ الملك، لكنه شخصية متسرّعة، جرّ عليه تسرّعُهُ أعقد النكبات، ففقد عينيه. كان له ولد شرعي اسمه أدغار، وآخر غير شرعي اسمه أدموند.
زوّر أدموند رسالة باسم أدغار زعم فيها أنه يريد قتل أبيه للاستحواذ على إرثه. يهرب أدغار ويخلو الجو لأدموند فـ"باض وصفر"ً.
فقأت غونريل، وريغن ابنتا الملك، عينيه لأنه كان يحبّ أباهما.
أدرك غلوستر، لكنْ "بعد خراب البصرة"، .  بلاهته في إيلاء دزموند ثقته العمياء. أدرك كذلك سوء حكمه على أدغار.
بسبب تسرّعاته تلك ، قرّر غلوستر الانتحار، وعيّن لمن يقوده (كان يقوده ابنه المتنكر أدغار) الصخرة الجبلية التي يريد أن يرمي نفسه منها في البحر:
غلوستر: هناك جرف صخريّ، رأسه عالٍ وناتئ،
يطلّ برعب على بحر عميق محبوس
في مضيق ضيّق
خذني إلى حافته الأخيرة بالذات
وأنا سأقوم..."
كان غلوستر يقول ما يمكن أن يكون مفتاحاً أساسياً للمسرحية، حسب بعض النقاد:"إن الأرباب السماوية وحوش سادية".
مهما دار الأمر؛ فقد قاد أدغار والده إلى الجرف الصخري المنشود، أو هكذا ظنّ الأب. الواقع لم يكنْ سوى ربوة صغيرة،  صوّرها أدغار لأبيه الأعمى على أنها قمّة شاهقة، وخطِرة شديدة الانحدار. معها صوّر الهاوية السحيقة للبحر، بأغرب منظورية جوية مركبة من ثلاثة مستويات.
أراد أدغار من البداية أن يدخل التردد في قلب والده، حيث قال:"النظر إلى الأسفل بهذه الدرجة، شيء مخيف ومدوّخ".
تتكوّن هذه المنظورية كما قلنا أعلاه من ثلاثة مستويات:
أوّلاً؛  الغربان والزيغان الطائرة، وهي تبدو بحجم الخنافس. المستوى الثاني؛ مشهد رجل في منصف الجبل يجمع الأشنان، وهو يبدو لبعده، بحجم رأسه. المشهد الثالث؛ يشمل صيادي الأسماك الذين يبدون كالفئران، ويشمل كذلك البواخر العالية الراسية التي لا تبدو إلاّ زوارق صغيرة.
حينما تكتمل العدة البصرية، ينتقل أدغار إلى حاسة السمع، للمرة الأولى في هذه المنظورية:"وجيشان البحر على الحصى العقيم الذي لا يحصى ولا يُسمع".
يشير أدغار في نهاية المنظورية إلى الخوف من النظر إلى البحر الشاهق، وهو شبيه بما ابتدأ به:
" لنْ أنظر أطول خشية أن أصاب بالدوار
ويجعلني نظري القاصر أسقط على رأسي"
قفز غلوستر، فلم يجدْ نفسه إلاّ في مكانه. بينما يعلّل أدغار خديعته هذه لأبيه، بقوله:"أعبث هكذا بيأسه لأشفيه".

المنظورية

أدغار: قفْ
النظر إلى الأسفل بتلك الدرجة
شيءٌ مخيف ومدوّخ
إن الغربان والزيغان التي تطير في منتصف الهواء
بالكاد تبدو أكبر من حجم الخنافس
وفي منتصف الجبل
يتعلق رجل يجمع الأشنان، مهنة مروّعة
أظنّ أنه لا يبدو أكبر من رأسه
والسمّاكون الذين يسيرون على ساحل البحر
يبدون مثل الفئران، وهناك باخرة عالية راسية
تضاءلتْ كأنها قارب نجاة صغير
وتضاءل زورقها إلى عوامة صغيرة جدّاً
لا يكاد يُرى
وجيشان البحر على الحصى العقيم الذي لا يُحصى
ولا يُسمع
لنْ أنظرَ أطول خشية أن أُصاب بالدوار
ويجعلني نظري القاصر أسقط على رأسي".

المدى

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced