هل للعنف جين؟ - ( ظاهرة الكتابات العنيفة والردود القاسية)؟
بقلم : د. بهجت عباس
العودة الى صفحة المقالات

هل هناك جين للعنف؟ نعم .

هل (يصنع) هذا الجين سلوك الإنسان أو تصرفه؟ كلا .

هل يؤثر هذا الجين بمفرده على هذا السلوك؟ نعم .

إذا عرفنا أن تصرف الإنسان أو الحيوان مرتبط بدماغه ، وهذا الدماغ يعمل بواسطة مواد كيميائية تفرزها خلاياه ، فإن أيَّ (تداخل) في هذه العملية يؤدي إلى انحراف في السلوك ، سواء أكان هذا الانحراف أو التغير في وظيفة الدماغ لفائدة حامله أم في ضرره . ومن بين هذه الانحرافات هو العنف . يمكن أنْ يـُعرَّف العنف بأنه الاعتداء على الآخرين، سواء أكان ماديّـاً (جسديّـا)ً أم معنـويّـاً (كلاميـاً)، وهو موجود في البشر منذ أن فتك قابيل بأخيه هابيل. ولكنَّ شعوب العالم تتباين فيه من حيث النسبة والشدّة والنوع. أما المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ والتي تسيطر على فعاليته أو وظيفته فتسمّى بالنواقل العصبية neurotransmitters ، وهي متخصصة ويُـقـدّر عددها بخمسمائة ناقل ، لذا يكون ثمة 500 مجموعة من الخلايا العصبية موجودة في الدماغ . الناقل الكيميائي ينقل الإشارات بين الخلايا العصبية عبر فجوات خلوية synapses . فالسيروتونين يكون مسؤولاً عن المزاج ، الشهيّة ، النشاط الجنسي والنوم ، والنورأدرينالين عن الهم والغم ومتورطة في الجهاز العصبي السمبثاوي بينما الدوبامين ينظم العاطفة وهو في الحقيقة مركز الانشراح والطرب في الإنسان . ولكن هناك خميرة (إنزايم) تسمّى مونوأمين أوكسيديس Monoamine oxidase تنظِّم عمل هذه النواقل ، بتحطيمها الفائض منها ، فتحوّ ُلها إلى مواد َّغيرِ فعّـالة ، أو بمعنى آخر تسيطر على فعاليتها . إذا عرفنا أنَّ كل خميرة ، وهي بروتين ، لها جين خاص يتوسط بصنعها ، يكون لهذه الخميرة جين أيضاً . اكتشف هذا الجين العالم الهولندي هانز برونر بالتعاون مع زاندرا بريكفيلد ( مساشوسيت ) في أوائل هذا القرن ، فوجدا أنه يقع على الذراع الطويل للكرموسوم X في الذكـر. ولما كان التركيب الجيني الجنسي للرجل XY ، لذا يوجد هذا الجين بنسخة واحدة ويورث من الأم فقط . أما الأنثى ، فهي تملك نسختين منه لتركيبها الجيني XX ، أي أنها تملك كروموسومي XX . وقد و ُجـد حديثاً أنَّ هذه الخميرة تلعب دوراً كبيراً في تصرف الإنسان، وخصوصاً العنف ، حسب كميتها الموجودة في الدماغ . تؤثر البيئة على هذا الجين ، فهي لا تتفاعل معه وحسب ، بل تؤثِّـر على فعاليّـته . فقد (تُـطفـئ) فعاليّـته أو (توقدها). بعض الجينات يُنـظِّـم عمل جينات أخرى ، وتدعـى بالجينات المُـنـظِّـمة (بكسر الظاء المشددة) ، وهي تتأثّـر بالبيئة أيضاً ، وهذا يضطرّها إلى (إطفاء) أو (إيقاد) الجينات التي تتوسّط بإنتاج البروتينات أثناء نمـوّ الفرد (الطفل) وحتى مراحل متقدمة من العمـر . وهذه الأخيرة هي جينات منظِّـمـة أيضاً تؤثِّـر على جينات أخرى وهكذا دواليْك ، كما يقال ، فهي سلسلة تفاعلات .

يوجد جين المونوأمين أوكسيديس بنسختين اثنتين ؛ نسخة تنتج أو تتوسط بإنتاج كمية كبيرة (عالي الفعاليّـة) من هذه الخميرة ، ونسخة تنتج كمية صغيرة منها (واطئ الفعّـالّـية) . هذه الأخيرة هي جين العنف. ولما كان الذكر يملك نسخة واحدة من هذا الجين ، كما ذُكِـر أعلاه ، يكون أكثر احتمالاً من الأنثى، التي تملك نسختين ، أن يكون عنيفاً ، إذا كان هذا الجين (واطئ الفعاليّـة) . فإذا كانت إحدى النسختين (واطـئة) الفعاليّـة فتعوض بالنسخة الأخرى (عالية ) الفعاليّـة . وفي حالات نادرة أن ترث الأنثى نسختين (خاملتين) من هذا الجين ، فإن ورثت ، فالعنف يكون ديدنها . وقد تبيّـن من دراسات قام بها باحثون أخرون مثل أفشالوم كاسبي من معهد لندن للأمراض النفسية سنة 2002 أنَّ بعض الأولاد الذين يُساء إليهم في طفولتهم ينشأون طبيعياً إذا كانوا يحملون الجين غيرَ المشوّه، وبعضهم يكون عنيفاً في تصرفاته إذا كان الجين الذي يحمله مشوهاً. وهذا يعني أن ثمة اختلافاً ( جينيّـاً )، فالأشخاص الذين لديهم كمية كبيرة من البروتين مونوأمين أوكسيديس يكونون (مـُحصَّـنين) من العنف، والذين هم بفعالية واطئة من هذا البروتين، إذا أ ُسيئ إليهم في طفولتهم، يكونون أقـلَّ امتزاجاً بالمجتمع وأربعَ مرات أكثرَ عنفاً ومسؤولية عن حوادث الاغتصاب والسرقة والاعتداءات، وبمعنى آخر، إنّ الإساءة إلى الطفل ليست كافية ، فيجب أن يكون ثمة جين واطئ الفعالية ، كما أنَّ هذا الأخير ليس كافياً وحده للعنف، بل يجب أن تكون إساءة مصاحبة له . على أنّ الإساءة ليست مقصورة على الإساءة في الطفولة ، فقد تكون في أي مرحلة من العمر ، كالاضطهاد السياسي ، والتمييز العنصري والاقتصادي وغير ذلك .

أما لماذا تكون النساء أكثر كآبة من الرجال ؟ إنّه يعود إلى كثرة إفراز هذه الخميرة (إذا كانت النسختان من هذا الجين عالية الفعاليّـة) فتحطّم النواقل الثلاثة المذكورة أعلاه ، لذا تستعمل أدوية هي مثبـطّات المونوأمين أوكسيديس والتي تدعى Monoamine oxidase inhibitors (MAOI) لتكون ثمة كمية كافية من هذه النواقل التي تسيطر على العاطفة والانشراح والاتّزان

  كتب بتأريخ :  الخميس 06-08-2009     عدد القراء :  2821       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced