أنا وزوجتي والغياب واللغة (1)
بقلم : هاني فحص
العودة الى صفحة المقالات

يقول رسول الله كلمة «احبك للزوجة لا تذهب من بالها ابداً». ويقول اهل السيرة عنه: «كان يقوم بوظيفة اهله، يقطع اللحم معهن، ويقول: خيركم خيركم لأهله وشركم شركم لأهله».
اذاً هي معيار الخير والشر، وهي اهل بقول مطلق. هنا تلامس اللغة العربية في تنقلها الرشيق بين المعنى الحقيقي والمجازي، بلوغا الى قلب المعادلة او تعديلها، تلامس اسرار التكوين وحركته. ويكشف القرآن بعداً رابعا في معنى المرأة يقول: «او من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين»... كأن الحلا والحُلى والحلي والحلاوة، كأن الجمال شرط من شروطها، تتحقق به وفيه ويتحقق بها وفيها، وهي عندما تعيا عن البيان، لعجز في المقدور ونبل في القادر، تعيا في الود وفي الخصام معاً، في الخصام لأنها ليست من شأنها ان تون جارحة، هي تكمل الكلام بالصمت والعبارة بالعبرة فتكتمل العبرة... وفي الود لأن خفرا اتى من نشأتها جعلها تلمح ولا تفصح فتبلغ، شأن الوردة مع عطرها وشوكها.
-2-
ودعتها بسرعة لأن سفرها لن يطول، وما ان توارت حتى شرعت في انتظارها وتذكرت الشريف الرضي: «تلفتت عيني ومذ خفيت/ عني الطلول تلفت القلب».
لم تكن قد وصلت الى مقصدها في مدينة «العين» من امارة «ابو ظبي» حتى انبثت بين عيني والعين عين و«كأن النهار حجر بثقب الحياة
وكأن النهار عربات من الدمع» (أدونيس).
ولكن خمسين ونيفاً من السنين، الى وجهي (الملح والفلفل لوناه) جعلتني آوي كما آوى الشريف الرضي الى «اكرومتي وحياتي» واضيق ذرعا بالشاهد البلاغي الذي تعلمته قبل المكابدة «سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمد». ولأول مرة تلتبس علي العين بالعين من دون ذنب اقترفته، واللغة العربية كثيرة الاشتراكات، ومئات المفردات فيها موضوعة ومستعملة، من دون حرج، واحيانا من دون قرائن لفظية او حالية، في معان متعددة ومتمايزة واحيانا متضادة، كأن هذه اللغة تتبرع بحل التضاد فتقول الغابر مثلا للموغل في الماضي والممعن في المستقبل... لعلها تذهب الى السر التكويني في مجرى الزمان والحياة، الوجود فتتسامت في حضرتها الموجودات اياً كانت ماهيتها. قد يعني ذلك صحة ما يذهب اليه بعض اهل العرفان من ان اللغة تدخل في منظومة الاسباب والعلل... هذه اللغة تسبق قواعدها ثم تستوعبها وتتجاوزها، تذهب الفاظها الى معانيها على دليل ذاتي فيها، وتأتي المعاني الى الفاظها على نور يهديها، «هن لباس لكم وانتم لباس لهن» يكتنف اللفظ معناه ويكتنف المعنى لفظه، يتحد الدال والمدلول، وكأن لا دال ولا مدلول ولا دلالة! وتبدو المغايرة بين اللفظ والمعنى محض اعتبار تقتضيه محدودية الذهن في الادراك، التي تقترب من العجز عندما يكون المدرك واحدا ذا مستويات متكثرة... من هنا يصبح السؤال لعباً: ايهما الاول؟ ام المعنى؟ الشكل ام المضمون؟ الروح ام الجسد؟ انا ام هي؟ هل هناك لفظ محض ومعنى محض او مضمون محض او شكل محض؟ وفي المأثور «النساء شقائق الرجال» وفي التنزيل «ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا» ان المضمون جزء من الشكل، جزؤه الصلب، صلبه، والشكل جزء المضمون، جزؤه الصلب، صلبه، «خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب»... وهناك من يرى ان الواضع الاول، المؤسس في اللغة هو الله الذي «علم آدم الأسماء كلها» وينأى باللغة عن كونها ظاهرة اجتماعية (كالدولة مثلاً) الى كونها شأنا كونياً، ما يجعل الثنائية الظاهرة بين اللفظ والمعنى راسخة على نصاب الواحدة، في وعي الموحدين خصوصا، ويمكن الفرار من وحدة الوجود الى وحدة الموجود تجنبا لتهمة الارتداد، وهكذا تصبح ثنائية المرأة والرجل مدورة، شأنها شأن دوائر الكون والحياة التي تتعدد وتتماس حتى تكاد تلتبس «يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل».
( الاسبوعية)

  كتب بتأريخ :  الأحد 05-07-2009     عدد القراء :  2857       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced