حكايات هوفمان» لأوفنباخ: موسيقى في خدمة فرويد والتحليل النفسي
نشر بواسطة: Adminstrator
الخميس 18-03-2010
 
   
الحياة
كــــان علــــى أوبرا «حكايات هوفمان» للموسيقي الألمانــــي الأصـــل جاك أوفنباخ، أن تنتظـــر قرناً بكامله قبل أن تعرض كاملة، وللمرة الأولى بصورتها التي ستصبح نهائية، في دار الأوبـــرا الفرنسية (أوبرا غارنييه) وسط باريس، علماً أن «حكايات هوفمان» كتبت في الأصل لتعرض هناك. ولكن كان من سوء طالعها وسوء طالع ملحّنها، انه مات، في عام 1880 من دون أن يستكملها، إذ وجد خاصته بين أوراقه، نوطات توزيع هذه الأوبرا، ناقصة في مقاطع كثيرة منها، ما اضطر هؤلاء الى العمل عليها طويلاً لاستكمالها. ومهما يكن من أمر، فإن «حكايات هوفمان» كانت قدمت في عام 1881، أي في العام التالي لرحيل أوفنباخ، ولكن في الشكل الناقص، والعشوائي بعض الشيء الذي جمع على عجل إثر رحيل الرجل. ويمكن القول انها، عند ذاك، قدمت على سبيل التكريم لتعطي فكرة عن تلك الأفكار والهواجس التي كانت تصطخب في رأس ذلك الموسيقي المبدع حين كان يعاني كوابيسه وهواجسه خلال السنوات الأخيرة من حياته. وفي هذا السياق قد يكون من المفيد أن نذكر، أن مناخات هذه الأوبرا، وهي مناخات مملوءة بالغرابة، اشتغل عليها أوفنباخ مجدداً، الى درجة أن كثراً من الذين كتبوا لاحقاً عن مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد لم يفتهم أن يذكروا أن بعض أجواء الأوبرا خدمت كأساس لبعض النظريات التي عبر عنها فرويد في كتابه الأهم «الغرابة المقلقة». بل أن هناك من يرى أن كتاب فرويد يدين، أصلاً، بجزء من وجوده، الى تلك العوالم الغريبة والمقلقة تحديداً التي رسمتها موسيقى أوفنباخ، انطلاقاً من حكايات هوفمان.
> وإذا كان هوفمان كتب الكثير من تلك الحكايات التي اعتبرت حيناً حكايات للصغار، وأحيانا أمثولات وقطعــــاً للكبـــــار مملوءة، في باطنها، بالدلالات والمعاني، فإن ما فعله أوفنباخ هنا، انــــه أخــــذ ثلاثاً مـــن تلك الحكايات ووحّدها، انطلاقاً من مسرحية منطلقة من النصوص نفسها كتبها جول باربييه. ثم جعل من الكاتب نفسه، هوفمان، رواية للحكايات... لكنــــه لم يكن مجرد راوية وحسب، بالتأكيد. فهوفمان، هنا، وكما سنكتشف منذ بداية الأوبرا، شاعــــر وموسيقي، يعيش تعاسته وهواجسه (كما هي حال أوفنباخ تماماً). وهو يمضــــي وقته في رفقــة نيكلاوس، صديقه المخلص، ومستشاره والشاهد المتعاطف، على حكايــــات غرامه المستحيلة. أما البطلة التي تواجه هوفمان في الأوبرا، فهي ستيلا التي تدخلنا عبر شخصيتها في الفصول الثلاثة التي تأتي على شكل حكايات. والحال أن ستيلا تمثل نوعاً من التوليف بين ثلاثة أنماط من النساء أغرم بهن هوفمان: الصبية والفنانة والمحظية.
> قبل الفصول/ الحكايات الثلاث التي تتألف منها الأوبرا، يطالعنا تمهيد هو نوع من الافتتاحية، تدور أحداثه في دار الأوبرا، حيث تقدم المغنية الرئيسة ستيلا دوراً مفضلاً لديها، هو دور الدونا آن في أوبرا «دون جوان» لموزارت. ونرى منذ البداية هوفمان، عاشق ستيلا، وهو يتهم لندورف، غريمه في ذلك الغرام، بأن وجوده يحمل الى ستيلا سوء الطالع. وإذ يجد هوفمان نفسه، هنا، محاطاً بأصدقائه، يشرع في أن يروي لهم حكايات غراميات ماضيه، وهم استجابة لذلك يملأون كؤوسهم شراباً ثم يصيخون السمع وكلهم فضول وتعاطف، تواقون لسماع ما سيرويه هوفمان. وما يرويه هوفمان هو، بالطبع، ما يشكل فصول الأوبرا الثلاثة: بطلة الفصل الأول هي أولمبيا، الصبية، التي ليست سوى دمية ميكانيكية اخترعها وصنعها المدعو سبالانزاني. وما يحدث هنا هو أن هوفمان يغويه سحر هذه الفتاة/ الدمية، ويعبر عن ذلك في وقت يأتي كوبليوس، الذي كان زوّد المخترع بعيني الدمية، ليطالب بأجره. والمخترع لكي يتخلص من كوبليوس ينقده شيكاً بلا رصيد... فلا يكون من كوبليوس إلا أن يثأر بتحطيم الدمية ومعها فؤاد هوفمان، العاشق، الذي يبدو عاجزاً عن التفريق بين دمية وصبية حقيقية.
> الفصل الثاني يدور على أنطونيا، الفنانة التي نعرف انها ورثت من أمها داء قاتلاً، فــــي الوقــــت نفسه الذي ورثت حب الغناء. أما الأب، عازف الكمان كريسبـــل، فإنه إذ يــــدرك أن استشــــراء داء ابنته مرتبط بغنائها، ينتزع منها وعداً بالتوقف عن الغناء درءاً لهـــا مـــن الموت. ولكن يكــــون من سوء حظ أنطونيا انها تغرم بهوفمان، فتغني له أغنية مــــن أغنياتهــــا، ما يزيــــد من استشــــراء الداء. وهنا يظهر الطبيب ميراكل الذي ثمة شك في انه هو الذي تسبب، اصلاً، في مقتل أم أنطونيا. وفور ظهوره يبدأ ميراكل بالتحدث الى الفتاة عن المجد الذي ينتظرها إذا هي انخرطت في حرفة الغناء الأوبرالي. وحين يظهر بعد حين هوفمان للذود عن محبوبته والتصدي لاقتراح ميراكل، يكون الأوان فات: لقد ماتت أنطونيا.
> وبهذا نصل الى الفصل الثالث وبطلته، هذه المرة، جولييتا، المحظية التي تدعو هوفمان وصديقه نيكلاوس الى احتفال صاخب. وخلال الاحتفال يظهر دابرتوتو الذي يحاول استمالة جولييتا، مغوياً إياها بجوهرة ثمينة يعدها بتقديمها إليها إن هي تمكنت من الحصول على صورة هوفمان في المرآة. وإذ تعلم جولييتا هوفمان بالأمر، تروق له الفكرة ويسمح لها بأخذ صورته، ولكنه سرعان ما يصاب بالهلع إذ يدرك، وقد راحت السكرة وأتت الفكرة، ما خسر حقاً، لذلك يسرع ويقتل غريمه دابرتوتو. ولكن جولييتا، ما إن ينجز ذلك، حتى تنصرف الى السخرية منه تاركة إياه لتذهب مع أصدقاء لها. وتكون النتيجة أن يترك هذا كله، الشاعر ثملاً... وسط أصدقائه وهو يروي لهم ما حدث، فيما تكون ستيلا انتهت من تقديم أوبرا «دون جوان» وسط تصفيق الجمهور المعبّر عن إعجاب بلا حدود. وإذ تصل ستيلا مظفرة ضاحكة، تكتشف أن هوفمان بالكاد قادر على التحدث إليها... فلا يكون منها إلا أن تخرج متأبطة ذراع لندروف.
> حين شرع جاك أوفنباخ (المولود في كولونيا - ألمانيا - عام 1819، والراحل في باريس عام 1880) في تلحين أوبرا «حكايات هوفمان» كان يعيش، كما أسلفنا، سنواته الأخيرة. فهو في عام 1876، وبعد مغامرات مالية وإخفاقات عاطفية أوصلته كلها الى وهدة الإفلاس، ترك المسرح الذي كان يديره وشرع يقوم بجولة فنية في الولايات المتحدة الأميركية مكنته من أن يقوّم وضعه المالي والمهني بعض الشيء. وهو أمر عبر عنه في كتابين وضعهما تباعاً بعنوان: «ملاحظات موسيقي مسافر» و«اوفنباخ في أميركا». لكنه ما إن عاد من رحلته واستقرت أموره حتى بدأت الأمراض تنهشه والوحدة تعذبه. وهكذا رأى في حكايات هوفمان الثلاث وسيلة للتعبير عما وصفــــه، فلحنهــــا ببطء، لينجزها بالكاد عند رحيله، ولتقدم في عام 1881، في شكلها الأول بعد شهور من رحيله في قاعة «أوبرا كوميك» الباريسية. وأوفنباخ درس الموسيقى (عزف الكمان ثم الفيولونسيل) باكراً منذ كان في التاسعة في عمره في مسقطه كولونيا. ومنذ ذلك الحين برزت مواهبه الى درجة أن كونسرفاتوار باريس ضمه إليه على رغم أن ذلك كان محظوراً على أي أجنبي في ذلك الحين. وهو في عام 1834 ترك الكونسرفاتوار لينصرف الى هوايته وحرفته النهائية: الأوبرا والمسرح. وبعد نجاحاتهــــا الأولى فـــي باريـس تجول بين ألمانيا ولندن، ثم بدأت تظهر أعماله تباعاً، من «حكايات لافونتيـــن» الى «تكريم لروسيني» فـ «موزيت» و«السيدة البوهيمية». ولم يتوقف بعد ذلك عن التأليف منصرفاً في كليته الى الأوبرا والمسرح، مؤلفاً أعمالاً لا تزال حاضرة الى اليوم مثل «أورفيه في الجحيم» و «هيلين الجميلة» و«الحياة الباريسية» وغيرها

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced