كابوس السرطان !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

يبدو أن النوائب في بلاد الرافدين باتت قاعدة، والفرج هو الاستثناء. فهناك نوائب من كل طراز، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وبيئية. أما النوائب الصحية فلعلها الأكثر إيلاماً للملايين من الناس. فهم يعانونها حيثما حلوا: في المياه التي يشربون، والأمراض التي بها يصابون، والعواصف الترابية والرملية التي تخنقهم، والمستشفيات والمراكز الصحية العاجزة، والأجهزة الطبية القديمة والعاطلة، وغياب النظافة والتعقيم، والأدوية الفاسدة وسوقها السوداء، وانتشار الأوبئة الخطرة جراء التلوث الكيمياوي والاشعاعي، وازدياد عدد وفيات الأطفال والنساء الحوامل عند الولادة، وتدني مستوى الخدمات الصحية، وتخلف وفساد الجهاز الاداري الصحي، وانحدار الثقافة الصحية، ومعاناة الأطباء والكوادر، وهجرة الآلاف منهم، وتدني مستوى التطور العلمي والمهني، والدمار الهائل في البنية التحتية للمؤسسات الصحية، والاهمال المروع في صيانتها وإعادة تأهيلها ... والقائمة تطول.
كل هذا وسواه مما يصعب وصفه يجري في العراق "الجديد" الذي يعتبر من بين "الأسوأ في العالم" من حيث المستوى الصحي.
وتتجلى الكارثة الصحية، في جانب منها، عبر ما رصدته منظمة الصحة العالمية التي أشارت الى وجود 200 من الأمراض السارية و120 من الأمراض الجديدة !
وتتفاقم الأمراض الفتاكة في بيئتنا الملوثة. فقد نقلت أنباء صحفية عن البرنامج الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية حقائق مروعة، بينها ظهور أمراض انتقالية ووبائية خطرة، وأخرى مرتبطة بالاشعاعات. وحلت البصرة في المرتبة الأولى في نسبة انتشار الأمراض السرطانية حسب احصائية لمنظمة الصحة الأميركية.
وتؤكد احصائيات وزارة الصحة أن حوالي 12 ألف مواطن يصابون بالسرطان سنوياً، فيما أكد مفتش عام في الوزارة أنها لا تستطيع توفير العلاج الكامل للمصابين. واعتبرت منظمة بريطانية انسانية أن العراق من بين الدول الأكثر انتشاراً لمرض السرطان، بسبب الحروب وانتشار الأشعة الناجم عنها وأنماط التلوث الأخرى، ونقص العلاج الدوائي والاشعاعي، وعدم وجود مستشفيات متخصصة على نحو كافٍ، وعجز الامكانيات الطبية عن معالجة المرض.
وتصف منظمة مكافحة السرطان العالمية دور وزارة الصحة بأنه "ضعيف"، وتقدم احصائية أخرى عن عدد المصابين بالسرطان سنوياً، فتذكر أن الرقم يصل الى 20 ألف مصاب.
ووفقا لاحصائيات وزارة الصحة فقد شهدت البصرة 5382 إصابة، توفي ثلث المصابين وعولج ثلث ومايزال ثلث ينتظر. وشهدت بغداد 4191 إصابة، توفي أكثر من نصف المصابين ولم يعالج إلا 11 في المائة فقط. وفي النجف ما يزيد على ألف إصابة، توفي 721 من المصابين ولم يعالج من بقي على قيد الحياة. ومن بين 729 مصاباً في بابل توفي أكثر من النصف ولم يشفَ الا خمسة. أما في ذي قار فتوفي ما يقرب من 80 في المائة من أصل 500 مصاب، ويعاني الباقون من موت بطيء كحال أقرانهم في المحافظات الأخرى. وفي كربلاء 466 مصاباً لم يشفَ منهم سوى 41 بينما توفي أكثر من النصف. وتوفي في ديالى حوالي 200 من بين ما يزيد على 400 مصاب، ولم يشفَ سوى 16. وفي ميسان توفي ما يزيد على 77 في المائة من بين 395 مصاباً ولم تعالج  أية حالة. وفي واسط 381 مصاباً توفي منهم 264 ولم يشفَ غير 10. وفي صلاح الدين شفي 40 من بين 217 مصاباً بينما توفي 107.
وفضلاً عن هذه الحقائق المفجعة تنتشر، من بين كوارث أخرى، ظاهرة تشوه الأجنة وحالات العوق الولادي التي تجاوزت نسبة 35 في المائة من الولادات.
*    *    *
أسباب السرطانات كثيرة كما يشخصها الأخصائيون، غير أن السبب الرئيسي هو التلوث الناجم عن حروب الدكتاتورية. فالبعث الفاشي لم يكتفِ بتشويه العقول فراح يشوه الأجنة، ولم يكتفِ بحصد الأرواح في الحروب وزنازين التعذيب والتغييب والمقابر الجماعية فراح يحصدها عبر السرطانات التي نشرها، هو وسادته "المحررون"، في سائر أنحاء العراق.
وليس من المبالغة في شيء القول إن التلوث البيئي هو الأكثر خطورة، وخصوصاً ذلك الناجم عن حرب الخليج الثانية عام 1991 وحرب "التحرير" عام 2003، حيث نشرت الأسلحة الفتاكة، التي استخدم  فيها اليورانيوم المنضب، التلوث الاشعاعي في بلادنا.
غير أن الأكثر ترويعاً وإيلاماً أن سائر الجهات المعنية من "المحررين" و"المقررين" تتجاهل هذه الكارثة العظمى المطوقة بالمآسي والفضائح والفساد والأسرار والعجز والاهمال والاستهتار بحياة البشر.
هناك من يريدون طمس الحقائق عن الحجم المهول للكارثة، محاولين تضليلنا بشأن "براءة" الأسلحة، التي استخدمت في الحروب، من انتشار السرطانات. وليس من العسير القول إن هذه المزاعم مدفوعة الأجر من جانب تلك القوى التي أشعلت الحروب، وتريد التملص من الاستحقاقات المترتبة على ما اقترفته من آثام، وبينها تعويض الضحايا، وهم مئات الألوف.
كل هذه النوائب، التي تبدأ بالمحاصصات المقيتة، حيث "المقررون" مشغولون عن فواجع الملايين بصراع الامتيازات، ولا تنتهي بجفاف الرافدين، ترسم صورة العراق "الجديد"، المتقدم بين الأسوأ صحياً، بعد أن كان المتقدم بين الأفضل صحياً.
أيمكن لصرخة استغاثة أن تهز الضمائر، وتوقف انحدار بلاد الرافدين نحو مزيد من النوائب !؟ 

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 04-08-2009     عدد القراء :  2842       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced